أكدّ سفير فلسطين لدى الجزائر، فايز محمد محمود أبوعيطة، في حوار لـ“الشّعب”، أن “العهد هو العهد والقسم هو القسم بأن نصون القدس في حدقات العيون، وألاّ نسمح للاحتلال بالاستفراد بمتر واحد من المدينة المقدسة”، داعيا الدول العربية والإسلامية لتحذو حذو الجزائر في دعم ونصرة القضية الفلسطينية، مؤكدا أن الرئيس تبون أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وأوقف امتداد التطبيع بمواقفه.
“الشعب”: الوضع الراهن في دولة فلسطين المحتلة يعيدنا إلى “إعلان الجزائر” والاتفاق التاريخي بين الفصائل الفلسطينية، أكتوبر الماضي، وضرورة الإسراع في تنفيذ “إعلان الجزائر” الذي هيأ الأرضية لإنهاء الانقسام الفلسطيني، هل ترون أن ذلك سيتجسد في القريب العاجل؟
الرئيس تبون أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة
السفير فايز محمد محمود أبوعيطة: هناك ضرورة ملحّة لتجسيد هذا الإعلان لأهمية إنجاز الوحدة الوطنية، خاصة وعلى ضوء همجية الاحتلال الصهيوني على الشعب الفلسطيني وعلى المقدسات. لذا فهذا يلزم الجميع بالمسارعة باتجاه الاتفاق الذي تم بالجزائر لما للوحدة الوطنية من أهمية في معركة التحرير ومواجهة الاحتلال الصهيوني. وستشهد الأيام المقبلة – بإذن الله – تجسيدا لهذا الإعلان الهام والذي بذلت فيه الجزائر جهودا كبيرة وجبّارة من أجل لم الشمل وتوحيد الفصائل الفلسطينية لتقوية موقفها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
يتجدّد العدوان على الشعب الفلسطيني، لاسيما في الضفة الغربية والقدس الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين، وما يتعرض له هذه الأيام من تدنيس هو استفزاز صارخ لمشاعر أكثر من ملياري مسلم في شهر رمضان الفضيل، كيف يواجه أهلنا في فلسطين هذا العدوان؟
الشعب الفلسطيني يفخر بتضحياته في سبيل درّة التاج.. الأقصى..
العدوان الإسرائيلي غاشم ومجرم وهو شامل ومتنوع؛ بمعنى أن العدوان الإسرائيلي يشمل كافة الأراضي الفلسطينية، يتمثل في صور عديدة، منها الاعتداء على المقدسات كالمسجد الأقصى، الاعتداء على أهلنا في الضفة الغربية، الاستمرار في اجتياح المدن الفلسطينية نابلس وجنين وأريحا ورام الله وغيرها… وأيضا على قطاع غزة من خلال مواصلة القصف الصهيوني على أهلنا العزّل في قطاع غزة، وبالتالي فهذا عنوان شامل ومتنوع؛ بمعنى أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم كل أنواع الأسلحة ويقوم بكل أنواع الجرائم والانتهاكات على الشعب الفلسطيني المتمثلة في استمرار اعتداءاته على المقدسات كما ذكرت، والاستمرار في الاعتداء على الشعب الفلسطيني بارتكاب جرائم قتل مباشرة واغتيالات، واستخدام القصف على أهلنا في قطاع غزة، بالإضافة إلى استمرار الاستيطان وسرقة ونهب الأراضي الفلسطينية واعتداءات المستوطنين المتواصلة على القرى والمواطنين العزّل. ومع ذلك، فإن الشعب الفلسطيني يواجه هذه الاعتداءات والجرائم بقوة ولا يكّل ولا يملّ، وأهم هذه الاعتداءات خلال الشهر الفضيل هي على المسجد الأقصى المبارك، فإسرائيل تريد أن تجسد نفسها في إطار القدس وفي المسجد الأقصى لتنفي الوجود الفلسطيني والإسلامي في هذا المكان المقدس، لكن الشعب الفلسطيني يهبّ منتفضا بمئات الآلاف، يتواجد أثناء الصلوات، لاسيما في هذا الشهر الفضيل بالمسجد الأقصى ليؤكد الهوية الوطنية والإسلامية والعربية لهذه المدينة المقدسة.
ممّ يستمد الشعب الفلسطيني صموده في وجه كيان مدعوم بأقوى الدّول في العالم؟
دعوة بوغالي مهمّة وتأتي في إطار توحيد الجهود لمواجهة ما يتعرض له المسجد الأقصى
دعني أخبرك أولا أن الكيان الصهيوني يبذل كل جهده ويعتمد على الدعم الخارجي لها وتحديدا من الولايات المتحدة الأمريكية، في عملية ممنهجة لتهويد وأسرلة المدينة المقدسّة، وهذا ليس اعتداءً على الشعب الفلسطيني فحسب، وإنمّا هو اعتداء على مليارين من العرب والمسلمين، يعتبرون المسجد الأقصى من أقدس مقدسّات المسلمين، وبالتالي الشعب الفلسطيني يدافع عن إرادة ورغبة وتطلعّات كل العرب والمسلمين.
أمّا فيما يتعلق بصمود الشعب الفلسطيني، فهو يستمد هذا الصمود ويتمتع بهذه الإرادة العظيمة أولا من إيمانه المطلق بعدالة قضيته، ومن إيمانه المطلق بأن هذه القدس هي حق للعرب والمسلمين وللشعب الفلسطيني، ومن إيمانه المطلق بأنه يدافع عن أهم المقدسات في العالم، والشعب الفلسطيني يفتخر بأنّ الله اصطفاه ليدافع عن هذه المدينة المقدسة، لذا فهو حريص كل الحرص على أبناء الشعب الفلسطيني ومقدّرات الفلسطينيين، وفي نفس الوقت، يفتخر بتقديم هذه التضحيات في سبيل درّة التاج، وفي سبيل المدينة المقدسة ولن يفرّط بذرّة من تراب القدس، كما قال الشهيد الراحل ياسر عرفات “ليس فينا وليس منّا وليس بيننا من يفرّط بذرّة من تراب القدس”.
هل ترون أن هناك تهديدا متصاعدا لحصرية المسجد الأقصى على المسلمين بعد الأحداث الأخيرة والتي تحاول فيها الميليشيات المتطرفة المدعومة من قبل الكيان المحتل تمرير رسائل خبيثة تستهدف حصرية المسجد الأقصى على المسلمين؟
حكومة الكيان المتطرفة تريد أن تصدّر أزماتها الداخلية إلى فلسطين
استهداف المسجد الأقصى من قبل الحركة الصهيونية كان قبل نشأة ما يسمّى بالكيان أو بدويلة الاحتلال. ومنذ مطلع العشرينيات من القرن الماضي ومحاولات الصهيونية حثيثة لتهويد وأسرلة المدينة المقدسة، وهذا لم يتوقف وبقي يتصاعد، مرورا بإحراق المسجد الأقصى عام 1969، وكذلك بأحداث “هبّة النطق” كما تسمى لدى الشعب الفلسطيني عام 1996، عندما بدأ نتنياهو يفكر في هدم المسجد الأقصى من خلال حفر الأنفاق تحت المسجد، وهو ما يعرضه للخطر، فهبّ الشعب الفلسطيني وأجهزة الأمن الفلسطينية للدفاع عن المسجد الأقصى وقدّما حينها العشرات من الشهداء وأوقعا خسائر فادحة في صفوف الكيان الصهيوني، مما اضطره إلى التراجع عن هذه الخطوة. وكذلك أحداث عام 2000 عندما قام شارون باقتحام المسجد الأقصى على رأس ثلّة من المتطرفين الصهاينة، وقتها كان شارون رئيسا للوزراء لدويلة الاحتلال وواجهه الشعب الفلسطيني بانتفاضة الأقصى، فكانت انتفاضة عارمة استمرت لسنوات ردّا على هذا الفعل الصهيوني الإجرامي في استهداف المسجد الأقصى، ليؤكد الشعب الفلسطيني أن المسجد الأقصى خط أحمر، ولن يسمح بتهويده أو أسرلته أو الاعتداء عليه بأي شكل من الأشكال. وتوالت عمليات التصعيد الممنهجة من قبل الحكومات المتعاقبة على دويلة الاحتلال، وكما نرى اليوم، الهمّ الأساسي لهذه الحكومة اليمينية المتطرفة، هو إنهاء الوجود العربي والفلسطيني في هذا المدينة المقدسة، وساعدتهم في ذلك إدارة ترامب عندما نقلت السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترفت بالقدس عاصمة لدويلة الاحتلال، وهذا كان مؤشرا خطيرا جدّا بوجود تكاتف أمبريالي غربي صهيوني على تهويد وأسرلة المدينة المقدسة. وهنا يتعاظم دور الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وفي مواجهة هذه الغطرسة والعملية الممنهجة في الاعتداء على المقدسات الفلسطينية. والشعب الفلسطيني صامد ويدافع بكل ما أوتي من قوة على مقدساته ولن يفرّط ولن يبيع قضيته، وهذا المسجد والقدس ليسا للبيع، ونحن نتمسك بهما ونتشرف بالدفاع عنهما، ونأمل من كل أشقائنا العرب أن يقفوا معنا في هذا المعركة، وأن يوفروا للشعب الفلسطيني كل عوامل الصّمود على أرضه، فمعركتنا في القدس وفي فلسطين معركة وجود، وبالتالي يجب أن نعزّز وجود الشعب الفلسطيني، كما أدعو كل الدول العربية والإسلامية إلى دعم الشعب الفلسطيني.
دعني أقول لك وأنا هنا لا أجامل، أوّد أن أشيد بالموقف المشرّف لدولة الجزائر، ابتداءً بموقف السيّد الرئيس عبد المجيد تبون الذي قال: نحن ندافع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وكذلك قال: لن نتخلّى عن فلسطين. وتقوم الدولة الجزائرية بتوفير كل ما يلزم حقيقة من دعم تجاه فلسطين، بالإضافة الى الموقف المشرف للشعب الجزائري بدعمه ومساندته للقضية الفلسطينية العادلة، وبالتالي نناشد كافة الدول العربية والإسلامية أن تحذو حذو الجزائر في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني بتوفير عوامل الصمود.
يحاول الكيان الصهيوني تصدير أزماته الداخلية عبر تكثيف العدوان على الفلسطينيين في القدس والضفة والقطاع، هل سنشهد تصعيدا في حدة المواجهات مستقبلا، وما تعليقكم على الأزمات التي يمر بها الكيان؟
التصعيد وارد في كل لحظة والمعركة مع الاحتلال مفتوحة ومستمرّة، تتصاعد أحيانا وتهدأ أحيانا، لكن الأساس أن معركة الشعب الفلسطيني مستمرّة إلى غاية تحرير فلسطين والمقدسّات، إن شاء الله.
أحداث كبيرة يمر بها الكيان الصهيوني والمجتمع الصهيوني اتجه نحو التصعيد والتطرف، وهذا انعكس على طبيعة هذا المجتمع وأفرز فئات متناحرة داخله، تتعارض مع بعضها البعض، وترفض السياسات التي يتبعها نتنياهو. واليوم هذه الحكومة اليمينية المتطرفة تريد أن تصدّر هذه الأزمات الداخلية إلى فلسطين من خلال التصعيد مع الشعب الفلسطيني واستهداف الفلسطينيين، سواء جسديا بمواصلة عمليات الاغتيال أو استهداف مقدسّاته.
وهل الوقت مناسب لانتفاضة شعبية ووضع برنامج نضالي كفاحي شعبي بكل أشكاله؟
الشعب الفلسطيني يطوّر وسائل مقاومته، ونحن كنّا في إطار انتفاضة شعبية، وكنا في إطار انتفاضة الأقصى وفي إطار هبّات متلاحقة، منها هبّة الأقصى التي استمرت لسنوات طويلة، وها هي مقاومة الشعب الفلسطيني تتواصل بأشكال مختلفة يعبّر عنها الشعب الفلسطيني بالطريقة التي يراها مناسبة وتتناسب مع ظروفه وقدراته، والأساس أن المعركة والانتفاضة مستمرّتان ولن تتوقفا، بغض النظر عن الظروف التي تفرض أحيانا، سواء التصعيد أو التهدئة، لكن الأهم أن الانتفاضة قائمة الى غاية تحرير فلسطين.
دعا رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي بصفته رئيسا لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الى اجتماع طارئ، عن بعد، للترويكا الرئاسية ولجنة فلسطين، وهو ما يجسد فكرة أن عودة الدبلوماسية الجزائرية للواجهة هو في صالح القضية الفلسطينية، وأن الجزائر سترافع للقضية القضية الفلسطينية من على أي منبر، كيف ترون مواقف الدول الإسلامية تجاه القضية الفلسطينية؟
مواقف الدول الإسلامية مواقف مهمّة، ولكن – كما قلت – تحتاج إلى تطوير، ودعوة السيد بوغالي أيضا مهمّة، وتأتي في إطار توحيد الجهود العربية والإسلامية والدولية في مواجهة ما يتعرض له المسجد الأقصى وفي مواجهة الجرائم التي تقوم بها دويلة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وهذا النشاط الكثيف للدبلوماسية الجزائرية في دعم الشعب الفلسطيني حقيقة هي نقطة فارقة ونقلة نوعية في العمل العربي في مواجهة الاحتلال الصهيوني. فما قامت به الجزائر من جهود أثناء انعقاد القمّة العربية لاتخاذ مواقف واضحة ومهمّة، أعتقد أنها شرعت في ترجمتها من خلال عقد مؤتمر دعم القدس الذي عقد بالقاهرة، وهو نتاج للقرارات التي صدرت عن القمة العربية التي انعقدت بالجزائر، وكذلك الموقف الذي تبنته الجزائر بدعم توجه دولة فلسطين لافتكاك الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدّة، وكذلك أيضا الخطوات التي تقوم بها الجزائر لتوحيد الجهود العربية، وأيضا توحيد الفصائل الفلسطينية بما فيها تجسيد “إعلان الجزائر”، وكل ذلك يعبّر حقيقة عن سياسة جزائرية ودبلوماسية نشطة لخدمة قضايا العرب والقضية الفلسطينية تحديدا.
لا يفوّت الرئيس تبون أي مناسبة لتجديد موقف الجزائر الثابت والراسخ تجاه القضية الفلسطينية، مثلما أكده في رسالته إلى الأمم المتحدة، والقمة العربية وخرجات عديدة عبر مختلف المنابر الإعلامية، كيف يرى الإخوة في فلسطين مساعي الجزائر لإعادة القضية الفلسطينية للواجهة؟
فعلا استطاع الرئيس تبون إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، لاسيما في ظل ما تعرضت له، من تراجع، للأسف الشديد، حينما تراجعت بعض الدول العربية عن مواقفها التاريخية من فلسطين والبعض تراجع وذهب باتجاه الهرولة نحو التطبيع، والرئيس عبد المجيد تبون وقف سدّا منيعا تجاه مواصلة هذا التطبيع، وبالتالي نحن نقدّر هذا الموقف للرئيس تبّون والذي كان له مفعول كبير في وقف امتداد التطبيع في الوطن العربي.