قدّمت الدكتورة فيروز بن رمضان الفلكلور، لدراساتها المنشورة بمجلة “قبس” المحكمّة، حول “العادات والتقاليد لدى طوارق الجنوب الجزائري الكبير، بتعريف هام لـ«الفلكلور” بما هو علم دراسة ثقافة الانسان، وإرثه وما ورثه عن أسلافه، وقالت إنه “ينعكس على ممارساته الحياتية الثقافية المادية واللامادية” في وسطه الاجتماعي..
تقديم: توفيق العارف
قالت الأستاذة بجامعة يحيى فارس بالمدية، إن “مجتمعنا الجزائري غني بالتراث الشعبي الذي يضرب بجذوره إلى أقدم العصور، ويتفاعل مع الواقع الحي، ويؤلف وحدة تكاملية تخلق أساسا راسخا ومتينا لبناء ثقافي، وصرح حضاري” وأضافت أن “التراث الثقافي التقليدي والشعبي بمنطقة الهقار متعدد غزير، له مكانة راقية في أوساط المجتمع التارقي، ويظهر هذا بشكل جلي في عاداته وتقاليده وممارساته الاجتماعية والدينية والاقتصادية التي يصعب التخلي عنها، فنجدها حاضرة في أفراحه وأقراحه ومناسباته اليومية والسنوية” وهو ما سوغت به الباحثة تخيّرها لـ«الحلي والأزياء التقليدية بالجنوب الكبير”، موضوعا للبحث.
مفاهيم مؤسِّسة..
وقبل الإيغال في دقائق الدراسة، قدّمت الدكتورة بن رمضان عددا من المفاهيم الهامّة، بينها “المجتمع” بما هو “النسق الاجتماعي المكتف بذاته، والمستمر في البقاء بفعل قواه الخاصة، والذي يضم أعضاء من الجنسين (ذكورا وإناثا)، ومن جميع الأعمار، وبالتالي، هو نتاج التفاعل بين الأفراد الذين يُكوّنونه، ويضبطهم جسد من التقاليد والرموز تتجلى أثناء عمليات التفاعل والضبط.
أما “الثقافة”، فقد وصفتها بن رمضان بأنها “صفة إنسانية، ومحصلة معرفية واعية تنتقل من جيل إلى آخر، وتجمع بين الأصالة والمعاصرة، ما بين التراث والمأثور ما بين عراقة الماضي وتقاليده، والبقاء والحياة بين الباس، بحيث لا تتعارض المدنية الحديثة، والأخذ مباهج الحياة المعاصرة مع ثقافة الناس، أما البنية الاجتماعية الثقافية التارقية – تقول الباحثة – فمثلها مثل البنية الاجتماعية لشعوب وقبائل الأمم الحضارية الأخرى، تؤكد عليها اللغة المنطوقة والمكتوبة، والمعتقد ونسق القيم والأثريات المادية كالشواهد الجدارية المقروءة، والحرف والصناعات التقليدية، إلى جانب الفنون وكل ما يشكل ثقافة الناس المتصلة بالممارسات الحياتية اليومية، اللامادية والمادية، إذ أنّ “الثقافة كلٌّ متجانس ومتكامل، تتلاحم فيه أنا الفرد مع أنا الجماعة حيلا بعد جيل، وعلم الفولكلور يُعنى بدراسة ثقافة الكل لا ثقافة الجزء.
ميدان الدراسة..
قدّرت الدكتورة فيروز بن رمضان أن “العمل الميداني يُعد من أصعب مراحل جمع ونقل ودراسة المادة الثقافية الشعبية، لكونها مشتة في أذهان الناس وعبر أمصار عميقة يصعب التوغل فيها، وأضافت تقول إن أراضي الجزائر في الجنوب عبارة عن صحراء قاحلة وعرة جرداء، منها الرملية والحصوية والصخرية، وهذه الأخيرة هي تقريبا أرض الهقار، والتي تقع في الجنوب الشرقي الجزائري، وهي التي ذكرها محمد السويدي نقلا عن ابن بطوطة قائلا: “وصلنا إلى بلاد الهقار، وهم طائفة من البربر الملثمون … وكان وصولنا إلى بلادهم في شهر رمضان.. وسرنا في بلاد الهقار شهرا، وهي قليلة النبات كثيرة الحجارة طريقها وعر”.
الأزياء التقليدية التارقية
قالت الباحثة فيروز بن رمضان إن الأزياء والحلي التقليدية في الثقافة الشعبية التارقية تحتل مكانة خاصة، وأضافت أنها من أهم ظواهر التعبير التقليدي الشعبي للمجتمعات وهي تقوم على عنصر الإبداع والتقليد، وترتبط بجميع ما يميز الحياة. وأضافت أن الأزياء ظلت، إلى جانب وظائفها في الستر والوقاية من حر الصيف وقر الشتاء، جزءا لا يتجزأ من متطلبات الإنسان لأنه مرتبط بالقيم الجمالية عند الشعوب والحضارات وحتى في المجتمعات البدائية، أو كما يقال لإنسان ما قبل التاريخ، وقد تفرد الإنسان التارقي بهذا المتطلب في شكله ولونه وطريقة لبسه، الأمر الذي جعله يستحوذ على إعجاب الجميع؛ لأنهم وفي الغالب يميلون في اختياراتهم للألوان، إلى اللون الترابي القريب من البيئة التي يسكنون بها، كالبنيّ الفاتح الذي يرمز لرمال الصحراء، والأزرق السماوي الذي يرمز للسماء والسكينة والهدوء، فالإنسان التارقي اختار أن يمثل الصحراء بزيه ويعبر عنها تعبيرا رمزيا يعكس حبه ودرايته بالبيئة المحيطة به.
ولوضع الرجال للثام أسطورة تحكي سبب ذلك، حيث يقال: “ إن قوما من لمتونة خرجوا للغزو، فخالفهم عدوّ آخر إلى مضاربهم، ولم يكن بها غير الأطفال والنساء، فأشار الشيوخ على النساء بالتلثم وحمل السلاح لإرهاب العدو، ففعلن، وظنهم العدو رجالا مسلحين، فساق الأنعام من المراعي، وعدل عن غزو المضارب، حتى أدركه رجال القوم، فحاربوه وطردوه ومنذ ذلك العصر، اتخذت لمتونة اللثام سنة للتبرك به، أي جعلوا اللثام سنة يلازمونه، فلا يعرف الشيخ من الشاب، فلا يزيلونه ليلا أو نهارا “.
مكوّنات لباس التارقي
يتكون الزي الرجالي من:
أَكَرْبَيْ (السروال): بلونين أبيض وأسود، ويكون فضفاضا، ضيق عند الساقين، يحوي مزلاقا على مستوى الخصر، يساعد على شده بواسطة حزام من الجلد تَامَنَّلَت “ “تامنلت” نكربي كما يرفق بزي الرجل حافظة من الجلد، توضع تحت اللباس ويحتفظ فيها بالأشياء الخاصة تدعى “التابوك” أو “تَغَالِمت” وهي حافظة مصنوعة من الجلد مزخرفة بأصباغ خضراء وحمراء تعلق على الصدر. ارَسْوَيْ (العباءة أو الدراعة أو الضراعة وتصنع من قماش يسمى “الخنت”، أو من قماش أبيض يدعى “محمودي”، وتكون هذه العباءة فضفاضة حول الجانبين، وتحتوي على جيب كبير يخاط على الجهة اليسرى من مظفر يسمى عادة الصدر.
تاقلموست نكوري: وهي عباءة مشابهة تماما لـ«إِرَسُوَيْ “، غير أنها تصنع من قماش ينسج في دول الساحل الإفريقي، وبالضبط في نيجيريا قرب بلدة كانو، ويتشكل هذا الثوب من شرائط صغيرة بعرض سنتمتر واحد، ويُلبس عادة أيام الأفراح، ويوضع على الكتفين.
اللثام: عرف اللثام منذ مئات السنين فهو معيار من معايير الرجولة والشهامة والجمال، وهو من يحدد موقع التارقي الاجتماعي داخل قبيلته وعشيرته. ينقسم اللثام إلى قطعتين اثنتين تكون القطعة الأولى بيضاء من القطن، في حين تكون القطعة الثانية زرقاء من النيلة، وتوضع العمامة بطريقة خاصة على حسب طول وعرض معين لتغطية الرأس والفم تماما، بحيث لا تبقى سوى العينين، ويمكن تقسيم اللثام إلى نوعين هما: أشرطة عريضة “ألشو”، وهو قطعة من القماش تتكون من أشرطة تتكون من كل شريط يصل إلى حوالي 3 سم، أزرق اللون نيلي، يخاط بعضها إلى بعض، ويلبسه الأغنياء أثناء الاحتفالات والمناسبات الدينية لغلاء ثمنه، قديما، عكس الوقت الحالي أين بات في متناول الجميع، ويتكون أثناء ارتدائه من 60 طية.
أما النوع الثاني فيسمى “بوكار”، وهو الشاش الذي يُلبس في سائر الأيام العادية، ويصنع من الخنت، وله لونان أبيض أو أسود، ويُلف بطرق عديدة حسب رغبة الشخص. تكوارث وهو عبارة عن قطعة قماش من “ألشو” توضع فوق أرسوي الأبيض في المناسبات.
الراقي: وهي عباءة مصنوعة من خامة كتانية راقية، تحتوي على جيب في جهة اليمين، ومطرزة في جهة اليسار بطرز هندسي، مزخرف وبألوان متنوعة منها: الأبيض والأحمر والأخضر، والأسود والبني على شكل شرائط، “يلبسها” الملوك والأغنياء، كما تلبس في الأعراس والمناسبات. وهذا النوع من اللباس نادر جدا إلا ما كان متوارثا عن الأجداد.
تفورق: (إِغتِمَنْ) وهو عبارة عن “نعل” من الجلد، يلبس في حالة السفر ويغطي الرجل بأكملها.
إمرگدَن: وهو نوع من “النعل” الجزء السفلي منه مصنوع من الجلد، أما العلوي فهو عبارة عن شرائط جلدية تثبت بها الرجل. نعال بيضاء اللون مزخرفة تلبس في المناسبات والأعياد، وهي تخص الرجل والمرأة على السواء.
مكوّنات لباس التارقية
يتكون زي المرأة من:
ارسوي: وهو عبارة عن عباءة فضفاضة بأكمام صغيرة واسعة مصنوعة من أقمشة متنوعة كالزيبق والخنت والحرير وتبركات والصوف، وينبس تحته فستان من أَخْبَاي: قماش الشلاكي، وهذا النوع كان من لباس النبلاء. وهو عبارة عن عباءة فضفاضة عريضة زرقاء النون، أو خضراء، وأخرى بيضاء، عرضها حوالي 2.20 سم، وطولها 1.40 وتخاط بعد تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء، ثم يُوصل بينهما بخيط، وهذا النوع من العباءات مخصص للمرأة المتزوجة فقط.
“تسغنست”: وهو عبارة عن قطعة قماش كبيرة غالية الثمن يصل طولها إلى 15 مترا، تلفها المرأة حول نفسها، بما في ذلك الرأس، تلبس في المناسبات والأعياد، أما في سائر الأيام فتؤخذ من أقمشة عادية معقولة السعر، وهو اللباس الأشهر والأكثر ظهورا عند نساء الطوارق
آفر: وهو عبارة عن قماش أقل من تسغنست يوضع فوق إِرَسوي، يغطي الرأس وجزء من الجسم، أسود النون في الغالب، وتتغير خامة القماش حسب المناسبات، كالطاري الذي يلبس في الأعياد والمناسبات الخاصة.
“إكرهي”: وهي عبارة عن قطعة قماش يتراوح طولها المترين، مصنوعة من النيلة أو الطاري، وتلبس فوق الرأس في الاحتفالات أو الأعياد.
تشريبت وهي الوشاح (المنديل) الذي يلبس في سائر الأيام ويكون مصنوعا من قماش يسمى الترفال أو الشلاكي.
الحولي (أخاولين): وهو من قماش الكاري مطرز في الظهر. قطعة بازان وهو عبارة عن عباءة طويلة وضيقة مطرزة في الرقبة والصدر واليدين والرجلين، مصنوعة من قماش يسمى الديني وتلبس معها خراطة طويلة مصنوعة من قماش النيلة وهو متوفر في جميع الألوان، إلا أن هذه العباءة تكون في الأزرق أو البني أو العنابي.
الحلي التقليدية التارقية
قدرت الباحثة فيروز بن رمضان أنه يمكن تمييز الحلي الصحراوية من حيث تقسيمها إلى مجموعتين كبيرتين تتمثلان في مجموعة تخص جبال الصحراء الوسطى (الهقار، تاسيلي ناجر)، وترتبط هذه الصناعة بالتقاليد المتعلقة بصناعة الحلي والجواهر الخاصة بالطوارق، ويستعملون فيها تقنيات القولية والخز والدمغ. ومجموعة تخص منطقة الواحات (القرارة، “توات” “تديكلت”)، ويستعملون فيها زخارف النافر، لشبكية والوشمي. ومن بين الحلي التي تنفرد بها المرأة التارقية نذكر ما يلي:
تيْرَاوَتْ (ترويت) وهي عبارة عن قلادة تارقية عريقة خالصة، توضع في العنق وتتدلى على الصدر، تتكون من ستة مثلثات خمس منها متصلة بمثلث كبير، تلبس في المناسبات والأعياد وتعتبر فخر المرأة التارقية منذ القدم، وفيها نوعان:
تيراوت تان تشاتشات: وهي عبارة عن حلية تتكون من ثلاثة مثلثات الواحدة فوق الأخرى، وتنتهي القاعدة بمثلثات صغيرة ورقيقة تشبه في شكلها الأقراط، تعلق على الشعر فوق الاذن، وهي بمثابة تميمة تقي المرأة التارقية من الأرواح الشريرة، ولها دلالة رمزية لعناصر الحياة المهمة: الماء والنار والهواء.
تيْرَاوَتْ وان أَزرف: وهي حلية مستطيلة الشكل، مصنوعة من الفضة الخالصة وأحيانا يدمج معها النحاس، مزينة بأشكال هندسية، تعلق على الشعر أيضا، وتعتبر کحجاب طارد للأرواح الشريرة والسحر والشعوذة استعملها الطوارق قديما كنوع من التمائم تعلق كل يوم في رقابهم، وإذا احتوت على آيات قرانية تتميز عن تيراوت) التميمة)، وهذا النوع يسمى تمقروت، أما الآن فهي من حلي الزينة تلبسها النساء فقط.
أهبق (أحبق): وهي عبارة عن شكل دائري مزخرف بأشكال كلاسيكية من الفن التارقي، وهي ما يسمى بالأساور، وتغلق هذه الاساور بعمود رقيق يدخل في فوهة توجد نهاية الإسوارة وتلبسها النساء المتزوجات فقط.
إقاقن: وهو سوار من الفضة المقلوبة مزخرف بأشكال كلاسيكية، يتخذ شكل سوار “ تيهوكاون “ المصنوع من الحجر الأسود الذي كان المحاربون القدماء يلبسونه فوق المرفق ليخنقوا به ضحيتهم، وتغلق هذه الأسوارة بعمود رقيق يدخل في فوهة توجد بنهايتها.
تيزيباتين: الأقراط و“تيهباتان”، وهو عبارة عن قرط تارقي يبلغ محيطه 8 سم، لا بلبس في الأذن وإنما يوضع مشدودا إلى الضفائر، له شكل مسطح يحمل رسومات معمولة بالإزميل، ينتهي أحد أطرافه بخيط معدني ملوي على شكل عقدة، بينما يبقى الطرف الآخر منحنيا.
تمزياتين وهي أقراط مصنوعة من الفضة، دائرية الشكل، أو هلاليات متصل بعضها ببعض، او تكون على شكل دمعة، وتكون مزخرفة بطريقة الدمع، وتنتهي هذه النوعية من الاقراط بسنك رفيع يدخل في الأذن.
” أسارو” وان أسويل: وهو عبارة عن مفتاح خمار، يلبس مربوطا إلى هدب الخمار (أسويل)، ويُصنع من النحاس الأحمر والأصفر، وكان في الأصل مفتاحا حقيقيا يستعمل للفتح والغلق، وله ميزة شد الخمار أثناء العواصف الرملية لثقله.
خوميسة: وهي عبارة عن قطعة متكونة من خمس مُعيّنات، وفي رأسها مثلث كبير تنحدر منه تلك المعينات، مزخرفة بطريقة الخز على حواف المعينات، مع تقنية الحبيبات في الوسط، تعلق بخيط مصنوع من الجند وتوضع على الرقبة، وفي اعتقادهم أنها تقي من العين والسحر. وهي حلية محمودة عند الطوارق عموما. الخواتم وهي مصنوعة من الفضة المقلوبة لها أشكال عديدة وتتغير حسب التطور والعصرنة والحداثة، يلبسها الرجال والنساء على السواء، أما من ناحية الشكل، فمنها الدائرية التي يعلوها مخروط، ومنها المحدبة والمقببة.
ختاما..
قالت الدكتورة بن رمضان إن الأزياء والحلي التقليدية تقدم جزء من الثقافة المادية، عن التفاعل مع الواقع بأبعاده التاريخية والجغرافية والاجتماعية والثقافية، فقد كان الموقع المجتمع في البيئة الصحراوية، تأثيره على التمسك بالتقاليد والقيم الإسلامية ومنها الاحتشام والستر، وأضافت أن حياة إنسان الجماعة الشعبية تنتظمها عادات وتقاليد، وإن هذه العادات والتقاليد غالبا ما تتخذ من فنون هذه الجماعة وسائط للتجلي، مادامت أنساق النظام الذي يقوم عليه وجودها بما هي جماعة إنسانية في واقع العادات نسقا من محدد بحتمياته الفيزيقية والميتافيزيقية.