منذ نحو شهر، أعلن تسويق سيارات جديدة مستوردة، رسميا، بعد ندرة حادة بسبب توقف مصانع التركيب وتجميد نشاط الوكلاء، ما تسبب في “أزمة” سيارات دامت قرابة 4 سيارات.
اليوم، يتساءل جزائريون: متى وكيف تستعيد السوق “عافية” الأسعار؟
تبحث عائلات جزائرية كثيرة بحاجة إلى اقتناء سيارة أو تجديدها، عن إجابة له، في وقت الخيارات غير متاحة، بفعل ندرة في السوق و “جنون” الأسعار، ما يفسر تحول السيارات إلى ملف يشغل بال الجزائريين، في السنوات الأخيرة، بعد أن أصبح اقتناء سيارة جديدة أو سيارة قديمة في حالة جيدة بسعر معقول، مسألة صعبة المنال وبمثابة “حلم” لدى كثيرين، في سوق سجل عجزا فادحا في المركبات.
مثلما هو معلوم، العرض والطلب قاعدة تجارية تحدد أسعار مواد أو منتجات أو خدمات، وفق قيمة طرفي المعادلة، عرض قليل وطلب كبير، يعني سعر مرتفع، وعرض كبير وطلب قليل ينتج عنه سعر منخفض، أو توازن بين العرض والطلب ينتج عنه سعر “معقول”.
توقف مصانع تركيب السيارات سنة 2019 لأسباب معروفة، قبل ذلك بسنتين، تجميد نشاط وكلاء السيارات، تسبب في ارتفاع أسعار المركبات في الجزائر إلى مستويات قياسية (غير معقولة) بالنظر إلى ما بلغته أسعار مركبات قديمة في السوق.
اختلال سوق السيارات بالجزائر، في السنوات الأخيرة، رفع سعر سيارات قديمة بـ10 سنوات بنحو 70 إلى 100 % من سعرها، والأمثلة عديدة، مثلا سعر سيارة “أكسنت هيونداي” 2012 لم يتجاوز سعرها في أول سنة سير 80 مليون سنتيم، ارتفع سعرها سنة 2022 ( أي بعد 10 سنوات سير) إلى 120 مليون سنتيم وأكثر..
أسباب كثيرة كانت وراء اتخاذ قرار توقيف مصانع التركيب وتجميد الاستيراد، غير أن الحكومة اعادت ترتيب الملف بداية من اعداد دفتر شروط جديد، وفق أولويات اقتصادية بحتة ومقاربة تصنيع جدي بنسبة ادماج تجسد على مراحل، مع اتاحة خيارات في السوق مثل استيراد سيارات أقل من 3 سنوات، والترخيص لوكلاء بالاستيراد، وأيضا الترخيص لمتعاملين مقبلين على التصنيع بالاستيراد ريثما يشرعون في اطلاق أولى المركبات المصنعة محليا.
انفراج تدريجي..
بداية انفراج أزمة السوق، كان بصدور المرسوم التنفيذي رقم 32-47 المؤرخ في 20 فيفري سنة 2023، الذي يحدد شروط وكيفيات جمركة ومراقبة مطابقة السيارات السياحية المستعملة المقتناة من طرف الأفراد المقيمين لاستعمالهم الخاص.
وبعدها الاعلان عن انطلاق عملية تسويق أولى سيارات العلامة الإيطالية “فيات” بالجزائر، بتاريخ 19 مارس الماضي، والكشف عن أصناف المركبات وأسعار تسويقها، ويتعلق الأمر بـ 6 علامات، 3 سياحية و3 أخرى نفعية.
في انتظار حصول علامات أخرى على رخص نهائية لتصنيع واستيراد المركبات، بعضها يحوز تراخيص مؤقتة، وبالتالي إتاحة خيارات ترفع مستوى العرض تدريجيا.
هذا ما دفع جزائريون للتساؤل عن عودة الأسعار إلى سابق عهدها، أو على الأقل نهاية “الجشع” و”البزنسة” بسيارات قديمة، وهي “حتمية” فرضها اختلال قانون العرض والطلب.
من هذه الزاوية، يقول رئيس جمعية وكلاء السيارات سابقا، يوسف نباش في تصريح لـ”الشعب أونلاين”، إن استقرار أسعار السيارات وتراجعها مقارنة مع الأسعار المطروحة حاليا يرتبط أساسا بتوسع الخيارات في السوق، على اعتبار أن أسعار السيارات القديمة لا تزال تحافظ على أسعار مرتفعة.
ويوضح نباش أن السوق “متعطشة” كثيرا للمركبات الجديدة، وبالتالي يمكن الحديث عن تراجع في الأسعار بإرتفاع العرض مستقبلا (وتدريجيا) من خلال ما هو مطروح من خيارات تنتظر التجسيد.
في المقابل، بدأت أسواق السيارات في العالم تسترجع عافيتها تدريجيا بحلول سنة 2023 عقب ما سجلته من ركود بفعل جائحة كورونا.
وبرأي المتحدث، يحتاج سوق المركبات في الجزائر حاليا نحو 500 ألف وحدة، حتى يحدث نوع من التوازن يسمح بتراجع الأسعار من مستويات سجلتها في السنوات الماضية، وبالتالي يبقى قانون العرض والطلب، وفق نباش، العامل الرئيسي المتحكم في بورصة الأسعار.
من هذا المنظور، يتوقع متابعون لملف المركبات حدوث قفزة في تموين السوق بداية من السنة المقبلة، تزامنا مع دخول مصنع “فيات الجزائر” في تصنيع مركبات محلية الصنع، إلى جانب حصول متعاملين ووكلاء استيراد آخرين على تراخيص نهائية، ما ينعش خيارات مطروحة في مقاربة اعادت ترتيب الملف من قبل الحكومة.
في حفل الإطلاق الرسمي لتسويق سيارات “فيات”، قبل شهر، قدمت وزارة الصناعة أرقاما تخص طلبات تقدمها بها وكلاء راغبين بممارسة نشاط وكلاء السيارات في المنصة الرقمية، والتي بلغت 73 طلبا، منها 19 يخص مركبات الأشغال العمومية.
وفضلا عن الاعتماد الثلاثة الممنوحة لفائدة وكلاء علامات “فيات” الايطالية و”جاك” الصينية و”أوبل” الألمانية، تدرس الوزارة 11 طلبا للحصول على الاعتماد من بين 35 ملف تحصل أصحابها على رخصة مسبقة (وفق الأرقام المقدمة آنذاك).
جس النبض..
ويُعول على مصنع وهران لتصنيع سيارات “فيات” في اعطاء دفع قوي لباقي العلامات الراغبة بالاستثمار في الجزائر، خصوصا وأن البلاد تتوفر على بيئة تصنيع مواتية نتيجة اصلاحات اقتصادية (مثل قانون الإستثمار) وتدابير جديدة اتخذت لتشجيع الاستثمار والانتاج المحليين.
منذ الشروع في حجز طلبيات اقتناء مركبات “فيات” بنقاط البيع المعتمدة وعددها 30 نقطة في 28 ولاية، دخلت سوق السيارات المستعملة في مرحلة “جس النبض”، مثلما يقول “ل.م”، وهو شاب يزاول “نشاط” شراء وإعادة بيع مركبات منذ نحو 10 سنوات.
ويوضح أكثر بقوله: “من الطبيعي أن يسجل سوق السيارات المستعملة ركودا في الوقت الحالي بعد انفراج أزمة تموين السوق ولو بعدد غير كاف، الكل ينتظر ما سيكون عليه الوضع بعد أشهر أو مع نهاية السنة الحالية ومطلع السنة المقبلة”.
وتؤشر التخفيضات المعلن عنها، بداية الأسبوع الحالي، من قبل مجمع “ستلانتيس” في علامات “فيات” التي شرع تسويقها بالجزائر، على تراجع بورصة الأسعار ” انخفاض أسعار معينة من المركبات مسألة وقت فقط، المعادلة بسيطة هناك سيارات قديمة تسجل حاليا أسعار مرتفعة مقارنة بأسعار سيارات جديدة، لكن بمجرد أن تكون هناك وفرة في المركبات الجديدة سيحدث تهاوي في الأسعار.”
.. مسألة وقت
يبرز المختص في ملف السيارات، أيمن شريط، في تصريح سابق لـ”الشعب أونلاين”، أن أهم نقطة تتمثل في اعادة تحريك نشاط المركبات، بعد ركود سنوات، وبالتالي وضع حد للمضاربة و”السمسرة”، على اعتبار أن المستهلك الجزائري سيكون أمام خيارات متعددة السوق، يقول المتحدث.
من هذه الخيارات “سيارة مستعملة أقل من 3 سنوات مستوردة من قبل الشخص بأمواله الخاصة، وسيارة مستوردة من قبل الوكلاء بعد حصولهم على التراخيص قريبا، وفي مرحلة أخرى يكون أمام ثلاث خيارات بعد الشروع في تصنيع السيارة المحلية”.
ويتوقع شريط أن السوق ستفرض منافسة تجارية “من يوفر مركبة بأحسن نوعية وأحسن سعر للمستهلك الجزائري، ودون شكّ، سيكون المستفيد الأكبر”.
وتسجل سوق السيارات في الجزائر، حسب تقديرات متابعين، عجزا بنحو 600 ألف سيارة أو أكثر، إذا ما اعتبرنا أن معدل استيراد السيارات بالجزائر تراوح في سنوات مضت، قبل تجميد نشاط الوكلاء، وتوقف مصانع التركيب، بين 200 إلى 300 ألف مركبة.
وتجمع المقاربة الجديدة للحكومة في معالجة ملف السيارات، بين انهاء أزمة سوق وتمكين الجزائريين من اقتناء مركبات جديدة، وإرساء صناعة جدية على أسس وقواعد متنية، وفق دفتر شروط صارم يحدد تحقيق نسبة إدماج 10 إلى 20٪ بعد 4 سنوات من النشاط، و30 ٪ بعد 5 سنوات من النشاط، وفي المرحلة أخرى التحول نحو استهداف أسواق خارجية.