تجددت الاشتباكات بالعاصمة السودانية الخرطوم ومناطق أخرى بين قوات الجيش والدعم السريع شبه العسكرية، اليوم الأحد، رغم هدنة عيد الفطر المعلنة بين الطرفين والتي تستمر لثلاثة أيام، في الوقت الذي تتواصل فيه عمليات إجلاء الأجانب.
ذكرت مصادر إعلامية أن مدينة أم درمان غربي الخرطوم شهدت اليوم إطلاق نار متقطع بمحيط القصر الرئاسي وذلك عقب هدوء حذر شهدته العاصمة السودانية الليلة الماضية.
وشهدت الخرطوم يوم أمس معارك ضارية بين الجيش والدعم السريع عند منطقة “بحري” (شمال العاصمة)، أدت إلى تدمير بعض المنازل والمحال التجارية.
وأضافت المصادر أن المعارك احتدمت بمحيط القصر الرئاسي والقيادة العامة للجيش وذلك رغم الهدنة التي أعلن عنها الطرفان، المتعلقة بعيد الفطر والتي تستمر لثلاثة أيام.
وأردفت أن عددا من المدنيين والعسكريين قتلوا خلال اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة في حي “شمبات” شمالي الخرطوم بحري، كما سقطت قذائف طائشة على المساكن.
حصيلة الاشتباكات المسلحة
وأعلنت وزارة الصحة السودانية السبت أن عدد ضحايا الاشتباكات المستمرة في البلاد منذ أسبوع بلغ 425 قتيلا و3730 جريحا.
وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة السودانية منتصر محمد عثمان في تصريح السبت: “المصابون المسجلون حتى يوم 21 (ابريل) حوالي 3730 والوفيات 425”.
ولفت إلى أن التحديات القائمة تتمثل في “عدم وجود ممرات آمنة لحركة الكوادر الصحية وتوفير الإمدادات الدوائية، وقطع الكهرباء مع قلة توفر الوقود للمولدات، وعدم توفر الإمداد الدوائي”.
وكانت القوات المسلحة السودانية وافقت على هدنة مدة ثلاثة أيام اعتبارا من الجمعة لتمكين المواطنين من الاحتفال بعيد الفطر المبارك وانسياب الخدمات الإنسانية. ووافقت قيادة الدعم السريع في السودان اول أمس أيضا على إعلان هدنة إنسانية لمدة 72 ساعة تبدأ من الساعة السادسة صباحا بتوقيت السودان.
الحرب تدخل أسبوعها الثاني
دخلت الحرب في السودان أسبوعها الثاني، حيث تجدّدت المعارك في العاصمة الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع، رغم إعلان الطرفين موافقتهما على هدنة مدة ثلاثة أيام تزامنت مع عيد الفطر الذي حلّ هذه السنة على السودانيين وهم في أسوأ وضعهم الأمني والإنساني.
لقد أجهضت أصوات الإنفجارات ودوي المضادات الجوية وإطلاق النار في الخرطوم آمال السودانيين في هدنة كانوا يترقبون تمديدها وتحويلها إلى وقف شامل ونهائي للقتال الذي مازال يحصد مزيدا من الضحايا في صفوف المدنيين الذين وجدوا أنفسهم بين سندان سلاح القوات المتصارعة، ومطرقة أزمة إنسانية وصحيّة بدأت فصولها السوداء ترتسم مع تراجع إمدادات الغذاء والدواء وغلق العديد من المشافي والمراكز الطبية.
وأفادت مصادر الأنباء باحتدام المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في محيط القصر الرئاسي والقيادة العامة للجيش وهي المنطقة التي قال الجيش أمس الأول إنه سيطر عليها، في حين قالت قوات الدعم السريع إنها مستعدة للسماح بإعادة فتح المطارات لإجلاء الرعايا الأجانب.
وأعلنت المصادر أيضا عن توالي الانفجارات في حِلة حَمَد وخوجَلي شمال القصر الرئاسي، وتحليق الطائرات الحربية في سماء الخرطوم، مع سماع دوي انفجارات في كرري شمال أم درمان.
تبادل الاتهامات عن خرق الهدنة
وكان الجيش وقوات الدعم السريع وافق الجمعة على هدنة مؤقتة مدتها 3 أيام لتوفير ممرات آمنة.
وقد اتهم الناطق الرسمي باسم الجيش قوات الدعم السريع بخرق الهدنة، وقال إنها هاجمت قيادة الجيش والقصر الرئاسي. وأضاف أن العناصر “المتمردة” هاجمت مقرا لقوات الدفاع الجوي، واحتلت مراكز للشرطة.
وجدّد الناطق الرسمي باسم الجيش التزامهم بالهدنة حرصا على النواحي الإنسانية، وتخفيف المعاناة عن المواطنين بالعاصمة والولايات.
من جهته، نفى مستشار قائد قوات الدعم السريع موسى خدام الاتهامات بخرق الهدنة ووقوع أي هجوم على قيادة الجيش والقصر الرئاسي.
فتح المطارات
على صعيد آخر، قالت قوات الدعم السريع إنها مستعدة لفتح جميع مطارات البلاد بشكل جزئي حتى تتمكن الحكومات الأجنبية من إجلاء رعاياها، وأضافت في بيان أنها ستتعاون وتنسق وتوفر جميع التسهيلات التي تمكن المغتربين والبعثات من مغادرة البلاد “بسلام”.
ولم يتضح إلى أي مدى تسيطر قوات الدعم السريع على المطارات. وتضرر مطار الخرطوم جراء القتال بين الجانبين، وشوهدت طائرات تحترق على مدرجه كما أوقفت شركات طيران تجارية رحلاتها قبل عدة أيام.
مساعٍ لوقف القتال
من ناحية أخرى، قال مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن رئيس هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي أجرى مباحثات هاتفية مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان.
وأضاف المسؤول الأمريكي أن ميلي تناول -في اتصاله مع البرهان- سلامة الرعايا الأمريكيين في البلاد، كما ذكرت السفارة الأمريكية بالخرطوم أن العنف بين الجيش وقوات الدعم السريع يلحق الضرر بالمدنيين، وشددت السفارة الأمريكية على ضرورة أن يحترم طرفا الصراع وقف إطلاق النار خلال عيد الفطر، والسماح بوصول المساعدات.
بدوره، قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي إنه تلقى اتصالا هاتفيا من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيوغوتيريش، ناقشا خلاله القضايا المتعلقة بالأزمة وأهمية فتح ممرات آمنة للمواطنين والمقيمين.
وذكر حميدتي أنه أبلغ غوتيريش بأهمية الالتزام بالوقف الكامل لإطلاق النار وتوفير الحماية للعاملين في الحقل الإنساني والطبي، لاسيما موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية.
نفاذ الماء والغذاء
وفي تطور آخر، قالت جمعية الهلال الأحمر السوداني إن مخازنها بالخرطوم بحري تعرضت لعملية سطو نفذها أفراد مسلحين -لم تتحدد هويتهم- وقاموا بنهب 8 سيارات دفع رباعي وشاحنة تتبع للجمعية.
وحذّرت الجمعية من أن استخدام سياراتها -التي تحمل شعارات الهلال- بواسطة هذه المجموعة لأغراض تجارية أو إجرامية سيؤدي لعواقب وخيمة وتفاقم المعاناة الإنسانية وحرمان المجتمعات المستفيدة من خدماته.
على صعيد متصل، حذّر الصليب الأحمر الدولي من نفاد الماء والغذاء لدى المدنيين المحاصرين في بيوتهم، بينما وصفت نقابة الأطباء وضع القطاع الصحي بالكارثي بعد تعرض عشرات المستشفيات للقصف.
وقد أودت المواجهات بحياة المئات في العاصمة وغرب البلاد أساسا، كما أنها تدفع ثالث أكبر دولة في قارة أفريقيا إلى كارثة إنسانية في بلد يعتمد ربع سكانه بالفعل على المساعدات الغذائية.
وقالت منظمة الصحة العالمية الجمعة إن 413 شخص لقوا حتفهم كما أصيب 3551 منذ اندلاع القتال في السودان قبل أسبوع، ومن بين القتلى خمسة على الأقل من موظفي الإغاثة.
نقابة الأطباء تناشد
ومن جانب آخر، ناشدت نقابة الأطباء السودانية المجتمع الدولي بوقف الصراع الدموي للتمكن من حماية المدنيين وتقديم الدعم الضروري، وطالبت بالضغط على طرفي النزاع لفتح ممرات آمنة لنقل الجرحى والجثث. كما أكدت نقابة أطباء السودان أمس، أن حوالي 70.8% من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباك ما زالت متوقفة عن الخدمة.
وأضافت أنه، من أصل 79 “مستشفى أساسيا” في الخرطوم والولايات يوجد 56 مستشفى متوقفا عن الخدمة. وقالت إن الجمعة، تعرضت 4 مستشفيات في مدينة الأبيض للقصف، مما يرفع العدد الكلي للمستشفيات التي تم قصفها إلى 13 مستشفى، بينما هناك 19 مستشفى تعرضت للإخلاء القسري.
ومن أصل 79 مستشفى أساسيا في العاصمة والولايات، يوجد 23 مستشفى تعمل بشكل كامل أو جزئي، بعضها يقدم خدمة إسعافات أولية فقط، وهي مهددة بالإغلاق أيضاً نتيجة لنقص الكوادر الطبية والإمدادات الطبية والتيار المائي والكهربائي، بحسب بيان نقابة الأطباء.
وأضاف النقابة أن عربات إسعاف “تعرضت للاعتداء من قبل القوات العسكرية”، وغيرها لم يسمح لهم بالمرور لنقل المرضى وإيصال المعينات.
إجلاء الأجانب
مع غياب أيّ مؤشّرات عن توقّف انزلاق السودان نحو توسّع الحرب وتفاقمها، شرعت عدّة دول في إجلاء رعاياها، حيث أعلن الجيش السوداني، السبت، أن “أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين ستجلي دبلوماسييها ورعاياها”.
ولفت إلى أن “السعودية أجلت بعثتها الدبلوماسية من أراضينا، وستتبعها الأردن”، وكانت وزارة الخارجية السعودية أكدت في وقت سابق “بدء ترتيب إجلاء المواطنين السعوديين وعدد من رعايا الدول الصديقة من السودان”.
وتقوم جهات عدة بإعداد خطط لإجلاء الرعايا الأجانب، بينما نشرت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان قوات في الدول المجاورة، ويدرس الاتحاد الأوروبي خطوة مماثلة.
في السياق، ودون الخوض في التفاصيل، قال مسؤول أمريكي إن الولايات المتحدة تستعد لإرسال عدد كبير من الجنود ضمن قوات إضافية إلى قاعدتها في جيبوتي في حالة الإجلاء من السودان في نهاية المطاف، وتقع قاعدة جيبوتي على بعد 1126 كلم إلى جنوب شرق الخرطوم.
وكان متحدث البنتاغون، اللفتنانت كولونيل فيل فينتورا، قال إن “القيادة الأمريكية في أفريقيا تراقب الوضع بالسودان، وتضع خططا حكيمة لحالات الطوارئ المختلفة”.
وأضاف فينتورا في بيان: “ننشر قوات إضافية في أماكن قريبة، بهدف تأمين وربما تسهيل نقل موظفي السفارة إذا اقتضت الظروف”، وتخلت ألمانيا يوم الأربعاء الماضي، عن محاولة لإجلاء مواطنيها من السودان، وفق أسبوعية “دير شبيغل” الألمانية، التي قالت إن هناك ثلاث طائرات شحن عسكرية كانت قادرة على نقل نحو150 مواطنا ألمانيا متّجهة إلى السودان لكن أوامر صدرت بأن تعود أدراجها.
الجمعة، أعلنت كوريا الجنوبية أنها بصدد إرسال طائرة وجنود إلى القاعدة الأمريكية في جيبوتي تحسّبا لإجلاء رعاياها. وأعلنت اليابان أنها تتهيّأ لإجلاء رعاياها من السودان حيث يتواجد نحو 60 يابانيا بينهم طاقم السفارة، وفق ما أفاد المتحدث باسم الحكومة هيرو زاكو ماتسونو.
يأتي ذلك، فيما قالت الحكومة البريطانية إن وزارة الدفاع تعكف على وضع “تخطيط محكم” فيما يتعلق بالصراع الدائر حاليا في السودان، وأفادت الأنباء، بأن بريطانيا تضع قوات وطائرات في وضع استعداد بقاعدة عسكرية في الخارج في حالة الحاجة إليها لإجلاء موظفي السفارة والرعايا البريطانيين.
مهمة محفوفة بالمخاطر
إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية اعتبرت الجمعة أن المعارك الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تجعل من أي محاولة لإجلاء طاقم السفارة في الخرطوم عملية محفوفة بالمخاطر.
وسعت الخارجية الأمريكية إلى جمع الموظفين الأمريكيين في مكان واحد في العاصمة السودانية لتوفير حماية أفضل لهم من المعارك ولاستكمال الاستعدادات لعملية إجلاء محتملة.
خروج الأجانب سيزيد الخطر على المدنيين
في سياق متصل، قالت نقابة الأطباء السودانية، إن إجلاء الرعايا الأجانب من السودان “سيزيد الخطر على المواطنين العزل”. وأضافت اللجنة في بيان نشرته على فيسبوك: “أثبتت التجربة حرص طرفي النزاع من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع على حياة الرعايا الأجانب فقط دون مراعاة لحرمة حياة أبناء شعبهم المسالم”.
وأوردت أن إصرار الدول على إجلاء رعاياها من السودان “دلالة” على فشل المطالبة بوقف إطلاق النار، وأن تلك الدول تتوقع استمرار النزاع المسلح وامتداده إلى الأحياء السكنية.
وناشدت اللجنة المجتمع الدولي والإقليمي للضغط على الجيش والدعم السريع “لوقف هذا الصراع الدموي بصورة عاجلة وتجنيب البلاد شر الانزلاق لهاوية الانهيار الشامل”.
وحثت المجتمع الدولي على العمل للوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار والضغط لإنفاذ المعايير الدولية فيما يتعلق بحماية المدنيين وتقديم الدعم الضروري لهم.
رفض التدخلات الخارجية
يخشى المتابعون للتطورات الخطيرة في السودان من اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد أو تقسيم الدولة العربية والأفريقية إلى إقطاعيات متناحرة. وحذّروا من أن الصراع، إذا لم يتم إنهاؤه بسرعة، سيصبح لعبة متعددة المستويات مع بعض الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية التي تسعى لتحقيق مصالحها باستخدام الأموال وإمدادات الأسلحة وربما قواتها أو الوكلاء.
وقال آلان بوسويل من مجموعة الأزمات الدولية: “ما يحدث في السودان لن يبقى في السودان”.
وحذّر من تعرض تشاد ودولة جنوب السودان لخطر التداعيات المحتملة للصراع في السودان، وقال: “كلما طال أمد (القتال) كلما زاد احتمال حدوث تدخل خارجي كبير”.
وفي الوقت نفسه، فإن العدد الهائل من الوسطاء المحتملين يمكن أن يجعل من جهود السلام أكثر تعقيداً من الحرب نفسها.
مخاوف الجوار
ويثير الصراع الدائر في السودان قلق الدول المجاورة والولايات المتحدة وبلدانا أخرى، لأسباب تمتد من القلق بشأن مياه النيل المشتركة وخطوط أنابيب النفط إلى شكل الحكومة الجديدة، إضافة إلى أزمة إنسانية جديدة تلوح في الأفق.
ويمزق الصراع هذه المرة عاصمة الدولة الواقعة في منطقة غير مستقرة على تخوم البحر الأحمر ومنطقتي الساحل والقرن الأفريقي.
وشهدت 5 من 7 دول مجاورة للسودان، إثيوبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا ودولة جنوب السودان، اضطرابات سياسية أو صراعات في السنوات القليلة الماضية. وتشعر الدول المجاورة بما فيها مصر بالقلق من الاضطرابات السياسية في الدولة الواقعة على حدودها.
وإلى ليبيا فقد أصبح السودان نقطة انطلاق وطريق عبور للمهاجرين الذين يسعون للتوجه إلى أوروبا عبر ليبيا، حيث استغل المهربون الصراع والاضطرابات السياسية لمصلحتهم.
أما تشاد، جارة السودان الغربية، فقد قالت الأمم المتحدة إنه منذ بدء أحدث قتال بالسودان، فقد وصل نحو 20 ألف لاجئ آخر إليها، بعدما وصل إليها في صراعات سابقة نحو 400 ألف نازح سوداني.
وتشعر تشاد بالقلق من امتداد الأزمة عبر الحدود إلى المناطق التي تستضيف فيها اللاجئين ومعظمهم من دارفور.
ودولة جنوب السودان، الدولة التي انفصلت عن السودان في عام 2011 بعد حرب أهلية استمرت عقودا، تصدر إنتاجها النفطي البالغ 170 ألف برميل يوميا عبر خط أنابيب يمر عبر جارتها الشمالية، فيقول محللون إنه ليس من مصلحة أي من طرفي الصراع في السودان تعطيل تلك التدفقات، لكن حكومة دولة جنوب السودان قالت هذا الأسبوع إن “القتال أعاق بالفعل الروابط اللوجستية والنقل بين حقول النفط وبورسودان”.
ويستضيف السودان 800 ألف لاجئ من جنوب السودان، وأي عودة جماعية يمكن أن تفاقم الضغوط على الجهود المبذولة لتوفير المساعدات الأساسية لأكثر من مليوني نازح في دولة جنوب السودان ممن فروا من ديارهم داخل البلاد بسبب الحرب. ويستضيف أيضا أكثر من 134 ألف لاجئ وطالب لجوء من من هذا البلد.