أمر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في آخر مجلس للوزراء، بضرورة التعجيل بإنشاء لجنة مشتركة بين قطاعي الداخلية والسكن والعمران، من أجل الخروج بنسخة نهائية لقانون ينظّم عمل ومهام شرطة العمران، ويرى العديد من الخبراء أنّه بالإمكان تفعيل دور هذا الجهاز للمساهمة في تعزيز قدرات البلدية في صناعة الثّروة، واستعادة العقار المنهوب منها خلال السنوات الماضية.
أكّد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، خلال اجتماع مجلس الوزراء أنّ النسخة النهائية لقانون ينظّم عمل ومهام شرطة العمران ضرورة ملحّة، أمام ما يعرفه مجال العمران من فوضى وغياب صارم للمراقبة والمتابعة، خاصة ما تعلق بعمليات الاستيلاء على أراضي الدولة.
وشدّد الرّئيس تبون على أن تكون من المهام الأساسية لهذه الشرطة ضمن القانون، ضمان الرّقابة الصارمة للوثائق والمستندات ومطابقتها، سواء المتعلقة بالبناءات الجديدة عبر أحياء البلديات أو التّوسّعات العمرانية، وأن توضع تحت وصاية وزارية، ولأفرادها إمكانية الاستعانة بالمديرية العامة للأمن الوطني، والدرك الوطني.
ويرى العديد من الخبراء القانون والمتابعين للشأن العقاري، أنّه بات من الضروري توفير رقابة أكثر على الوثائق الخاصة بالملكيات الفردية والجماعية، ودعا هؤلاء إلى تطبيق القانون بصرامة، دون إظهار أي رحمة مع المتلاعبين بالوثائق التي تضمن السير الحسن للمصالح المعنية، بالإضافة إلى تنظيم سير عمل المرقين العقاريين عبر كامل التراب الوطني في إطار القانون.
ويرى خبراء أنّه بات من الضّروري مواجهة تهرّب بعض رؤساء المجالس المحليّة من أداء مهامهم كضبّاط إداريّين لهم مسؤولية مباشرة على العمران، إذ يعزف العديد من المنتخبين عن مواجهة الاعتداءات على العقارات لاعتبارات مختلفة، بينها ما هو اجتماعيّ محض، ويتعمّد بعض رؤساء البلديات الغياب عن الخرجات الميدانية المخصصة لمتابعة الملكيات العقارية العمومية، رغما من إلزامية حضورهم قانونا، دون تحديد العقاب الذي ينجر عن تهاون المنتخب المحلي في حضور مثل هذه الخرجات.
ويقول الخبير الاقتصادي، هواري تيغرسي، إنّ لشرطة العمران أدوار في تعزيز الشأن الاقتصادي للبلاد، وذلك من خلال حفاظها على الملك العام وحمايته، واستغلاله من خلال أطر قانونية تضمن مداخيل إضافية للبلدية وللدولة بشكل عام، وأوضح محدّثنا أنّ الملاحظ خلال المراحل السابقة، ومنذ عشريات تقريبا، حركية غير منطقية وغير مقبولة في مجال التّعدي على الأملاك العمومية من قبل الخواص، دون حسيب ولا رقيب، وأضاف أنّ هذه “الظاهرة استفحلت تقريبا منذ أن افتقدنا شرطة البلدية، وما يعرف بـ “شرطة العمران”، والآن، مع هذه الأخيرة، فالرّهان سيكون حول كيفية وقوفها أمام كل مساس بعقار مرتبط بعملية إنتاجية سواء كان عقارا صناعيا أو سياحيا أو حضريا، وهذا من شأنه أن يوفّر وعاءً عقاريا مهما بالنسبة للبلديات، والذي من شأنه أن يفسح المجال لإنشاء نشاطات اقتصادية مهمة لتنويع مداخيل البلديات، بالإضافة إلى عملية تنظيم البنايات بصفة خاصة بالنسبة للبلديات، وتعطي نظرة واقعية، ومحيطا عمرانيا في مستوى استشراف الأبعاد الاقتصادية للمدن، وتساهم في غرس هذا الفكر لدى الأجيال القادمة.
ويرى تيغرسي أنّ مهمة شرطة العمران لن تقتصر على حماية العقار بشكل عام، إذ ننتظر في المراحل القادمة إعداد قوانين مهمّة بالنسبة للعقار العمومي مثلما دعا إليه رئيس الجمهورية، لكن ينبغي فهم ما يردّه الرئيس دائما، فالعقار لا يقتصر على العقار العمومي وحده، إذ نعايش ما يسجّل من تعدّيات على العقار التابع للخواص، لذا ينبغي حماية كل ما يتعلق بالعقار سواء كان عموميا أو خاصا، وهذا من شأنه أن يعطي حيوية أكثر بالنسبة للاقتصاد، وإنشاء مناطق نشاط على مستوى البلديات التي ستحظى بفرص أكبر لصناعة الثروة.
وفي ذات السياق، يرى الخبير الاقتصادي أنه ينبغي توضيح هذه الرؤية من خلال مشاركة الجماعات المحلية وإعداد إستراتيجية مهمة جدّا، لذا ينبغي التوفيق في عملية اختيار الأشخاص الذي يتميزون بالنزاهة، إذ لا يمكن تعميم واستقبال أي شخص في هذه المناصب، بالإضافة إلى ضمان مستوى دراسي معيّن، لذا يتعين على هؤلاء الإلمام بالقوانين، ومتى نطبّق السّلطة القانونية ومتى لا يمكن استعمالها.
وأكّد محدّثنا على ضرورة توفّر شرط “الكفاءة” و«النزاهة” و«الالتزام” من أجل توفير عنصر الحماية الأمثل للعقار العمومي خاصة، وكيفية الحفاظ عليه وإعطاء طابع استراتيجي وحضري وقيمي بفكر جديد بالنسبة لطريقة البنايات، وهو أمر تقني أكثر منه شيء آخر، وكيف يمكن تصور المدينة في المرحلة القادمة.
وأضاف الخبير الاقتصادي أنّه حينما يكون لدينا شرطة العمران، يمكن معرفة الكثير من الإمكانيات الموجودة قد تكون غير مستغلّة أو مستغلة بطريقة غير شرعية، وقد شاهدنا كثيرا من المسؤولين على المستوى المحلّي، لا يقدّرون الإمكانات الماديّة بالنسبة للبلديات، لأنّ كثيرا من النشاطات التجارية أو الصناعية أو الحرفية تتم خارج القانون، فلا تدفع الضرائب والاشتراكات المستحقة عليها، لذا ينبغي أن تكون هناك معرفة حقيقية، وإحصاء دقيق، وهذا ما يمكن أن يساعد على بناء منظومة إحصائية قوية على مستوى البلديات، عندما تكون لديها الوسيلة التي توفّر لها كل المعلومات، فتتمكّن من بناء منظومة إحصائية، تمنح إمكانية مراقبة ومتابعة كل هذه النشاطات غير القانونية.