وضع الرئيس عبدالمجيد تبون الرقمنة ضمن التزاماته 54، وفي صلب برنامجه الانتخابي، غداة ترشّحه لرئاسة البلاد سنة 2019، وجعلها في صميم عمله وأولى ثمرة التغييرات التي أعلن عنها لحماية البلاد من سرطان البيروقراطية، ومواجهة ظاهرة الفساد التي كادت أن تعصف بالبلاد.
اعتبرها الرئيس تبون كبسة زر لابد منها لتحسين حوكمة القطاع الاقتصادي، فكانت بمثابة مفتاح الإصلاحات التي باشرها القاضي الأول في البلاد منذ 3 سنوات و4 أشهر. إنّه مشروع رقمنة مصالح الجمهورية وقطاعاتها وإداراتها بكل ما تحمله من أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية، حيث باتت القاعدة الأساسية للذهاب في تحقيق أهداف الجزائر الجديدة المبنية على الشفافية، وتحقيق المساواة بين كل الجزائريين.
يشدّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون على رقمنة مصالح أملاك الدولة والضرائب والجمارك في ظرف لا يتجاوز 6 أشهر كمرحلة أولى قبل الرقمنة الشاملة، معتبرا أنّ الهدف من الرقمنة “ليس تحديث وعصرنة المعاملات الإدارية التي تعتبر تحصيلا حاصلا في هذا المجال، بل هي قضية أمن قومي وخدمة لمصالح المواطن، على رأسها التحديد الدقيق لأملاك الدولة وأملاك الأفراد، كما أمر ببنك معلومات جزائري، بشكل فوري ومستعجل من قبل وزارة المالية، يسهّل على مختلف مصالح الدولة، ممارسة مهامها وأداء واجبها تجاه مواطنيها، بأمثل وأنجع أسلوب”.
ومنذ توليه مسؤولية تسيير شؤون البلاد، عبّر الرئيس في الكثير من تصريحاته وخطاباته خلال خرجاته الإعلامية عن غضبه من استفحال ظاهرة البيروقراطية في الإدارة، وعن عدم رضاه عن النتائج التي حقّقها قطاع الرقمنة بالبلاد، متّهما من يقفون وراء تعطيل وتيرة رقمنة مصالح وقطاعات الدولة في البلاد، بالاستمرار في محاولة إبقاء الأوضاع على ما كانت عليه من قبل، خدمة لمصالح مبيّتة، حيث هناك من يستغل غياب الرقمنة لمراوغة مصالح الدولة والإفلات من الحساب. وقال الرئيس خلال لقاء جمعه مع وسائل الإعلام الوطنية في فيفري 2023، إنّ “الرقمنة تعد من الآليات الضرورية لمحاربة الفساد والبيروقراطية، وأن الدولة ماضية في تجسيد هذا المسعى لضمان النزاهة والشفافية”، حيث أنّ “الرقمنة لا تكذب ولا تزّور وتعطي أرقاما حقيقية، وتمنح السرعة اللازمة في حل المشاكل”.
ولأنّه الالتزام رقم 25 بالنسبة لرئيس الجمهورية الذي جاء تحت عنوان “تحقيق تحول رقمي لتحسين الاتصال وتعميم اسـتخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال خاصة في إدارات المرفق العمومي وتحسين حوكمة القطاع الاقتصادي”، فإنّ الرقمنة كذلك كانت بالنسبة للرئيس أحد أهم أهداف أخلقة الحياة السياسية والعامة، وتعزيز الحكم الراشد التي جاءت ضمن أولى التزاماته أيضا، حيث يريد الرئيس تحويلها من مشروع قائم بحد ذاته، الى ثقافة مجتمع ككل مبنية على النزاهة والشفافية، عن طريق الاعتماد على لغة أرقام دقيقة وواضحة لا مجال فيها للكذب والمناورة والمراوغة، للمضي في محاربة المحاباة، المحسوبية، الرشوة، الفساد والبيروقراطية وكل ما له علاقة بسلوكيات وذهنيات عمّرت طويلا في الإدارة الجزائرية، في إطار تجسيد حماية الأمن المعلوماتي.
ولطالما أشهر الرئيس سيف الحجاج في وجه “البيروقراطيين”، وأظهر عزم الدولة على تجاوز “العراقيل البيروقراطية المحبطة”، التي يواجهها غالبا الشباب حاملي المشاريع بالاتجاه نحو “حكومة إلكترونية تعمل على الاستفادة القصوى من مزايا الرقمنة، لاسيما من حيث ربح الوقت والمال والجهد، والتحكم في البيانات والمستندات ومراقبة التحويلات المالية تجنبا للتصرفات المشبوهة وغير القانونية التي ميزت إلى عهد قريب، حيث تأثر الاقتصاد الوطني والخزينة العمومية بـ “شكل بليغ” من هذه “التصرفات الخطيرة”، لذلك اعتبر الرئيس تبون الرقمنة، أهم ركيزة لبناء وترقية اقتصاد وطني قوي وتنافسي، من خلال تجاوز العراقيل حسب تصريح له صادر بتاريخ 22 أكتوبر 2020.
كما أسدى الرئيس بتاريخ 9 أكتوبر 2022 لدى ترؤسه اجتماعا استثنائيا لمجلس الوزراء، تعليمات بتجسيد رقمنة شاملة لكل القطاعات خلال السنة القادمة، مع الإسراع في رقمنة القطاع الضريبي والممتلكات الخاصة بالأفراد، قصد إحصاء الثروة وتفادي ضرائب تستهدف صغار الموظفين والعمال فقط.
فضلا عن ذلك، أمر رئيس الجمهورية الحكومة بإيلاء الأهمية للإسراع في رقمنة القطاع الضريبي والممتلكات الخاصة بالأفراد، في كل المجالات لإحصاء الثروة “بدل سياسة ضريبية تستهدف صغار الموظفين والعمال فقط”، مع مباشرة عملية إحصائية دقيقة، للمقومات المالية والمادية، بكل أشكالها في السوق الموازية. كما أسدى تعليمات بإطلاق مخطط وطني لتسجيل كل العمليات التجارية، ضمن شبكة إلكترونية للمعطيات والبيانات لدى القطاع الضريبي.
ومن ثمرة تسريع وتيرة رقمنة الإدارات العمومية، فقد تحدّث الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان عن التحول الرقمي للإدارة خلال عرض بيان السياسة العامة للحكومة أمام نواب المجلس الشعبي الوطني سبتمبر 2022، وقال إن القطاعات الوزارية “سجّلت تقدّما ملحوظا في رقمنة أنظمتها المعلوماتية وتطويرها، على غرار وزارة الداخلية التي استكملت شهر سبتمبر 2022 عملية تعميم استعمال الرقم التعريفي الوطني على كافة القطاعات الإدارية، والذي سيسمح بالولوج الى قاعدة البيانات الخاصة بالحالة المدنية”.
وفي انتظار تحقيق أوامر الرئيس برقمنة المصالح الحسّاسة المرتبطة بقطاع المالية في غضون 6 أشهر، يبقى التحدي الأكبر اليوم هو الانتصار في معركة تحرير المواطن من قبضة البيروقراطية، وكل الظواهر المرتبطة بها على غرار المحاباة والفساد، حيث ارتفع سقف الطموح عاليا لبلوغ أهداف الجزائر الجديدة اليوم قبل أي وقت مضى.