يعتبر الخبير شفير أحمين، الفاتح ماي، فرصة للوقوف على كل ما تحقّق ويجري من خلال التشريح المفضي إلى حصيلة دقيقة للوضع الدولي والوطني، وعلى ضوء ذلك يمكن بناء تصوّرات مستقبلية ناجعة لرفع التحديات التي نواجهها؛ لأنّ الظرف العالمي صعب ولا يخلو من التداعيات، بما فيها شبح التضخم وتأثيراته على أسعار المواد الأولية التي نقتنيها من الأسواق الخارجية.
يرى أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر والخبير في الشؤون الاقتصادية، الدكتور شفير أحمين، أنه من الضروري التعجيل ببناء تصور وصياغة ورقة طريق للمرحلة المقبلة، وأخذ بعين الاعتبار التغيرات الجارية في العالم من أجل مواكبة تطورات سوق العمل العالمية وتغيراتها بتأثيرات من الثورة الصناعية الرابعة ورقمنة العالم، كما وصف قرارات الزّيادة في الأجور بالجد إيجابية خاصة بعد أن استقبلها العمال بإشادة وتثمين، لانها جاءت في سياق عالمي صعب، ودعا أحمين إلى أهمية وضع إستراتيجية للتصنيع وتطوير مجموع القطاعات بما فيها الفلاحة، بأهداف محددة؛ لأنّ كل ذلك سينعكس على المستوى المعيشي للمواطن، بل يعتقد أن تسلّح الجزائر بإستراتيجية طويلة المدى حتمية لا مفر، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التحولات التي يشهدها العالم وتوجيه الاستثمار نحو القطاعات التي تخلق مناصب شغل أكثر وتستحدث الثروة بشكل كثيف.
عالم الشّغل يعيش ظرفا استثنائيا
وبنظرة حذرة، أوضح الخبير أنّ عالم الشغل في الوقت الحالي، يعيش ظرفا استثنائيا بفعل ما تطرحه التّحوّلات التكنولوجية، وأثر هذه التحولات على مناصب الشغل، وكذا المهن، ونبّه إلى أهمية التفكير في هذه التحولات، أمّا على المستوى الجيواستراتيجي، فإنّ العالم بالفعل يتحوّل بشكل عميق وسريع، خاصة بعد أن برز صراع كبير على المستوى العالمي، يمكن أن يفضي إلى نظام عالمي اقتصادي جديد، وهذا يعد تحديا للعمال، لان الصّراع الجديد بين القوى التقليدية التي تبحث عن الحفاظ على سيطرتها على العالم والأسواق والثروات.
الحفاظ على المكتسبات الوطنية ومكاسب العمال أولوية الرقمنة ضرورة ملحّة للاستثمار المنتج للثروة
ويقابله بروز قوى جديدة صاعدة تتطلّع للعب دور التوازن على المستوى العالمي، وكذا تغيير ميزان القوى العالمي من أجل بناء عالم متعدّد الأقطاب، والجزائر – في ضوء تصريح رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون – أكدت أن]ها مستعدة للانخراط في مجموعة «بريكس»، لتساهم في الحركية الاقتصادية الجديدة، خاصة وأنّها طالبت بنظام اقتصادي يحقّق التكافؤ.
وعلى اعتبار أنّه في الوقت الراهن يمكن للجزائر أن تقوم بهذا الدور، وآثار كل ذلك ستكون لفائدة العمال، لأنّ النظام العالمي الجديد الذي يرتقب أن يرى النور، ستختفي فيه هيمنة عملة الدولار والشركات الكبرى، وهذا يعوّل عليه أن يساهم في الاستقرار العالمي، وتحسين ظروف عمل ومعيشة العمال. وكما أنّنا لا ننسى الأزمة الإيكولوجية التي تعصف بالعالم، ويتعلق الأمر بالأزمة الإيكولوجية وندرة وشح في المياه، ولأن جزء من الصراع العالمي قائم على المياه والموارد.
وبلغة متفائلة، أكّد الدكتور أحمين أنّ الجزائر تعتبر من بين البلدان النادرة التي لم تتأثر اجتماعيا بتداعيات الأزمة بشكل مباشر، مقارنة بعديد الدول العربية والإفريقية، في ظل الوضع المالي الجيد للبلاد، وقرارات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وهي قرارات جد إيجابية تهدف إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، في إطار الدعم الاجتماعي.
الاستشراف ضروري لتهيئة أنفسنا
وشدّد أستاذ العلوم الاقتصادية، على ضرورة اليقظة الدائمة مع التحولات العميقة التي يشهدها العالم، كون الظرف الحالي يتطلّب تكثيف الجهود من طرف النقابات وأرباب عمل والعمال والمسؤولين والمجتمع المدني بشكل عام، خاصة أنّ النقابات تتحمل واجبا هاما يجب أن تقوم به على مستوى متابعة هذه التحولات التي يشهدها العالم، وما يمكن أن يكون لها من انعكاسات وتداعيات على الطبقة العاملة، ولذا يصبح الاستشراف ضروريا لتهيئة أنفسنا كون الظروف الحالية طارئة، على خلفية أن الخبراء لا يخفون أن العالم مقبل على ظروف صعبة ينبغي مواجهتها، وعلى هذا، نحتاج في هذا الظرف إلى منظمات نقابية وأرباب عمل قوية، ومجتمع مدني فعّال من أجل تعزيز المكتسبات الوطنية، والحفاظ على مكاسب العمال ومواجهة أي طارئ.
ومن بين الخطوات الجيدة والإجراءات المهمة المتّخذة، يسجّل الخبير – على وجه التحديد – قانون الاستثمار الجديد المتضمن لسلسلة من التحفيزات والمزايا المغرية للاستثمار الوطني والأجنبي، وقال إنّها إجراءات جد إيجابية من شأنها أن تجلب الاستثمار الأجنبي المنتج وتشجيعه، لأنّ الاستثمار المنتج يضمن خلق ثروة جديدة وفتح مناصب الشغل وامتصاص البطالة.
ومن بين مقترحات شفير أحمين، نذكر المسارعة بإعداد استراتيجية بعيدة المدى، لأنّ مختلف الدراسات في التنمية، تدعو إلى ذلك، ولأنّ التشجيع ضروري لكن يتطلب نظرة بعيدة المدى، وصياغة ورقة طريق، أي تحديد القطاعات التي تنوي الدولة الاستثمار فيها وتطويرها، وتتوفّر فيها فرص واعدة للمستثمرين سواء كانوا محليين أم أجانب، بل عبر الذهاب إلى أبعد من ذلك، عن طريق وضع إستراتيجية للتصنيع ولتطوير مجموعة من القطاعات بما فيها الفلاحة، بأهداف محدّدة مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات التي يشهدها العالم وتوجيه الاستثمار نحو القطاعات التي تخلق مناصب شغل أكبر، وتستحدث الثروة بشكل كثيف، ومن هذه القطاعات يجب الإشارة إلى قطاعات التكنولوجيا الحديثة للثورة الصناعية الرابعة والرقمنة والذكاء الاصطناعي، من دون أن نتغاضى عن التحديات الاستراتيجية التي تنتظرنا، ومن بينها الأمن الغذائي والانتقال الطاقوي.