يتزامن عيد العمال هذه السنة، مع سن قانونين جديدين، يتعلقان بممارسة الحق النقابي، والوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب، اللذان يكرّسان أحد أبرز الحقوق الدستورية، مقابل تأطيرها وضبطها بالشكل الذي يضع حدا نهائيا لحالات الفوضى واللااستقرار التي طبعت أجواء العمل في عديد القطاعات.
بعد أزيد من 30 سنة من الممارسة الميدانية للعمل النقابي والأدوات المتصلة به، أدرجت الحكومة قواعد جديدة على المنظومة القانونية الناظمة، بما يرفع اللبس عن كثير من الغموض والتداخل في الأدوار، والذي كان له الأثر السلبي على الحياة المهنية للمؤسسات والعمال على حد سواء.
وإلى جانب الزّيادات التي أقرّها رئيس الجمهورية في الأجور، وفق حسابات مالية دقيقة تمتد إلى السنة المقبلة، تم الخوض في تفاصيل تنظيم الحياة المهنية للعمال وتنظيم العلاقات التراكمية بين الحقوق، وفق قاعدة التنظيم التّرابطي، قصد بلوغ الأهداف الاقتصادية لكل مؤسسة أو جهة مستخدمة، والتي يقع ضمنها تطوّر المسار الوظيفي لكل عامل.
لهذا الغرض بادر الجهاز التنفيذي بوضع قانون جديد كليا، يخص ممارسة العمل النقابي، وآخر يتعلق بالنزاعات الجماعية وحق الإضراب، جاء ضمن سياق إلزامية التكيف مع مبادئ دستور نوفمبر 2020، وفي إطار المراجعات الشاملة والعميقة للترسانة الوطنية القانونية، التي تترجم الالتزامات 54 لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون.
ومن الواضح، أنّ منطلق الإصلاحات التي مست هذا الجانب، يتمثّل في «حتمية النجاعة الاقتصادية» وصون «حقوق وكرامة العمال»، ومن المهم جدا وضع المبادئ القانونية لضبط هذه العلاقة، بعيدا عن التعسف المهني أو التّعسّف في استغلال الحقوق، والذي طالما كان سببا في عرقلة وتحطيم كثير من المؤسسات.
وفي هذا السياق، سبق للرئيس تبون أن أكّد دستورية «الحق النقابي»، ولكن وفق ضوابط قانونية واضحة وبالأخص مسألة التمثيل، مفيدا بأنّه ليس مقبولا أن يجتمع عدد قليل جدا من الأشخاص ليعلنوا عن «تأسيس نقابة» بعيدا عن الضوابط الناظمة، لافتا إلى هذه العبثية أفرزت وجود 35 نقابة في قطاع واحد.
ويعالج القانون الجديد المصادق عليه من قبل البرلمان بغرفتيه كل هذه الاختلالات، إذ يكرّس الحق في تأسيس منظمات نقابية قاعدية، لكل العمال الأجراء والمستخدمين، وانخراط كل عامل بها، وأيضا التّجمّع في فيدراليات وكنفدراليات.
ويقرن التصريح بتأسيس منظمة نقابية قاعدية ذات طابع وطني بـتوفّر 30 عضوا مؤسّسا على الأقل، موزّعين على 30 ولاية بصفة متوازنة على كامل التراب الوطني. بينما يفرض نسبة 25 بالمائة كحد أدنى من التعداد الكلي للمستخدمين، لإثبات تمثيلية المنظمات النقابية في الأقاليم التي تغطّيها قوانينها الأساسية.
في المقابل، يضع القانون حاجزا نهائيا بين العمل النقابي والنشاط السياسي، إذ تفرض المادة 13 منه على كل نقابي الالتزام بالحياد، والامتناع عن التصريح بمساندتهم للأحزاب السياسية.
فيما نصّت المادة 12 من ذات النص وبشكل صريح، على أنّ «المنظّمات النقابية مستقلة في سيرها ومتميزة في هدفها وتسميتها عن أي حزب سياسي»، وتمنع الارتباط هيكليا ووظيفيا بالأحزاب السياسية، على أن تحدّد النصوص التنظيمية طبيعة المسؤوليات القانونية الأساسية، ووظائف السلطة لدى الهيئة المستخدمة التي تمنع ممارستها على أعضاء القيادة في المنظمة النقابية.
إنهاء الفوضى
على صعيد آخر، وصل المشروع القانون المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها وممارسة الحق النقابي، مجلس الأمة، عقب المصادقة عليه من قبل نواب المجلس الشعبي الوطني.
هذا النص، المستمد من المادة 27 من الدستور، كمرجعية أساسية له، يحدّد بدقة مفهوم الإضراب، ويحدّد «شروطه وضوابطه القانونية»، ويربطه كحق دستوري بالحقوق الدستورية الأخرى كحرية العمل، والمقاولة واستمرارية الخدمة العمومية.
ونفت الحكومة أن يكون القانون مقيدا للجوء إلى الإضراب، معتبرة أنّه «جاء لينظّم هذا الحق الذي بيّنت التجارب السابقة بعد 32 سنة من الممارسة وفقا لقوانين 1990، أنه حاد عن هدفه النبيل وبات وسيلة للفوضى في أغلب النزاعات الجماعية للعمل».
وخلصت استنتاجات قطاع العمل إلى أنّ الوضع السابق «لم يعكس فكرة ديمومة المؤسّسة المسؤولة اجتماعيا وكذا مبدأ المواطنة»، لذلك رأت الحاجة الملحة إلى تنظيمه وتفعيله كحق دستوري مقيد، يمارس بالتزامن مع استنفاذ كل أدوات الحوار الاجتماعي والتشاور والتفاوض.
ويمنح القانون المجال أمام اللجوء إلى الحلول الودية الداخلية، قبل اللجوء إلى الصلح والوساطة والتحكيم، وفق شروط قانونية وآجال زمنية واضحة، بما يضمن الوقاية من النزاعات الجماعية للعمل، واستباق اللجوء إلى الإضراب باستخدام كافة أساليب التسوية الممكنة.
هذان القانونان وكونها يأتيان بعد أزيد من 30 سنة من القوانين الناظمة للبيئة المهنية، يضعان حجر الأساس أمام مرحلة جديدة كليا، تنسجم مع التوجهات الكبرى الرامية إلى تعبئة الجهد الاقتصادي للبلاد بأقصى طاقة ممكنة، قصد خلق الثروة ومناصب الشغل، وتحقيق الأهداف الكبرى للدولة بالانفتاح على اقتصادات الدول الناشئة.