تحتفل الأسرة الإعلامية الجزائرية باليوم العالمي لحرية الصحافة المصادف لـ3 ماي من كل عام، بعدما تدعمت بإطار تشريعي جديد يتمثل في القانون العضوي الجديد للإعلام، الذي من شأنه وضع ضوابط واضحة للممارسة الإعلامية في الجزائر، بعيدا عن الفوضى والضبابية التي تؤثر بطبيعة الحال على الاحترافية وجودة الرسالة الإعلامية.
بحسب ما جاء في عرض الأسباب، قانون الإعلام الجديد تمليه ضرورة تجسيد المبادئ الأساسية المنصوص عليها في دستور 2020 في ميدان الإعلام، ووضع إطار تشريعي يعزز ضمانات حرية التعبير ويستجيب لتطلعات المواطن في الإعلام ويلبي حاجة القطاع في تنظيم المهنة مع الأخذ بعين الاعتبار متطلبات مهام الخدمة العمومية والصالح العام. ويترجم القانون العضوي الجديد رغبة السلطات العمومية في إضفاء طابع مبتكر على هذا التعديل، يتطابق مع المبادئ المنصوص عليها في الدستور، ويواكب التغيّرات الناجمة عن التطور التكنولوجي، ويتماشى مع المقاييس الدولية.
فرض أخلاقيات المهنة باستحداث مجلس آداب وأخلاقيات الصحافة
توضح الكاتبة والصحفية إيمان كيموش، في تصريح لـ«الشعب”، أن القانون العضوي الجديد للإعلام المصادق عليه مؤخرا من طرف المجلس الشعبي الوطني، يولى أهمية كبرى لجانب أخلاقيات المهنة، من خلال استحداث مجلس آداب وأخلاقيات المهنة للصحافة، وتندرج أهمية هذا المجلس في تعزيز المهام الأساسية للصحفي، على رأسها المحافظة على أصالة المجتمع وثقافته وأخلاقياته، ومنع أي تجاوز قد يطالها.
وبحكم أن لكل مهنة أخلاقياتها، فقد كان من الضروري التركيز على هذه النقطة في معالجة القانون العضوي للإعلام، عبر التشديد على أهمية احترام أخلاقيات الصحافة وآدابها عند ممارسة المهنة، واعتبارها أمرا مقدسا وخطا أحمرا لا يمكن تعديه تحت أي ظرف، مع العلم أن القانون الجديد في حد ذاته يندرج في إطار الاستجابة الحتمية لتحيين المنظومة القانونية لقطاع الاتصال بما يتوافق مع المستجدات، لاسيما المادة 54 من دستور 2020، المرتبطة بالإعلام والرامية إلى تكريس حرية الصحافة وتعدديتها واستقلاليتها وضمان احترام قواعد الاحترافية وأخلاقيات المهنة.
وتأمل المتحدثة أن يساهم النص التشريعي الجديد في تنظيم الساحة الإعلامية وتطهيرها، وإرساء الشفافية على الممارسة الصّحفية، والموازنة بين حرية الصّحفي ومسؤوليته اتجاه المجتمع والدولة والمهنة في حد ذاتها، وأن لا تبقى بعض المواد مجرد حبر على ورق، وترى طريقها إلى التطبيق، لا سيما تلك المكرسة للحريات والمؤكدة لحق الإعلام وحق الوصول إلى المعلومة، مؤكدة بالقول: “نطمح إلى نيل المزيد من التسهيلات في الوصول إلى مصدر الخبر، وتعاملا أكثر مرونة مستقبلا مع الصحفيين، تحديد هوية الصحفي بشكل أحسن، شطب كل الطفيليين وسماسرة الإعلام الذين لا يمتون بصلة للممارسة الإعلامية، وتأطير عمل المؤسسة الإعلامية المصنفة أيضا كمؤسسة اقتصادية، علاوة على إرساء المزيد من التنظيم على المهنة، وكذا تحديد أكبر لحقوق الصحفي الاجتماعية وفرض احترامها على مسؤولي المؤسسات الإعلامية”.
تحديد هوية الصحفي الحقيقي وشطب الطفيليين وسماسرة الإعلام
والمميز في قانون الإعلام هذه المرة أنه يتضمن عدة نصوص، وهي القانون العضوي ومشاريع أخرى منتظرة قريبا بالبرلمان تخص السمعي البصري والصحافة المكتوبة والإعلام الإلكتروني، هذا سيمكن من معالجة أكثر دقة لكافة ملفات الإعلام بمختلف أصنافها.
وتختم الصحفية إيمان كيموش حديثها لـ«الشعب” بالقول: “نتمنى التطرق أيضا مستقبلا لملفات ستطرح بقوة خلال بضعة سنوات في مجال الإعلام في الجزائر، وهي الذكاء الاصطناعي وإعلام الميتافرس، والرقمنة، فالأمور تتغير اليوم بسرعة شديدة، لذلك يجب علينا مواكبة التحديثات التي يشهدها العالم الخارجي حتى لا نعيش بمعزل عنه”.
من جهته، يرى إسماعيل. س. وهو منتج لقناة أجنبية، أن قانون الإعلام المصادق عليه، يعد مكسبا من حيث الشكل خاصة، ما تعلق بحرية إنشاء الصحف والمجلات، والمعتمدة على التصريح فقط، دون انتظار اعتماد من وزارة الاتّصال، وهي نقطة تحوّل مهمة في المشهد الإعلامي المحلي، حيث تفتح فرصا لا متناهية للراغبين في خوض تجارب إعلامية تتماشى مع متطلبات الذوق العام، كما لا يمكن إغفال أهمية إعادة الاعتبار لسلطات الضبط (سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية) إلى جانب سلطة ضبط النشاط السمعي بصري، الموجودة حاليا والمكلفة بمراقبة عمل القنوات التلفزيونية، مع توسيع مهامها لتشمل ضبط ومراقبة خدمات الاتصال السمعية البصرية عبر الانترنت، يضاف إلى هذا الإبقاء على مكسب إلغاء عقوبة الحبس بسبب جنح الصحافة الذي أقره قانون الإعلام لسنة 2012، حيث يعتبر أيضا خطوة مهمة في تكريس حق المواطن في إعلام موضوعي ومتعدد الوسائط.
وفي ذات السياق، يفيد الكاتب والصحفي صابر عيواز، أن قانون الإعلام الجديد جاء بعد سجال طويل وتباين في الآراء حول ما يحمله من تفاصيل تخدم الصحفيين وتهدف إلى ترقية العمل الصحفي بشكل عام بالجزائر، فقانون الإعلام لسنة 2012 وكذا قانون السمعي البصري لسنة 2014 بمختلف التعديلات وما جاء فيه من مواد ولوائح، لم تكن في مستوى التطلعات بالنظر للنقائص المسجلة بالجملة خاصة تلك المتعلقة بتجاهل معيار تقييم العمل الصحفي والتمييز بين القطاعين العام والخاص، وتملّص الوزارة الوصية عن مسؤوليتها في وضعية الصحفي في المؤسسات الإعلامية الخاصة، بحيث لم يضع القانون آنذاك حدا للفوضى والتجاوزات التي شهدها القطاع، وكذلك تدهور الأداء الصحفي وتدّني المستوى، والسلوك غير التوافقي مع الالتزام والانضباط المهني، والذي أدى في كثير من الأحيان إلى عدم مراعاة ما يسمى بأخلاقيات المهنة لا من قبل الصحفيين ولا المؤسسات الإعلامية.
ويرى الكاتب والصحفي صابر عيواز، بأن قانون الإعلام الجديد جاء بنصوص واضحة لتنظيم العمل الصحفي، وإنهاء حالة الفوضى التي تسود القطاع، وإغلاق الباب في وجه كثير من الدخلاء على المهنة وأصحاب المال الفاسد، كما لفت القانون إلى أهمية تكوين ورفع مستوى الصحفيين وضمان حقوقهم وضبط علاقات العمل بينهم وبين المؤسسات في عقود العمل التي تربط الطرفين، فالنسبة الغالبة من العاملين في القطاع ينتظرون ويتطلّعون بشغف إلى هذا القانون، لكي يكون مفتاح الحل لمشاكلهم الاجتماعية، خاصة مسألة رفع الأجور وتحسين أوضاعهم، وهو جانب آخر لا يقل ثقلا ولا أهمية عن الجانب التنظيمي والمهني.
في الأخير يختتم محدّثنا، بالقول إن الوضع الراهن وتحديات المرحلة القادمة لابد أن تكون بتضافر الجهود وتكامل النصوص التشريعية مع معطيات وتفاصيل العمل الميداني، وذلك من أجل الرقي بقطاع الإعلام ومواكبة التطور التقني والطفرة التكنولوجية الحاصلة في المجال من جهة، وكذلك تسخير الإعلام كورقة رابحة وفعّالة لدعم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي من جهة أخرى، بالنظر لما لوسائل الإعلام من قدرة على استنهاض الطاقات البشرية وتوجيه المجتمعات لتحقيق التنمية والالتحاق بركب المجتمعات المعاصرة.
وجاء القانون لينظم قطاع الإعلام بإدراجه للنظام التصريحي الذي يستند إلى المبدأ المكرس في المادة 54 من دستور 2020، والذي يقضي بالتطبيق المبسط في مجال إنشاء النشريات الدورية، مع إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية، وهي سلطة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والإداري تكلف بضبط نشاطات الصحافة المكتوبة والإلكترونية.
وبهدف استبعاد أصحاب المال الفاسد من الاستثمار في قطاع الإعلام، تم إلزام وسائل الإعلام بالتصريح بحيازة رأس مال وطني خالص وإثبات مصدر الأموال المستثمرة والأموال الضرورية لتسييرها، أمام الوزارة المكلفة بالاتصال أو لدى السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري بحسب نوعية النشاط.
أما في مجال السّمعي البصري، فقد تم تعديل القانون الأساسي لسلطة ضبط السمعي البصري من خلال منحها الطابع الخاص مع إيكالها، إضافة للمهام المنوطة بها، مسؤولية ضبط ومراقبة خدمات الاتصال السمعي البصري عبر أنترنيت إلى جانب خدمات الاتصال السمعي البصري التّقليدية.
أما ما تعلق بتنظيم مهنة الصحفي، فقد تم النص على ضرورة وضع قانون أساسي خاص يحدد شروط ممارسة المهنة والحقوق والواجبات المرتبطة بها، مع الإحالة إلى التنظيم لتحديد مختلف أصناف الصحفيين ومعاوني الصحافة والمهن المرتبطة بالنشاط الصحافي، مع التأكيد أيضا على حماية الصحفي من كل شكل من أشكال العنف أو الإهانة أثناء وبمناسبة أداء مهامه، وذلك قصد تمكينه من ممارستها بعيدا عن أي ضغط قد يتعرض له.