بعد أكثر من 10 سنوات من اعتماد قانون الإعلام لسنة 2012 المعمول به حاليا في الجزائر، تنتظر الساحة الإعلامية خلال قادم الأيام بعد صدور القانون العضوي للإعلام الجديد في الجريدة الرسمية، بوادر إصلاحات جذرية تمس مهنة الصحافة، إذ ستتغير ملامح الممارسة الإعلامية على مستويات عديدة، أهمها ضبط العمل الصحفي الذي يشهد حالة من الفوضى ونقائص بالجملة، خاصة من ناحية الجانب الأخلاقي، وهذا بعد تحديد من هو جدير بحمل لقب إعلامي أو صحافي وفق ضوابط وأسس حدّدها النص التشريعي الجديد.
منذ أيام، صادق البرلمان بغرفتيه على مشروع القانون العضوي المتعلق بالإعلام بالاعتماد على الإصلاح الشامل لأساليب عمل منظومة إعلامية أساسها الأخلاقيات المهنية والمسؤولية التي تجعل من الصحفي يرقى بأدائه، وهذا في إطار رغبة الجزائر في تعزيز الخيار الديمقراطي وتوسيع نطاق الحريات العامة والمساهمة في بناء المجتمع الديمقراطي الذي يطمح إليه المواطن الجزائري، والذي يقتضي التكيف مع التحديات التي تواجه قطاع الإعلام في ظل التطورات المذهلة التي تشهدها تكنولوجيات الإعلام والاتصال.
الجديد في القانون الذي سيرى النور قريبا هو استحداث مجلس أعلى لأخلاقيات المهنة، موازاة مع إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والالكترونية بموجب القانون العضوي المتعلق بالإعلام، في مجال الضبط، إذ تضطلع أساسا بضمان التعددية الإعلامية ومنع التأثير المالي والسياسي أو الإيديولوجي لنفس المالك والسهر على ولوج المواطن الى المعلومة عبر كامل التراب الوطني وعلى جودة الرسائل الإعلامية، فيما يحمّل هذا المشروع مدير النشر وصاحب العمل الصحفي المسؤولية المدنية والجزائية عن المضامين التي تنشر عبر الصحف المكتوبة والالكترونية، حسبما ورد في النص التشريعي الجديد الذي عرضه الوزير أمام البرلمان.
خطوط لا يجب تجاوزها
وينص المشروع الجديد في مضمونه على “يجب على الصحفي خلال ممارسة نشاطه الصحفي، الاحترام الصارم لقواعد آداب وأخلاقيات المهنة المنصوص عليها في ميثاق آداب وأخلاقيات المهنة الذي يعده ويصادق عليها المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي”، حيث أكد على ضرورة امتناع الصحفي عن نشر أو بث أخبار كاذبة أو مغرضة وتعريض الأشخاص للخطر، مع الامتناع أيضا عن نشر أوبث بصفة مباشرة أو غير مباشرة خطاب الكراهية والتمييز، واستغلال هيبة مهنته لأغراض شخصية أو مادية.
وفي إطار المحافظة على ذاكرة الأجيال المقبلة التي توليها السلطات العليا الأهمية البالغة، بالنظر لحساسيتها ووزنها، شدد النص على ضرورة الامتناع عن تمجيد الاستعمار أو الإساءة للذاكرة الوطنية والى رموز الثورة التحريرية، موازاة مع إلزام فاعلي الإعلام بضرورة الامتناع عن الإشادة، بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالعنصرية والإرهاب والتعصب والعنف، احتراما للمواثيق الدولية التي تلتزم بها الجزائر والتي لطالما رافعت لها أمام المحافل الدولية، هذه الأخيرة التي كافحت الظاهرة وأصبحت اليوم مثالا يُحتذى به وتنهل من تجربتها دول العالم.
المسؤولية المهنيَّة
وحسب العارفين بخبايا الساحة الإعلامية، فإن مجلس أخلاقيات المهنة سيضبط بشكل أساسي المسؤولية المهنيَّة، حيث يتحمل كل من له علاقة بالإعلام المسؤولية كاملة سواء اتجاه المجتمع الذي ينتظر من فاعلي الإعلام إبراز الحقيقة وبكل ما تحمله من معاني من خلال بعث رسائل هادفة تحمل في طياتها مضامين تصب في المصلحة العامة.
وركز القانون على كثير من القواعد والأساسيات لضبط أخلاقيات المهنة التي تعالج الخبر بكل دقة، وتبرز أهم تفاصيله دون المساس بأطراف معينة أو استهداف جهات ما، من خلال محاولات ابتزاز الهدف منها الحصول على منافع مادية أو معنوية تلحق ضررا بمهنة الصحافة النبيلة، والتي تمثل السلطة الرابعة في كل المجتمعات، وذلك من خلال إلزام الصحفي بنشر معلومات صحيحة ودقيقة مبنية على إثباتات ومعطيات واقعية، وتجنب اللجوء للطرق الملتوية للوصول للمعلومات، حيث ينص المشروع على إلزام الصحافيين بالامتناع عن اللجوء الى أساليب غير مشروعة وفاسدة للوصول الى المعلومات والصور والوثائق، ونشر أو بث صور أو أقوال غير أخلاقية أو صادمة لمشاعر المواطن، مع تجنّب انتهاك حقوق الطفل، والمساس بصورة المرأة وشرفها وكرامتها، والمساس بالحياة الخاصة للأشخاص وبقرينة البراءة.
كما يُجرم القانون قبول منافع مالية أو عينية، مهما كانت قيمتها، تحد من موضوعيته واستقلاليته المهنية ومن رأيه، والرضوخ للضغط المؤدي لإفساد صحة المعلومات واشتراط نشر المعلومات بالحصول على مكافأة أو أي شكل آخر.
لذلك حرص النص الجديد على محاربة الأخبار الكاذبة والمُضللة في جميع وسائل الإعلام سواء المكتوبة، الإلكترونية، أو قنوات إعلامية حيث أكد النص الجديد على أنه يحق لكل شخص طبيعي أو شخص معنوي أو هيئة، يرى انه تعرض لادعاءات كاذبة من شأنها المساس بشرفهم أو سمعتهم، ممارسة حقهم في الرد.
وفي سياق متصل، تلزم أخلاقيات المهنة مختلف المؤسسات الإعلامية بعدم الخروج عن الضوابط التي تجرم “السرقة” والسطو على مضامين، مقالات، وصور سبق وأن نُشرت في أي وسيلة إعلامية أخرى، وتم إعادة نشرها دون الرجوع للمصدر ما يعتبر “جريمة إعلامية” كاملة الأركان، ومن المنتظر أن يضع هذا المجلس تلك الضوابط التي ستحمي العمل الإعلامي وتطهره من هذه الممارسات التي لا ترقى بالعمل الصحفي للاحترافية، إذ ألزم النص كل وسيلة إعلام نشر أو بث كل تصحيح يبلغ لها بشأن وقائع أو آراء قد أوردتها بصورة غير صحيحة بنفس الوسيلة الإعلامية.
وعليه سيكون الصحفي مُطالب وفق التغييرات المنتظرة قريبا، باحترام كرامة الأشخاص المعنوية والطبيعية وعدم الاستثمار في العمل الإنساني بغية تحقيق السبق الصحفي على حساب كرامة الإنسان، وهو ما يحدث كثيرا عبر مختلف وسائل الإعلام خاصة السمعي البصري ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ تنقل صور وفيديوهات توثق لحظات ضعف وتشوه الرسالة الإعلامية المبنية على احترام القيم الإنسانية، وتجنب الإضرار بمشاعر الجزائريين، خصوصا في ظروف استثنائية قد تمر بها البلاد.