يشهد قطاع الإعلام، في السنوات الثلاثة الأخيرة، مراجعات عميقة من حيث التشريعات والتنظيم، حيث ينتظر صدور 3 نصوص قانونية خلال الدورة البرلمانية الجارية، يتوخى منها بلوغ ممارسة إعلامية وفق قواعد الاحترافية ومبادئ الحرية والمسؤولية.
شارفت المنظومة القانونية الجديدة، الخاصة بالصحافة على الانتهاء، بعد مصادقة مجلس الأمة، على مشروع القانون العضوي المتعلق بالإعلام، في انتظار، تقديم مشروعي قانون الصحافة الالكترونية والمكتوبة والسمعي البصري للنقاش والمصادقة على مستوى المجلس الشعبي الوطني، خلال الأيام القليلة المقبلة.
ولأول مرة، ستبنى الممارسة الإعلامية، في الجزائر، على قاعدة ثلاثية تشريعية، أساسها القانون العضوي المتعلق بالإعلام، كقانون إطار، إلى جانب قانون خاص بالصحف الالكترونية والمكتوبة وآخر يخص ممارسة النشاط السمعي البصري.
هذه المنظومة، مستمدة من التزامات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الـ 54، وتترجم فحوى المادة 54 من دستور نوفمبر 2020. والتي يراد بها وضع المهن على سكة واضحة من أدوات الضبط والتنظيم والحماية، مع استدراك الفراغات القانونية الأخرى لـستة عقود مواكبة الإعلام الجزائري لتطور تكنولوجيات الإعلام والاتصال.
وفي السياق، ينص الالتزام رقم 6 لرئيس الجمهورية، على “تحقيق حرية الصحافة وتعدديتها واستقلالها وضمان احترام قواعد الاحترافية وأخلاقيات المهنة”، مع التشديد على “جعلها عمادا للممارسة الديمقراطية وحمايتها من جميع أشكال الانحراف”.
ضمن هذا المنطلق، يجمع قانون الإعلام، هذه المرة “تكريس حرية الصحافة” بشرط الاحترافية، وينص على “إلزامية تدقيق الصحفي في المعلومة والتحقق من صحتها ومصدرها ومصداقياتها قبل نشرها أو بثها عبر وسائل الإعلام”.
مبدأ الاحترافية والمهنية، يمارس هو الآخر، ضمن توفير الظروف الملائمة للصحفي حتى يؤدي واجبه بعيدا عن أية ضغوطات. إذ يجرم القانون “كلّ شكل من أشكال العنف أو الإهانة ضدّ الصحفي أثناء أو بمناسبة أداء مهامه”، فيما أدرجت مادة جديدة تلزم المؤسسات الإعلامية “باكتتاب تأمين خاص على كلّ صحفي يرسل إلى المناطق التي قد تعرض حياته للخطر ومنحه الحق في رفض العمل في غياب ذلك دون أن يشكل هذا الرفض إخلالا بواجباته المهنية”.
في المقابل، أدرج التشريع الجديد، أدوات تستبق أيّ انحراف قد يصيب الممارسة الإعلامية، ويخلق الأجواء المناسبة لمحتوى يتعارض مع المصالح العليا للدولة، في ظلّ حالة الاستقطاب الدولي الراهن، تحت مسميات وذرائع عديدة.
ويجرم القانون كلّ شكل من أشكال التمويل الأجنبي لوسائل الإعلام الوطنية، ويشترط عمل الصحفي لحساب وسيلة إعلامية خاضعة للقانون الأجنبي الحصول على الاعتماد، ويردع أيّ خروقات في هذا الجانب بغرامات مالية.
ويضع القانون حواجز صلبة، أمام تسلل المال الفاسد إلى قطاع الصحافة، إذ يلزم تبرير مصدر الأموال لجميع الراغبين في إنشاء مؤسسات إعلامية، في خطوة اعتبرها مراقبون، خطوة هامة “نحو تطهير القطاع من الدخلاء”.
كلّ هذه التدابير، تمت مناقشتها أو المطالبة بها، في جلسات المشاورات التي نظمتها وزارة الاتصال على مراحل مختلفة في السنوات الثلاثة الماضية، قبل أن تنتهي إلى الصيغة الحالية لقانون الإعلام، في انتظار ما تتبناه لجنة الاتصال والسياحة على مستوى البرلمان، من تعديلات وما يصادق عليه النواب.
هيئات ضابطة
التشريعات الجديدة، تنص على استحداث هيئات (مؤسسات)، ضابطة لكلّ ممارسة إعلامية عبر مختلف الدعائم، على غرار سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والالكترونية والسلطة الوطنية لضبط النشاط السمعي البصري، ومجلس أخلاقيات المهنة.
هذه الهيئات ستسمح بإبعاد الجهاز التنفيذي عن التدخل المباشر في ضبط القطاع ككل، في وقت يتولى الصحفيون، أنفسهم بعمليات التقييم والمراقبة الذاتية من خلال مجلس آداب وأخلاقيات المهنة.
هذه التدابير راعت بشكل واضح حالات الفراغ والتأخر التي ميزت تطور الإعلام الجزائري، فقد انطلق الإعلام الإلكتروني دون وجود قواعد قانونية صريحة تنظمه، إلى غاية نهاية 2020 (أول مرسوم تنفيذي)، فيما ستتكفل هذه القوانين بوضع الضوابط الدائمة لهذا النشاط.
الإعلام الوطني، الذي عاش ما يشبه فترة انتقالية صعبة، قصد ضمان التواجد عبر جميع الوسائط التكنولوجية، سيخرج أخيرا من حالة الارتباك، ويستعيد توازنه على أسس الاحترافية والمهنية.