أثير نقاش، في وقت سابق، حول ما سمّي «المهن الشّاقة»، وتناقلت وسائل الإعلام آراء المهنيين جميعا، دون أن ينتبه أحد إلى أن «الصّحفي» يمارس أشقّ المهن؛ فهو – بحكم طبيعة مهنته – يمتاز بأنه لا يجد من يعترف له بمشاقّ مهنته، بينما يتكفل بنقل آلام وآمال وطموح الجميع.. هذه واحدة..
ولعل أصحاب جميع المهن الشّاقة، يشتغلون في توقيت محدّد واضح، غير أن الصحفي يعمل على الدّوام دون توقيت واضح، وقد يكون في عطلة، فيتنزل «الحدث» ويخرجه منها مرغما؛ ذلك لأن «الحدث» لا يمتلك أجندة محددة، ولا برمجة وفق توقيت معيّن، ولكنّه يحدث وقتما يشاء، وأينما يشاء، ويضع اسم الصحفي على رأس قائمة من يستدعيهم بالضرورة.. ثم إن الصّحفي لا يشتغل بآلية محدّدة معروفة، فإذا كانت المهن – في معظمها – تُراكم من الخبرات ما يسمح لممارسها بأن يؤدي واجبه آليا، فإن «الصحافة»، وإن كان لها تأطيرها النظري، لا تكفّ مطلقا عن التجديد، فالأعمال الصّحفية وإن كانت تبدو متشابهة، إلا أنّ كل واحد منها مختلف عن الآخر، والصحفي قد يشتغل على مائة استطلاع، ولكنه لا يستفيد منها شيئا في الاستطلاع الجديد، ولا تختلف الحال مع «المعلومة» و»الروبورتاج» و»التحقيق» وغيرها من الأنواع الصحفية.. هذه الثانية..
أما ثالثة الأثافي، ورائعة القوافي، فهي تتحقّق حين يجد الصّحفي المحترف نفسه وسط خضم هائل من الدّخلاء، وركام عظيم من المتسللين والوصوليين، وأطنان ممن لا يفرّقون بين كوع وبوع، ومع ذلك تجدهم يتصدّرون المشهد وهم يلقون بالكلام على عواهنه، دون رادع ولا وازع، ولا حتى (نقزة) ضمير، فتتحول «المعلومة» إلى موضوع مساومة، ويصبح «التقديم» مسألة (معريفة)، والكتابة قضية (قرابين) و(مداهنات)..
وليس من أمل للصحفي المحترف اليوم، سوى الإصلاحات العميقة التي يجريها الرئيس تبون على قانون الإعلام، فهو المنفذ الوحيد لتخليص القطاع مما تراكم به من آفات..
خلاصة القول.. المجد للصحفيين المحترفين، ولا نامت أعين الخبارجية..