قبل أسابيع قليلة، تعززت المنظومة الإعلامية في الجزائر بإصلاحات تشريعية تُرسي قواعد وضوابط جديدة لترقية الممارسة الإعلامية وتطويرها، إلى جانب مواكبة تحديات “الجزائر الجديدة” والتكيف مع تحولات عالمية في بيئة رقمية سريعة التطور، أفرزت ظواهر خاصة..
تُحيي الأسرة الإعلامية في الجزائر، اليوم الأربعاء، عيدها العالمي هذه السنة، بعد أيام من تبني تشريعات تحمل رؤية لما سيكون عليه الإعلام في السنوات المقبلة، وهي رؤية تستهدف بالأساس ترقية الأداء الإعلامي وضمان خدمة مسؤولة وموضوعية، والانفتاح على التحولات الحاصلة ومواكبة تطور الاستخدامات وما أفرزته، وهو جانب من التعديلات التي تضمنها القانون العضوي للإعلام.
تضمن النص الجديد أحكاما عديدة تخص الصحافة المكتوبة والالكترونية، حيث يكرس إرساء “النظام التصريحي” الذي يقوم على التطبيق المبسط لإنشاء وسائل الإعلام، بدل نظام الاعتماد المعمول به حاليا، فضلا عن إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والإلكترونية التي تعد هيئة عمومية تتمتع بالاستقلال المالي وتضطلع بمهام ضبط نشاط الصحافة المكتوبة والإلكترونية.
قواعد وضوابط
في مجال السمعي البصري، تضمن النص الجديد تعديل القانون الأساسي لسلطة ضبط السمعي البصري بمنحها الطابع الخاص مع توسيع مهامها لتشمل ضبط ومراقبة خدمات الاتصال السمعية البصرية عبر الانترنت.
ويراعي القانون ضمان ممارسة إعلامية محترفة التوازن بين الحرية الصحفية والمسؤولية المهنية من خلال وضع ضمانات تكرس حق الصحفي في حرية التعبير والبحث عن المعلومة، إلى جانب منح الصحفي الحماية القانونية لأعماله وحفظ حقه في عدم نشر أو بث أي خبر أو مقال أو عمل أدخلت عليه تعديلات جوهرية دون موافقته.
في المقابل، يُجرم التشريع الجديد أشكال العنف أو الإهانة أثناء تأدية الصحفي لمهامه، علاوة على “إلزام الهيئة المستخدمة باكتتاب خاص على كل صحفي يرسل إلى مناطق قد تعرض حياته للخطر ومنحه الحق في رفض العمل في غياب ذلك دون أن يشكل رفضه إخلالا بواجباته المهنية”.
وقصد ضبط الممارسة الإعلامية وكبح ممارسات غير مسؤولة يقترح “استحداث مجلس أعلى للآداب وأخلاقيات المهنة تؤول إليه مسؤولية الضبط والتدخل وإعداد ميثاق يقتدى به للارتقاء إلى ممارسة إعلامية مسؤولة ويساهم في ترقية الضبط الذاتي”.
التزامات الرئيس
هذه الرؤية الجديدة لحقل الإعلام تترجم التزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أكد أكثر من مرة حرصه على تجسيدها التي كان قد تعهد بها، بتمكين أكثر للدور المحوري لقطاع الإعلام والاتصال في المجتمع، وتكريس حرية التعبير والصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والالكترونية في الدستور، مع العمل على توسيع شبكات محطات البث الإذاعي والتلفزي في كافة مناطق البلاد، ضمن ”مقاربة شاملة’ تستهدف تعزيز الإعلام وترقية الصحافة.
وأعلنت الحكومة، في فيفري الماضي، عن مشروع انجاز مدينة إعلامية جزائرية تحت تسمية DZAIR Media CITY تضم أهم الفاعلين والأنشطة الإعلامية، المتمثلة تحديدا في استوديوهات القنوات التلفزية والإذاعية العمومية والخاصة، والنقل الآني، الذي يضمن البث بأحدث المنصات التكنولوجية مع مركز بيانات كبير، إلى جانب إنشاء منطقة حرة لاحتضان منصات المتعاملين الدوليين للشبكات الاجتماعية، التي تستعمل هذا الجسر لإيصال محتوياتها إلى إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا.
ويسمح المشروع، وفق عرض وزير الاتصال، بتوفير بيئة مهنية تستند إلى المقاييس والمعايير الدولية وتشجع ممارسة النشاط السمعي البصري من خلال نوعية أفضل لخدمات تلفزيونية وإذاعية كفيلة بالمساهمة في الترويج لصورة الجزائر.
ومن المقرر، أيضا، إنشاء منطقة حرة لاحتضان منصات المتعاملين الدوليين للشبكات الاجتماعية التي ستستعمل هذا الجسر لإيصال محتوياتها إلى إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا.
تسويق صورة البلاد
في الموضوع، يرى الصحافي بقناة الجزائر الدولية، ياسين محمدي، في تصريح لـ”الشعب أونلاين”، أن الساحة الإعلامية في الجزائر تشهد حركية من خلال تجديد نصوص قانونية بعد جمود دام سنوات بتوصيات من رئيس الجمهورية.
ويعتقد المتحدث أن هذه النصوص تندرج في إطار التكيف مع مستجدات وطنية ودولية، “بما في ذلك المشاريع القوانين المنظمة لعمل الصحافة المكتوبة والصحافة الالكترونية، والسمعي البصري، وأخيرا قانون الإعلام الذي صادق عليه أعضاء مجلس الأمة قبل أسابيع قليلة”.
من منظور محمدي، على الحكومة مرافقة المؤسسات الإعلامية لتجسيد الايجابيات والضوابط التي تحملها القوانين الجديدة “وعدم تركها حبرا على ورق كما حدث في مراحل سابقة، بما في ذلك الإسراع في توطين القنوات الخاصة”، إضافة إلى تسهيل إجراءات تأسيس منابر إعلامية.
وأضاف الصحفي يقول: ” المطلوب اليوم رفع قيود بالية موروثة عن العهد السابق في التعامل مع المؤسسات الإعلامية العمومية، لتمكينها من استقطاب الجمهور داخل وخارج الجزائر، لأنها تملك الإمكانيات التقنية والبشرية لتحقيق التميز إقليميا وعربيا”.
وفي حديث عن وجود إرادة سياسية لتطوير القطاع وترقيته، يستدل المتحدث بإصرار الرئيس تبون على إنشاء مدينة إعلامية، وهو “مؤشر واضح على وجود إرادة سياسية للرقي بالممارسة الإعلامية، بشكل إحترافي يراعي الحركية التي تُسجلها الجزائر في كثير من المجالات، هذه المدينة يُعول عليها كثيرا لتسويق السياسة الخارجية الوطنية، والتصدي للحملات الإعلامية التي تتعرض لها الجزائر بفعل مواقفها المبدئية”.
نحو إعلام مسؤول..
ويعتبر الصحفي بإذاعة الجزائر، حمزة حسناوي، في تصريح لـ “الشعب أونلاين”، أن القانون العضوي للإعلام الذي تم مناقشته والمصادقة عليه مؤخرا من طرف البرلمان، يرسي أرضية جديدة وجدية لتأسيس إعلام هادف، موضوعي ومسؤول، ما يساهم بشكل آلي في تعزيز الممارسة الإعلامية.
ويضيف بقوله : ” حرية التعبير في الجزائر مضمونة وفق أسس مضبوطة وهذا ما يجعل من الإعلام أكثر احترافية، يرقى إلى مستوى تطلعات المواطن، وما نلمسه أيضا أن رجال الإعلام أصبحوا على مستوى من الوعي بأخلاقيات المهنة في ظل رهانات وتحديات كثيرة”.
ووفقا لتصريح حسناوي، يعمل أغلب الفاعلون في الإعلام على مسايرة التحولات الحاصلة، خصوصا المتعلقة بالتكنولوجيا الحديثة.
وفي المقابل “هناك جهود من قبل الدولة لتطوير قطاع الإعلام، ولعل خير دليل على ذلك القرار الأخير المتعلق بمشروع إنجاز قرية إعلامية، وهو ما من شأنه ضمان بيئة إعلامية بمعايير دولية تحفز ممارسة النشاط الإعلامي وتضمن خدمات إعلامية أفضل.”
في السياق، يركز الباحث في علوم الإعلام والاتصال، خالد لرارة، على ضرورة الإسراع في تنفيذ التشريعات الجديدة المرتبطة بإصلاح المنظومة الإعلامية في الجزائر، بداية من ممارسة مهن الإعلام إلى تكريس حرية التعبير تعزيزا للديمقراطية في الحياة السياسية والإعلامية.
وتماشيا مع ما يشهده العصر من تطور تكنولوجي في كل مجالات حياة البشر، يقتضي العمل على مواصلة تطوير القطاع بتوسيع التشريعات المتعلقة بالصحافة الالكترونية وممارسة نشاط الإعلام عبر الانترنت، وهذا الشق – يقول – حتمية يفرضها واقع بيئة رقمية لها جوانب ايجابية وأخرى سلبية.
يعتقد لراراة أن إصلاح المنظومة الإعلامية يمكن الصحافي من القيام بمهامه بشكل أفضل “من خلال السهولة في الحصول على المعلومة وتقديم أخبار صحيحة ودقيقة، وبالتالي مواجهة الأخبار الكاذبة ومصادر نشرها، وتقنين بعض الأنشطة الإعلامية التي أفرزتها تكنولوجيا الإعلام والاتصال لاسيما صحافة الـ “موبايل” وصناعة المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي.”