تتّجه الحكومة إلى إثراء قانون حماية أراضي الدولة والمحافظة عليها، بآليات وأدوات جديدة تسترجع هيبة الدولة بشفافية، وتحمي في الوقت نفسه، حقوق المواطنين، مثلما أمر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، ما يعني أن المسألة متعلّقة حصرا بـ “الالتزام باحترام القانون”، في إطار من الشفافية يتجاوز ما كان معمولا به في المرحلة السابقة، فالرّئيس تبون يؤكّد على الدّوام أن الجزائر دولة مؤسّسات، تفرض تطبيق القانون على الجميع، دون تعسف ولا إجحاف في حقوق المواطنين.
استرجاع هيبة الدّولة وحماية المواطن محاصرة المتلاعبين بمقدّرات الجزائريّين
في تعليمات وجّهها للحكومة، في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد الأحد المنصرم، قدّم رئيس الجمهورية مجموعة من التوصيات، لإثراء مشروع قانون حماية أراضي الدولة والمحافظة عليها، الذي تمّ إعداده من قبل وزارة العدل، ويتم إثراؤه دوريا، لسد الثغرات القائمة، وتعزيزه بمختلف الأدوات والآليات التي تحمي ممتلكات الدولة، وتحفظ حقوق المواطنين.
ولمنع تكرار أخطاء وقعت خلال عمليات استرجاع أراضي الدولة المستولى عليها دون وجه حق، شدّد رئيس الجمهورية، على أولوية استرجاع الدولة لهيبتها بكل شفافية مع حماية حقوق المواطنين، من خلال مشروع القانون المتعلق بحماية أراضي الدولة والمحافظة عليها الذي أمر بإثرائه.
تعليمة رئيس الجمهورية، حسب أستاذ العلوم القانونية والإدارية، علاء الدين قليل، هي نتيجة منطقية للوعي بالمخاطر التي تتزامن مع تطبيق القانون، خاصة فيما يتعلق بحقوق وحريات الأفراد، فالرّئيس يؤكّد دائما أن دولة المؤسسات تفرض تطبيق القانون على الجميع لكن دون تعسف في استعمال السلطة.
وأوضح قليل أنّ الرئيس بتعليمته تلك، نبّه مختلف المسؤولين على المستوى المحلي، أنّ استعمال الوسائل القانونية من طرف أعوان الدولة، في استرجاع وفرض هيبة الدولة، لابد أن يتم في إطار احترام القانون، وتحت رقابة الجهات القضائية، فالمعيار والميزان، هو الالتزام بصريح القانون، وفتح المجال لمختلف الجهات القضائية لتكون الحامي والملاذ لكل من رأى أنه تعرّض إلى تعسّف في حق ما.
وقال أستاذ القانون، إنّ الأمر الذي وجّهه الرئيس يستند إلى “مبدأ دستوري”، فالجزائر دولة مؤسّسات، ولابد أن يكون تنفيذ أي إجراء في إطار القانون وحده، وهو ما يفرض اليوم على أعوان الدولة سواء على المستوى المحلي أو المركزي الذين باشروا عملية استرجاع أملاك الدولة، أن يلتزموا دائما بالقانون بعيدا كل البعد عن التعسف، وعن الكيد في بعض القرارات لصالح أطراف على حساب آخرين، مثلما كان معمولا به فيما مضى. فالقانون يطبّق على الجميع بنفس المقياس والدرجة، وبشفافية تامة، وبإمكان الأفراد الذين رأوا أنّ الإدارة تعسّفت في حقهم مباشرة الإجراءات القضائية من طرق الطعن أو حتى طلب تعويض.
وحتى يتم رفع اللبس عن البنايات المعنية بتنفيذ قرار الهدم، والأراضي المعنية بالاسترجاع، أمر رئيس الجمهورية أن يتضمّن مشروع القانون حماية أراضي الدولة والمحافظة عليها فصلا ثانيا، يخص “التعريف بأساليب وشروط تسوية البنايات المشيدة بطرق غير شرعية”، مع “وجوب التمييز بين العقارات المسترجعة الخاضعة لحماية الدولة وغيرها من البنايات الفوضوية التي شيدت في كثير من الحالات بتواطؤ من سلطات محلية وشوهت العمران”.
كما حمّل الرّئيس تبون “السلطات الإدارية المحلية مسؤولية حماية العقارات والأراضي المسترجعة، بدءا من الساعات الأولى الموالية، لانتهاء عمليات ترحيل شاغليها، غير الشرعيين” ودعا إلى “اتّباع الإجراءات الردعية لمتابعة ومحاسبة كل متورّط أو متسبب في الاستيلاء على أراضي الدولة وتسليط أشد العقوبات عليه”، علما أن المجالس الشعبية البلدية، من خلال مجالات اختصاصها، تتحمّل مسؤولية حماية الأراضي الفلاحية والمساحات الخضراء والحفاظ على الوعاء العقاري للبلدية والأملاك العقارية التابعة للدولة كذلك، ومنح الأولوية في تخصصيها لبرامج التجهيزات العمومية والاستثمار الاقتصادي، ويتولى التأكد من احترام تخصيصات الأراضي وقواعد استعمالها، ومراقبة مطابقة عمليات البناء ذات العلاقة ببرامج التجهيزات والسكن.
وأمر الرئيس تبون – في السياق ذاته – بـ«سن قانون يتعلق بمحاربة التزوير واستخدام المزور في شهادات الإقامة، بهدف الحصول على عقار أو مسكن بغير وجه حق”.
بين “الفوضوي” و”غير القانوني”.. فروق
في السياق، أشار الأستاذ قليل إلى وجود فرق كبير بين البنايات الفوضوية والعقارات غير الشرعية، فالمباني الفوضوية شيّدت على أراض خاصة أو تابعة لأملاك الدولة العمومية، دون الحصول على أدنى وثيقة قانونية تبرّر تشييد هذه البنايات، بعكس البنايات غير القانونية التي ربما في محطة ما من مختلف محطات عمليات البناء لم تراع شرطا أو شروطا بعينها، أو لم يتم فيها استصدار رخصة ما، بمعنى تفتقد إلى بعض الشهادات حتى تدخل في خانة الشرعية.
وأضاف محدّثنا أن رئيس الجمهورية دعا إلى التفرقة بين هذين العقارين، نتيجة خلط مختلف ممثلي الدولة على المستوى المحلي بينهما، ما سرّع – في بعض الأحيان – هدم هذه البنايات غير الشرعية والفوضوية، هو ما جعل رئيس الجمهورية يتدخّل لحماية لحقوق الأفراد حتى لو تعدوا على القانون في بعض الجوانب، وأعطى مثالا على ذلك بشخص سلمت له رخصة البناء على مساحة 200 متر مربع، وتجاوزها ببعض الأمتار، وهذا يدخل في خانة البناء غير الشرعي، وليس البناء الفوضوي.
ورأى الأستاذ القانون أنّ تسوية البنايات غير الشرعية يمكن من خلال إعادة إدخال هذا العقار في خانة الشرعية، من خلال فرض جزاءات أو غرامات مالية فقط، يقدّمها للمعنيين بمخالفة شروط البناء أو المقاييس الواردة فيها، وهذا ما ستباشره مختلف هيئات التعمير وممثلي الدولة على المستوى المحلي سواء كان العقار خاصا، أو كان من ممتلكات البلدية أو الولاية.
أما بالنسبة للإجراءات الرّدعية، من حيث التطبيق والكفاية، فرأى الأستاذ قليل أنّ البنايات الفوضوية في تفاقم وهذا يدق ناقوس الخطر، ويكشف أن العقوبات الموجودة غير كافية، لذلك لابد من تعزيزها، مشيرا إلى أن العديد من الباحثين والمختصين نادوا بضرورة سن قانون خاص يعزز القوانين ذات الصلة بالتهيئة والتعمير، من شأنه تعزيز حماية أملاك الدولة.
وأكّد محدّثنا أنّ الدولة تعمل اليوم على حماية الأملاك العامة، مضيفا أنّ تشديد العقوبات لا مفر منه، لأنّ دولة القانون والمؤسّسات تفرض وجود إجراءات ردعية لمواجهة كل المعتدين على أملاك الدولة.
السّلطات المحلية جدار الصد الأوّل..
وأوضح قليل أنّ الدولة تعمل على حماية العقار، حتى يكون سندا لمختلف البرامج الاستثمارية في المجال الاقتصادي والصناعي والفلاحي، وقد أكّد رئيس الجمهورية أنّ السلطات المحلية معنية بالدرجة الأولى بالتصدي لكل معتد على الأراضي، باعتبارها تشكّل جدار الصد رقم واحد لحماية أملاك الدولة، فرئيس البلدية لديه صلاحيات كبيرة في مجال العمران، وهو يمارس دوره في مخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير، والوعاء الإقليمي التابع للبلدية، من خلال مبادرة رئيس الجمهورية لتحضير هذا المخطّط أو من خلال إصدار قرار المداولة المتضمن مشروع المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير، وإصدار قرار إعداد مشروع قانون المخطط التوجيهي، وله عدّة سلطات في مراجعة هذا المخطط، ومخطط شغل الأراضي كذلك، يمارس بصفة عامة صلاحية الضبط الإداري في مجال العمران.
واسترسل قليل قائلا: بين التهاون والتقصير والمحاباة..المسؤولية قائمة على رئيس البلدية والوالي في كل الحالات، خاصة وأنّنا لاحظنا في السّنوات الأخيرة تدخلات عديدة للجهات القضائية في هذا المجال بسبب تقصير أو تهاون المسؤولين المحليين، وتمّ منح العقار والتلاعب به بطرق ملتوية لا تتماشى والغرض المستهدف من مخططات التهيئة والتعمير، وهذا ما أثّر سلبا على الوعاء العقاري التابع للبلدية، فالعديد منها استنفذت أوعيتها العقارية، دون تحقيق الأهداف المنشودة، ولا مخطّط يراعي مختلف التوجهات الجديدة داخل المحيط العمراني.
وشدّد قليل على ضرورة قيام السلطات المحلية، ممثلة في رؤساء البلديات والولاة، بدورها المنشود في حفظ الوعاء العقاري والتصدي لكل من تسول له نفسه الاعتداء على أملاك الدولة، وضرورة ممارسة صلاحياتهم في مجال الضبط العمراني سواء في مجال الصلاحيات ذات الطابع الوقائي مثل الوقوف دوريا على الوعاء ومسح الوعاء العقاري التابع للبلدية أو الولاية.
وبخصوص، إصدار قانون خاص بمحاربة التزوير واستخدام المزور في شهادات الإقامة، ذكر قليل أن رئيس الجمهورية يعمل على محاصرة كل اشكال التلاعب للحصول على سكن أو عقار، فقد كشفت تحقيقات الجهات القضائية والأمنية تقديم شهادات مزورة، بهدف التحايل للحصول على سكن أو امتيازات، ولو يستمر هذا التجاوز سيؤدي إلى كارثة خاصة على مستوى المدن الكبرى.
وعدّد محدّثنا حالات سجن أعوان بلدية تورطوا في تزوير شهادات الإقامة ومنحها بمقابل أو محاباة، أو من أجل خدمة أغراض أخرى، وهذا ما كان يمس دائما بمقدرات الدولة، مثلما قال، ويقوض برامج السكن، فالدولة تبني السّكنات بناء على ملفات تتضمّن شهادة الإقامة، ولكن عدد طالبي السكن في كل سنة يتضاعف بالمدن الكبرى خاصة، مقارنة بالعدد القليل في الهضاب والجنوب، وهذا ما يطرح أكثر من علامة استفهام.
وثمّن أستاذ القانون، تخصيص قانون لمكافحة التزوير، وتزويده بعقوبات ردعية لكل من يتورّط فيه أفرادا أو إدارات، واعتبره أمرا ضروريا، يجب تسريع تنفيذه تجنّبا للآثار الوخيمة لهذه الجريمة سواء على خزينة الدولة أو مختلف البرامج السكنية الموجهة للمواطنين.