تمر غدا الاثنين، 78 سنة على يوم الثلاثاء “الأحمر” الموافق لتاريخ 8 ماي 1945 حين رفع شعب مصمم على الحرية خلال مسيرة سلمية بسطيف، لافتات تحمل مطالب سياسية أربكت المستعمر الفرنسي وحولت المسيرة السلمية إلى دموية.
واعتبر رئيس مؤسسة الثامن ماي 1945 الوطنية، عبد الحميد سلاقجي، أن ظهور “العلم الوطني” ولافتات تحمل مطالب سياسية على غرار “الجزائر مسلمة” و”الجزائر حرة مستقلة” و”أطلقوا صراح مصالي الحاج” و”أطلقوا سراح المساجين” في
مسيرة انطلقت من حي جورج كليمنسو سابقا، أول نوفمبر حاليا بمدينة سطيف، حولت المسيرة إلى دموية، ما كشف الوجه الحقيقي لفرنسا الاستعمارية.
وقبل ذلك، كان حزب الشعب المحظور ممثل في المناضلين محمود قنيفي وعبد القادر يعلى ومحمد فتاش قد تفاوضوا في مرحلة التحضير للمسيرة مع حاكم الدائرة (رئيس الدائرة) باسم حزب أحباب الحرية و البيان الذي يترأسه فرحات عباس للحصول على ترخيص لها، حيث أقنعوه بصعوبة بأنها ستكون سلمية احتفالية بانتصار الحلفاء على النازية و أنها مؤطرة ولا مجال فيها لأي شكل من أشكال العنف و قدموا له ضمانات بذلك فكان لهم ما أرادوا غير أن الترخيص كان شفويا وليس كتابيا.
وفي اليوم الثامن ماي، حرص المنظمون على الوفاء بوعدهم القاضي بسلمية المسيرة فعمدوا إلى إسداء أوامر للمشاركين بترك كل ما يمكن أن يفسر من قبل سلطات المستعمر على أنه سلاح، كالعصي التي يحملها عامة الناس دوما.
كما أمروا المناضلين الفقيدين بلقاسم بلة المدعو الحاج سليمان وآخر يدعى بابايا بحمل باقة من الزهور في مقدمة المسيرة لوضعها أمام تذكار الجندي المجهول (قبالة مسجد ابن باديس حاليا بمدينة سطيف) يليهم مربع براعم الكشافة كعربون للسلام ثم جموع المسيرة الذين بلغ عددهم قبل انطلاقها من أمام مسجد المحطة سابقا أبي ذر الغفاري حاليا حوالي 10 ألاف شخص.
ومن جهة أخرى، شدد المنظمون على تطبيق التعليمات في إخفاء العلم الوطني ولافتات المطالب السياسية إلى درجة أن كل ثنائي مكلف بحمل لافتة لا يعلم بوجود لافتات أخرى ولا يعرف من يحملها، وإظهارها في أماكن محددة بالتدقيق، حرصا منهم على إنجاح المسيرة وإيصال مطلب الحرية والاستقلال الذي وعدت به فرنسا الاستدمارية الشعب الجزائري نظير مساعدته لفرنسا والحلفاء في حربهم ضد النازية أثناء الحرب العالمية الثانية.
انطلاق المسيرة
وعند انطلاق المسيرة في حدود الساعة 8 و30 دقيقة صباحا من أمام مسجد أبي ذر الغفاري حاليا كما خطط لها، في هدوء تام حيث كان على رأس الموكب مربع براعم الكشافة الإسلامية الجزائرية لفوج الحياة يقودهم الزعماء عبد القادر يحلى المدعو يالا ولخضر دومي و الخير ذيب و محمود بن محمود و كان المقبلون على المسيرة في تزايد مستمر إلى أن بلغت شارع (جورج كليمنصو) بسطيف أول نوفمبر حاليا، حتى برز في وسط المتظاهرين راية وطنية مكونة من الأخضر والأبيض يتوسطهما النجمة والهلال (العلم الوطني) يحمل ها الشهيد سعال بوزيد رافق ذلك ترديد براعم الكشافة لأناشيد وطنية حسب الأوامر التي أسديت لهم على غرار “حيوا الشمال يا شباب حيو الشمال الإفريقي “. كما حلت لافتات المطالب السياسية والعلم الوطني محل شعارات التغني بانتصار الحلفاء، حينها تدخل البوليس الفرنسي بعنف شديد لانتزاع العلم الوطني من الشاب سعال بوزيد (22 سنة) الذي رفض تسليمهم الراية فأطلقوا عليه النار بكل برودة دم.
وكان استشهاد سعال بوزيد إشارة انطلاقة مسيرة لم تتوقف وراح ضحيتها أزيد من 45 ألف شهيد في كامل ربوع الوطن خلال فترة وجيزة امتدت من تاريخ الثامن ماي 1945 إلى نهاية سبتمبر من نفس السنة. ومنها تيقن الجزائريون أن ما أخذ بالقوة
لا يسترد إلا بالقوة، فأسست مجازر الثامن ماي 1945 التي ارتكبت في حق الشعب الجزائري الأعزل لاندلاع ثورة نوفمبر 1954 المجيدة.