سألنا واحدا من الكتّاب المهمّين عن سبب التزامه بالكتابة، وصموده في خندق الحرف، رغما عن المقروئية المتهاوية، والكساد الضارب، والمستوى (التيكتوكي)، ناهيك عن ضياع المجهود دون مقابل، ثم إنّ الكاتب عندنا لا يعرف شيئا عمّا يوصف بأنه (حقوق التأليف)، ولا عمّا يسمى (عطلة البحث) أو (عطلة الكتابة)، فهذه من المآثر التي لم يحدث أن غنّى عليها المدّاح..
تململ صاحبنا من السؤال، ولكنّه تحمّل أعباءه، وراح يسرد علينا قائمة طويلة بمنشوراته، ثم يصنّفها وفق فوائدها المرتجاة، وما يعلّق عليها من آمال، ثم ختم قائلا إنّه لا يهتم بمن يحيطون به، ولا من يعيشون معه، وإنما يكتب لأجيال مقبلة، تتّخذ من كتاباته أسسا تنطلق منها، ودعامات تتمسّك بها، حتى تحقق الآمال المرجوة، وتصنع ما عجزنا عنه..
ولا ننكر على رؤية صاحبنا الكاتب أنّها يمكن أن تكون دافعا حقيقيا لإنتاج أعمال فارهة، قد تحظى بمكانة محترمة في المستقبل..مثلا..أبو طيب المتنبي نام ألف عام، ثم جاء محمود شاكر وأنصفه، واستعاد له صورته الرّائعة التي (حرّفها) الإخباريون، ولم يختلف أبو العتاهية، فقد عاش الفقر بالألوان، حتى إنّه لم يكن يجد الخبز اليابس يسدّ به رمقه، ثم كافأه التاريخ بالخلود، وكافأ معه الناشرين والباحثين وخلائق كثيرين، اعترفوا له بالعبقرية..ولكن..هل أنصف التاريخ جميع المهمّشين والمظلومين؟
الإجابة بـ «نعم» مخاطرة، فالتاريخ ليس من شؤونه الإنصاف ولا إحقاق الحقوق، والكتاب الذي يضيع اليوم، لا يعود بالضّرورة غدا؛ لهذا نقدّر أنّ صديقنا كاتب متفائل وحسب، وينبغي للكتاب (وغير الكتاب)، وكاتب السّطور معهم، أن يستوعبوا أنّ لا أحد ضروري للحياة، ويكون كافيا جدا أن تصفو النّيات، ويكون العمل خالصا لوجه الله..الباقي..فضول كلام..