ذكرى “الثامن ماي” لم تهدأ بالجزائر مطلقا، وظلّت – على الدّوام – جرحا غائرا يتعالى عن النسيان، ورمزا ساميا تتكثف فيه معاني البطولة والإباء والصبر، وتجتمع في ثناياه جميع السجايا الجزائرية الأصيلة، فالذكرى تُجدّد عهد الوفاء للملايين الذين ارتقوا إلى ذرى سماوات الشهادة فداء للوطن، وهي تدفع إلى مستقبل عظيم في مستوى عظمة التضحيات الجليلة..
ولسنا ننكر أننا مررنا بفترات عصيبة تعرّضت فيها الرموز الوطنية إلى هجمات شرسة، فقد تسلل خطاب مأجور حرص على النيل من القيم الوطنية العليا من خلال بثّ الشكوك، وإحباط عزائم الشباب، غير أن الذكرى حلّت أمس، قويّة مذهلة، وقدّم الجزائريون صورا رائعة، عبر جميع أنحاء الوطن، وبرهنوا على التفافهم حول مآثر ثورتهم المجيدة، وإيمانهم العميق بمنهج نوفمبر..
الخطاب المأجور كان شرسا، عدوانيا، غير أن الرّجالة وقفوا واثقين، ولم يبدّلوا تبديلا، فظل الموقف الجزائري نموذجا إنسانيا فريدا، لا يرضى إلا بحق الإنسان في الحرية، وليس من المجاملة في شيء إذا قلنا إن الذاكرة الوطنية ازدادت انتعاشا، منذ أولاها الرئيس تبون بعنايته، فحرص على أن يستعيد أبناء اليوم أمجاد آبائهم وأجدادهم؛ ولهذا بالضبط، كان إحياء ذكرى الثامن ماي، أمس، معبرا فعلا عن ارتباط الجزائريين بماضيهم المجيد، واعتزازهم وفخرهم بما يحتفظ به التاريخ للجزائريين من سموّ في محفل الأمم..
العهد واحد، والدّم واحد، والجزائري الذي أرغم (الطيارة الصفرا) على الاندثار، هو نفسه الجزائري الذي يطوّع النظريات المعرفية، ويحقق الفتوح العلمية، ويبني الأمجاد الاقتصادية في جزائر جديدة تقدّم الكفاءة، وترسّخ الإخلاص، ولا تعترف إلا بالأمجاد..
والمجد للشهداء الأبرار..