تخوض الجامعة الجزائرية مقاربة تكوين جديدة تتماشى مع سوق الشغل وما تفرضه الحياة الاقتصادية، من منطلق أنها تشكل بوابة انطلاقة سليمة لتحقيق هدف استراتيجي، طالما أكد عليه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بجعل الجامعات قاطرة للتنمية المحلية والوطنية وربطها بسوق الشغل، أملا في تحقيق تنمية اقتصادية واعدة.
تعرف الجامعات الجزائرية انفتاحا كبيرا على المحيط الاجتماعي والاقتصادي، بعد وضع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الخطوات الأولى لتمكين الخريجين الجدد من إنشاء مؤسساتهم الناشئة، ودعمهم للانخراط في عالم الشغل، بهدف جعل الجامعات قاطرة للتنمية المحلية والوطنية.
وتسعى الوزارة لتجسيد مشروع “الطالب المقاول”، بعدما كشفت تجربة دار المقاولاتية المطبقة في عديد الجامعات، منذ أكثر من خمس سنوات عن قدرات حقيقية للطلبة واستعدادهم لولوج عالم الشغل وتكوين مشاريع خاصة.
في هذا الإطار، قال رئيس اللجنة الوطنية لمتابعة الابتكار وحاضنات الأعمال الجامعية، الدكتور أحمد مير ، في تصريح لـ” الشعب أونلاين”، إن هذه السنة سنة استثنائية بالنسبة للطلبة المتخرجين، سواء في الليسانس أو في الماستر أو حتى في الدكتوراه.
وأضاف مير: ” هذه السنة خصص لها قطاع التعليم العالي والبحث العلمي مشروع قرار وزاري 12/75 يتيح للطلبة في سنوات التخرج، من إنشاء أكبر عدد ممكن من المؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، وإيداع طلبات براءات الاختراع، بتثمين مذكرات التخرج التي كانت في السابق عبارة عن مذكرات أكاديمية.”
ووصف المتحدث ذاته، أن هذه السنة أصبحت عبارة عن سنة مشاريع لمؤسسات اقتصادية، وهي مؤسسات يمكن أن تخلق الثروة في محيط الجامعة، وللاقتصاد المحلي وأيضا الاقتصاد الوطني، وبالتالي –يضيف مير- تدخل في الاستراتيجية العامة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، خاصة فيما يسمى “دمج الجامعة الجزائرية مع المحيط الاقتصادي والاجتماعي”.
7 آلاف فكرة مبتكرة في المؤسسات الجامعية
وبلغة الأرقام، كشف ممثل وزير التعليم العالي والبحث العلمي، عن تم تسجيل عدد معتبر من المشاريع المبتكرة، هي “عبارة عن أفكار مبتكرة في بداية إصدار القرار الوزاري المذكور سابقا، وسُجلت أزيد من 11 ألف فكرة مبتكرة، وبعد خضوع هذه الأفكار لما يسمى بـ “البلورة” والانتقاء من قبل اللجان العلمية للحاضنات، ووُجهت هذه الأفكار المبتكرة نحو المؤسسات الناشئة، أو نحو المؤسسات المصغرة أو نحو براءة الاختراع، ومنها من أعيد توجيهه إلى أن يكون مذكرة أكاديمية لخلوه من الجوانب الإبتكارية، والتجارية والبعد الاقتصادي”.
وأضاف المسؤول ذاته، أنه “بعد عملية التقييم أصبح العدد الإجمالي 7 آلاف فكرة مبتكرة قابلة لأن تكون مشروع اقتصادي”.
وترافق هذه الأفكار المبتكرة المسجلة، 94 حاضنة أعمال بالجامعات الجزائرية، ومؤسسات التعليم العالي، و84 دار مقاولاتية.
جامعات بأكبر عدد من الأفكار والمشاريع المبتكرة
وفي سياق ذي صلة، قال أحمد مير إنه من خلال فتح المجال للطلبة التسجيل في إطار القرار الوزاري 12/75 شهادة مؤسسة ناشئة شهادة براءة اختراع، شرعوا في التسجيل الالكتروني لمشاريع ابتكارية في مختلف مؤسسات التعليم العالي في 114 مؤسسة تعليم عالي، وفي بعض مراكز البحث.
ووفق ما قدمه المتحدث، هناك جامعات ومؤسسات جامعية، سجلت أكبر عدد من المشاريع والأفكار المبتكرة، منها جامعة عنابة، التي سُجل فيها أزيد من 600 مشروع وفكرة مبتكرة قابلة لأن تكون مؤسسة ناشئة، أو اقتصادية، جامعة الجزائر 3 بأكثر من 600 مشروع مبتكر، كذلك جامعة ورقلة بأكثر من 500 مشروع، جامعة سيدي بلعباس بأكثر من 500 مشروع مبتكر، جامعة المدية بأكثر من 300 مشروع مبتكر، وجامعة البليدة 2 بأكثر من 300 مشروع مبتكر..
وأضاف المسؤول ذاته، أن جامعات في أقصى الجنوب، وجامعات في الهضاب العليا فيها أعداد من المشاريع، بين 200 إلى 300 مشروع مبتكر في كل مؤسسة تعليم عالي.
54 % من مشاريع تخرج الطلبة حُوّلت إلى مشاريع ابتكارية
من جانبه، أكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، كمال بداري، أن أزيد من 54 بالمائة من مشاريع تخرج الطلبة تم تحويلها إلى مشاريع ابتكارية، ما يسمح لحامليها بتحويلها إلى مؤسسات ناشئة أو مصغرة.
وأكد بداري في تصريح سابق لوسائل الإعلام، على أهمية مواصلة دعم الطلبة المتخرجين إلى غاية تحقيق أهدافهم، مشيرا الى أن المتخرجين الذين “لم ينجحوا في تحويل مشاريعهم إلى مؤسسات ناشئة يمكنهم الانتقال إلى مرحلة إنشاء مؤسسات اقتصادية مصغرة”.
وأوضح الوزير أن هذه الاستراتيجية من شأنها “جعل كل متخرج خالقا لمنصب شغله، إضافة إلى مناصب شغل أخرى والمساهمة في التنمية محليا ووطنيا”.
دورات تدريبية وبرامج مكثفة لترسيخ الفكر الريادي للطلبة
وبتسجيل هذه العدد الكبير من المشاريع الابتكارية، خصصت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، برامج مكثفة تخص نموذج الأعمال التجاري، كيفية إقامة النمذجة، كيفية التسجيل في منصة “ستار توب.dz” للحصول على وسم، “لابل”، مشروع مبتكر وبرنامج خاص بالملكية الفكرية والصناعية في المشاريع المبتكرة.
في هذا الإطار، قال رئيس اللجنة الوطنية لمتابعة الابتكار وحاضنات الأعمال الجامعية الدكتور أحمد مير: “خُصصت رزنامة لتدريب المدربين في شهر مارس الماضي، هذه الدورات التدريبية تم تدريب أكثر من 500 مدرب في مجال ريادة الأعمال حتى يشرفون على تدريب الطلبة المنخرطين في القرار الوزاري 12/75، بعدها انطلقت البرامج التدريبية في أواخر شهر مارس وبداية شهر أفريل الماضي، وتستمر هذه البرامج التدريبية إلى غاية اليوم، وتدخل في المرحلة الثالثة، من البرامج التي ترافق وتحول المشاريع الابتكارية من مشاريع أكاديمية بحثية علمية، إلى مشاريع تجارية قابلة لأن تكون مؤسسة ناشئة”.
وأضاف المتحدث أن “البرنامج اليوم يركز على إعداد نموذج الأعمال التجاري، وإعداد البطاقة التقنية الاقتصادية للمشاريع المبتكرة حتى يتم فيما بعد تسجيلها في منصة “ستار توب.دي زاد ” للحصول على وسم “لابل مشروع مبتكر”، ما سيتيح لها الحصول على التمويل من قبل الصندوق الجزائري لتمويل المؤسسات الناشئة أو مختلف الآليات الأخرى، كآلية “أناد” التابعة لوزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة”.
مناقشة مذكرات تخرج لتكون مؤسسات ناشئة أو مصغرة هذا العام..
ومع اقتراب شهر جوان من كل سنة، يتم مناقشة مذكرات التخرج سواء للطلبة في الليسانس أو الماستر، لكن هذا السنة ستكون مميزة –حسب مير- الذي قال: “ننتظر فقط شهر جوان المقبل، لمناقشة مذكرات التخرج في إطار القرار الوزاري 12/75 والتي يفوق عددها 7 آلاف مذكرة تخرج، هذه المذكرات التي سترافق لأن تكون مؤسسات اقتصادية سواء ناشئة أو مصغرة، وكذا طلبات براءات اختراع”.
وأضاف المسؤول ذاته: “هذا الأمر من شأنه خلق الديناميكية وخلق البعد الاقتصادي لمؤسسات التعليم العالي ومساهماتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهذا كله يدخل في الالتزام 41 لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في جعل الجامعة قاطرة حقيقية للتنمية الاقتصادية”.
حاضنات الأعمال ودور المقاولاتية.. لمرافقة المشاريع المبتكرة
المشاريع المبتكرة المسجلة بالجامعات تتم مرافقتها من خلال الهيئات المتواجدة فيها، كحاضنات الأعمال، دُور المقاولاتية، مراكز الدعم التكنولوجي والابتكار، مكتب الربط بين المؤسسة والجامعة..
وهذه الواجهات – حسب المتحدث – تقوم بدور محوري في عملية المرافقة، كل في مجاله، فحاضنات الأعمال ترافق الطلبة أو المشاريع ذات التوجه الابتكاري، أما دور المقاولاتية فترافق المشاريع ذات البعد الاقتصادي، مراكز الدعم التكنولوجي والإبتكار ترافق الطلبة في مجال التحسيس بالملكية الفكرية وإيداع براءات الاختراع، مكتب الربط بين المؤسسة والجامعة، جلب الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، ومختلف الواجهات تقوم بدور المرافقة، والانتقال بذهنية الطالب من طالب عن منصب شغل إلى طالب يخلق الثروة وينشئ للمؤسسات الاقتصادية والناشئة والمصغرة.