عقب أزمة دامت 12 سنة، تستعيد سوريا مقعدها الطبيعي في جامعة الدول العربية، وتتجه نحو إعادة هندسة علاقاتها مع دول عربية، بجهود ودور جزائري محوري في القضية، يستند إلى ثوابت تخدم وحدة دمشق وسيادتها، والى مصلحة الصف العربي، ومبادرة لم الشمل، بعيدا عن أي حسابات ومصالح ضيقة..
قبل عقد من الزمن، اتخذت للجزائر موقف تجاه الأزمة السورية ظل ثابتا إلى غاية استرجاع هذا البلد مكانه الطبيعي في الجامعة العربية، والموقف كان التحفظ على تجميد عضوية دمشق أواخر نوفمبر 2011، إثر أزمة كانت لها مآلات وخيمة على الشعب السوري طيلة السنوات الماضية.
جهود ومساع..
جهود الجزائر في حلحلة الملف السوري لم تقتصر على اتخاذ مواقف، وإطلاق تصريحات، وإنما العمل على مساعي وخطوات، ومحاولات إيجاد توافقات عربية، قصد تهيئة بيئة سياسية عربية مهدت إلى تبني وزراء الخارجية العرب، في اجتماعهم الأحد المنقضي، قرار عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة، واستئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعاتها.
وهو قرار يأتي في فترة رئاسة الجزائر لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، سبقها احتضان قمة استثنائية راهنت الجزائر فيها على خارطة طريق عمل العربي مشترك، في سياق دولي وإقليمي يشهد تحولات ومتغيرات جديدة.
وفي اجتماعات سابقة لجامعة الدول العربية، طالبت الجزائر بعودة دمشق إلى المحيط العربي من منطلق رؤية، وتصور ينهي انقسام الصف وإعادة ترميم العلاقات العربية، وهو هدف اتخذته الجزائر عنوانا لقمة الشمل العربي المنعقدة بالجزائر نوفمبر 2022.
وأكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الجمعة الماضي، أن ما تقوم به الجزائر تجاه سوريا قائم على أساس أن سوريا عضو مؤسس للجامعة العربية، وأن “موقف الجزائر من سوريا لم يتغير أبدا”، مشيرا إلى أن المساعدات المقدمة لهذا البلد الشقيق عقب تعرضه لزلزال مدمر “هبة من القلب، غير خاضعة لأي حسابات سياسية”.
موقف جزائري ثابت
وحملت المكالمة الهاتفية بين الرئيس تبون ونظيره السوري بشار الأسد، الذي عبر فيها عن “شكره وتقديره البالغين للجهود الدؤوبة التي بذلها في سبيل عودة سوريا في ظل الرئاسة الجزائرية لمجلس جامعة الدول العربية”، دلالات قوية بشأن مواقف وجهود جزائرية ودورها المحوري في هندسة قرار عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية.
وفي هذا السياق، تلفت الكاتبة الصحفية السورية سمر رضوان، في تصريح لـ”الشعب أونلاين”، إلى أن الحديث عن دور الجزائر في مستجدات الملف السوري، يقود للتذكير بموقف االجزائر الثابت طيلة 12 سنة من الأزمة.
وتبرز سمر رضوان أنه قبل الخوض في دور الجزائر، يقتضي التذكير بأن الجزائر “لم تمتثل للإملاءات الخارجية، وساعدت سوريا في أحلك الظروف والمحطات”، مثلما رفض الشعب السوري وقيادته – تقول- تقديم تنازلات رغم ما لحق به من أضرار على كافة الأصعدة.
في تحليلها لموقف الجزائر ودورها في الملف السوري، تُبرز المتحدثة ما تراه مسألة جوهرية في قولها: “انطلقت الجزائر من موقفها هذا من نقطة مشتركة مع سوريا، فهي ترفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للبلاد، خاصة الدول ذات السيادة، وعاشت فترة الاستعمار الفرنسي الذي كان مستعمراً لسوريا في بدايات القرن الماضي.”
وتضيف قائلة: ” تصميم الجزائر ودورها في عودة سوريا إلى الجامعة العربية، له مبرراته رغم محاولة البعض أن ينسبه إلى نفسه، لكن على العكس من ذلك، لقد أثبتت مكالمة الرئيس السوري بشار الأسد مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون هذا الكلام، فمبادرة أول اتصال لها دلالات كثيرة”..
رؤية عميقة
“الدور الجزائري في القضية السورية، بمثابة حجر الأساس الذي استند عليه الكل لاحقاً، وبالتالي لا يمكن لأحد أن الدور المحوري للجزائر في حل أزمة عمرها 12 عام، وهذا وضع طبيعي لدولة كبيرة بحجم الجزائر التي تربطنا معها علاقات جميلة ووطيدة”، وفق المتحدثة.
وتعتبر سمر رضوان جهود الجزائر وتصورها في حل الملف السوري، بمثابة إعادة هندسة العلاقات السورية مع باقي الدول العربية”، مع الإشارة إلى أن الظروف الإقليمية والدولية لعبت في صالح هذا الأمر وقربت المسافات وساعدت الجزائر على إنجاح عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية منها”.
في السياق، تُشيد المتحدثة بالقراءة الصائبة للقيادة الجزائرية لما يجري من تحولات إقليمية ودولية كثيرة، وملفات طفت إلى السطح في ظل الصراع الروسي – الأوكراني، وما أفرزه من أزمات مثل أزمة الأمن الغذائي: “أعتقد أن موقف ودور الجزائر سيكون عاملاً مساعداً في تبنى ملفات أخرى مثل الملف الليبي على سبيل المثال لا الحصر”.
وواصلت قولها: ” لا ننكر دور دول عربية أخرى، لكن التقدير الأكبر للشقيقة الجزائر، هذا البلد العربي الأصيل، الذي أثبت أنه أرض مباركة، لذلك لا نستغرب من أرض الشهداء أن يكون موقفها إلا موقفاً عربياً أصيلا”.
قبل شهرين، كان الرئيس السوري بشار الأسد، في تصريحات للتلفزيون العمومي، أكد أن وقوف الجزائر مع بلده في محنة الزلزال المدمر “امتداد لمواقفها المشرفة تجاه القضايا العربية والسورية تحديدا، مشيدا بجهود فرق الحماية المدنية الجزائرية والهلال الأحمر الجزائري المتواجدة ببلاده للمشاركة في عمليات الإنقاذ والبحث عن المفقودين جراء الزلزال الذي ضرب الإثنين الماضي كلا من سوريا وتركيا.
وقال الاسد “العلاقة بين سوريا والجزائر مبنية على وقوف سوريا إلى جانب الجزائر في الثورة، ووقوف الجزائر عبر عقود إلى جانب القضايا العربية والقضايا السورية تحديدا وهذا لم يتغير”، فالجزائر تبقى في الوجدان بالنسبة لنا كجيل والأجيال القادمة، بحسب المتحدثة.