تتحدث القاضية شفيقة بن صاولة، عضو بالمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ممثلة عن الجزائر، في هذا الحوار عن تجربتها في المحكمة الإفريقية مدة 6 سنوات بالعهدة السابقة، ومهام هذه الأخيرة بإعتبارها محكمة قارية أنشأتها البلدان الأفريقية لضمان حماية حقوق الإنسان والشعوب في أفريقيا، وأكدت على مكانة الجزائر في حقوق الإنسان.
بداية من هي القاضية شفيقة بن صاولة؟.
السيدة شفيقة بن صاولة، خريجة جامعة وهران، متحصلة على دكتوراه دولة في القانون العام، وليسانس في اللغة الإنجليزية، توليت مناصب عديدة منذ تعييني قاضية سنة 1979، من وكيل جمهورية إلى قاضي أحداث ومستشارة بالمجلس ورئيسة غرفة بالمجلس، ثم مستشارة بمجلس الدولة. بعدها تقلدت مناصب في الإدارة المركزية، مستشارة وزير ومديرة التشريع والوثائق ومفتشة لدى وزارة العدل، وجهات قضائية عادية وإدارية، وباحثة بمركز البحوث القانونية والقضائية للجزائر التابع لوزارة العدل.
أنا كذلك أستاذة بالمدرسة العليا للقضاء. حاليا أعمل مستشارة في مجلس الدولة ومحكمة التنازع.
عُينت بالمحكمة الإفريقية في 2017 لعهدة ست سنوات، وجددت العهدة للمرة الثانية في القمة الأخيرة للإتحاد الإفريقي في فيفري 2023 لعهدة أخرى لست سنوات، علما أن التعيين في هذا المنصب فقط عهدتين غير قابلة للتجديد.
انتخبت للمرة الثانية عضوا في المحكمة الإفريقية، وتمثلين الجزائر..
العهدة الأولى كانت شرف كبير لي، لأني كنت قاضية في الجزائر منذ أكثر من 40 سنة.
بطبيعة الحال كانت لي تجربة طويلة في الميدان وحتى في بعض المجالات الأخرى كالكتابة والتدريس.
لكن تعييني في منصب قاضي المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، أشعرني بثقة كبيرة وضعت في شخص السيدة بن صاولة شفيقة، والثقة في كفاءتي والقدرة على التأقلم وعلى المثابرة والنجاح، و إعطاء الكثير، فضلا عن ان اترك بصمة الجزائر في هذه المحكمة الإفريقية.
العهدة الثانية كان دليل على أنني أديت الواجب وان المطلوب مني هو رفع المستوى ومنتظر مني الكثير والمزيد. هذا شعور قوي أن بلدك يقدم إسمك لتكوني مترشحة في منظمة جهوية أو إقليمية.
المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، تحكم في قضايا أفريقية، لكن لها صدى دولي. اليوم لما نطلع على اجتهادات المحكمة الأوروبية والمحكمة الأمريكية، سنرى أن فيه إشارة إلى أحكام المحكمة الإفريقية. لهذا بالنسبة لي عهدة ثانية شعور بأنني أديت الواجب وسأعطى أكثر وأعطى أفضل بإذن الله.
عندما ينتخب قاضي ويصبح عضو المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، يصبح خبيرا في حقوق الإنسان ولا يمثل بلده، هو جزائري الجنسية جاء من شمال إفريقيا وعين من طرف بلده، ولكن في ممارسة مهامه لا يمثل بلده، عندما يكون في المداولة ويتحدث لا يتحدث عن انتمائه لبلده، للفصل في النزاع أو المشكل المعروض عليه، إنما يتكلم عن النظام القانوني أو القضائي في بلده والاجتهادات المقدمة، لكن لن يستأنس بالإنتماء إلى بلده ليفصل في النزاع.
حينما عينت بالمحكمة الإفريقية، كان لابد لي من الإلمام بكل ما له علاقة بالإتحاد الإفريقي، وما هي الأساسيات وآليات عمل هذه المنظمة وكل مؤسسة تابعة لها، وبكل ما هو لصيق بحقوق الإنسان والمعاهدات والقوانين، اجتهادات المحكمة الأوروبية والأمريكية والإفريقية، كان عملا طويلا، والحمد لله كان التأقلم سريعا لأن القاضي عنده مبادئ وأساسيات، وانطلاقة نابعة من تكوينه واجتهاده.
لهذا، القاضي الجزائري حين يعين في منظمة جهوية أو دولية دائما يكون بفضل هذا المستوى، الذي تحصل عليه في الجامعة الجزائرية أو المحكمة العليا أو مجلس الدولة، يقدم الأفضل، فهذا التكوين يساعده كثيرا على أن يحسن من مستواه ويبقى في المستوى المطلوب بالنسبة للمنظمة التي يعين فيها أو المحكمة الإفريقية.
حدثينا عن تجربتك السابقة بالمحكمة الإفريقية؟
بالنسبة لي السنوات الست الأولى من العهدة كانت تجربة طويلة وقوية، فيها نجاح كبير أدركت أن مستواي يسمح لي بأن أكون أحسن من أقدم القضاة في المحكمة الإفريقية، وأقولها دون مجاملة، اليوم أصبح زملاء يأخذون برأيي، كان لي شرف المساهمة في تعديل بعض الأحكام في القانون الداخلي للمحكمة الإفريقية، فزملائي أخذوا برأيي في تعديل بعض المواد بفضل كفاءتي وهذا شرف كبير لي.
يعود الفضل إلى بلدي الجزائر ومن تكونت معهم، كان لي شرف ترأس لجان عديدة، اللجنة الإدارية والمالية، لجنة اللغات، اللجنة الخاصة بالطباعة، اللجنة الخاصة بالواب سايت.
كل هذه اللجان تقوم بتنظيم العمل داخل المحكمة، مثلا اللجنة الخاصة بالإدارة والمالية تدرس ميزانية المحكمة، تعرض هذه الميزانية على الإتحاد الإفريقي.
انتخابك للمرة الثانية، هل يعزز مكانة الجزائر إفريقيا في حقوق الإنسان؟
من المعترف به والثابت أن الجزائر دائما من أوائل الدول، التي تصادق على المعاهدات التي تنص على حماية حقوق الإنسان والحريات العامة، وحماية القضايا العادلة، وحقوق الغير، لهذا فمكانة الجزائر وطنيا ودوليا غير مشكوك فيها، للجزائر صدى كبير على المستوى الدولي والإتحاد الإفريقي.
تجدون الجزائر دائما تعزز مكانتها بشغل مناصب، هدفها العدل والسلام وحرية الغير واعتراف بكرامة الشعوب.
بطبيعة الحال الجزائر حين تقدم مترشحا للمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، هذا دليل على أن بلادنا تؤمن بحقوق الإنسان وبالدفاع عنها، وتؤمن أن لكل إنسان حق في الحياة والتعليم والصحة، وهذا نجده على المستوى الوطني، مثلا مجانية التعليم دليل أن الجزائر تؤمن أن للمواطن الحق في التعليم، وهذه المجانية لا نجدها في دول أخرى.
بدون شك، إنتخاب جزائري أو جزائرية في منظمة مهما كانت دولية أو إفريقية، دليل على مكانة الجزائر دوليا وإفريقيا وإقليميا.
كثير من الجزائريين يجهلون مهام المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ، حديثنا عن دور هذه المحكمة؟
المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، محكمة قارية أنشأتها البلدان الأفريقية لضمان حماية حقوق الإنسان والشعوب في أفريقيا، وهي تكمل وتعزز دور اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
أنشأت بموجب المادة 1 من بروتوكول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، بشأن إنشاء محكمة أفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، البروتوكول الذي اعتمدته الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الأفريقية (OAU) آنذاك في واجادوجو، بوركينا فاسو، في جوان 1998. وقد دخل البروتوكول حيز التنفيذ في 25 جانفي 2004.
الدول الـ 32، التي صادقت على البروتوكول هي: الجزائر، بنين، بوركينا فاسو، بوروندي، الكاميرون، تشاد، كوت ديفوار، جزر القمر، الكونغو، جمهورية الكونغو الديمقراطية، الجابون، جامبيا، غانا، غينيا بيساو، كينيا، ليبيا، ليسوتو، مالي، ملاوي، موزامبيق، موريتانيا وموريشيوس ونيجيريا والنيجر ورواندا والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وجنوب أفريقيا والسنغال، تنزانيا، طوغو، تونس وأوغندا .
وحتى الآن ، أودعت ثماني دول فقط من بين (32) دولة طرفًا في البروتوكول الإعلان، الذي يعترف باختصاص المحكمة لتلقي القضايا مباشرة من المنظمات غير الحكومية والأفراد.
ينطبق الاختصاص القضائي للمحكمة على جميع القضايا والنزاعات المقدمة إليها فيما يتعلق بتفسير وتطبيق الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (الميثاق)، والبروتوكول وأي صك آخر ذي صلة بحقوق الإنسان التي صادقت عليه الدول المعنية.
فيما يخص الاختصاص الاستشاري، يجوز للمحكمة، بناء على طلب دولة عضو في الاتحاد الأفريقي أو أي من أجهزته أو أي منظمة أفريقية معترف بها من قبل الاتحاد الأفريقي، طلب رأي بشأن أي مسألة قانونية أخرى تتعلق بالميثاق أو أي صكوك أخرى ذات صلة بحقوق الإنسان، شريطة ألا يكون موضوع الرأي متعلقا بمسألة قيد الدراسة من قبل اللجنة.
كم عدد قضاة المحكمة الإفريقية، وكيف ينتخبون؟
تتكون المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، من أحد عشر قاضيا من مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي.
انتخب أول قضاة المحكمة في جانفي 2006 في الخرطوم، السودان. أدى القضاة اليمين الدستورية في الدورة الـ7 العادية لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في 2 جويلية 2006 في بانجول، جامبيا.
بناءً على ترشيح دولهم، ينتخب قضاة المحكمة بصفتهم الفردية من بين الحقوقيين الأفريقيين، الذين أثبتوا نزاهتهم وكفاءة وخبرة عملية أو قضائية، أو أكاديمية معترف بها في مجال حقوق الإنسان.
ينتخب القضاة لمدة ست سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
ينتخب قضاة المحكمة من بينهم رئيسا ونائبا لرئيس المحكمة لمدة عامين، ولا يمكن إعادة انتخابهم إلا مرة واحدة، يقيم رئيس المحكمة ويعمل بدوام كامل في مقر المحكمة ، بينما يعمل العشرة قضاة الآخرين على أساس عدم التفرغ في أداء مهامه ، يساعد الرئيس في أداء مهامه رئيس قلم المحكمة في المهام الإدارية والتنظيمية للمحكمة.
بدأت المحكمة عملها رسميا في أديس أبابا ، إثيوبيا في نوفمبر 2006. وفي أوت 2007 ، انتقلت إلى مقرها في أروشا بجمهورية تنزانيا المتحدة بين عامي 2006 و 2008 ، عالجت المحكمة بشكل أساسي المسائل التشغيلية والإدارية، بما في ذلك تطوير هيكل قلم المحكمة، وإعداد ميزانيتها وصياغة نظامها الداخلي المؤقت.
ويجوز للمحكمة أن تتلقى قضايا ترفعها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، أو الدول الأطراف في البروتوكول، أو المنظمات الحكومية الدولية الأفريقية.
ويمكن للمنظمات غير الحكومية، التي تتمتع بصفة المراقب أمام اللجنة الأفريقية والأفراد أيضا رفع دعاوى أمام المحكمة مباشرة طالما أودعت الدولة، التي يشتكون ضدها الإعلان وفقا للمادة 34(6) الذي يعترف باختصاص المحكمة في قبول القضايا من الأفراد والمنظمات غير حكومية.
خلال دورتها الثامنة والخمسين العادية، اعتمدت المحكمة نظامها الداخلي الجديد ودخل حيز التنفيذ في 25 سبتمبر 2020.