عزز رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مسار إصلاح الجامعة الجزائرية وقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، الجاري تنفيذه في إطار تجسيد التزامه 41، بإجراءات جديدة تثمن مهنة الأستاذ الجامعي والباحث وتحسن مركزهما، إدراكا منه بأهمية هذه الفئة التي ينبغي، مثلما قال، “أن تحظى باهتمام خاص من الدولة، باعتبارها المادة الرمادية للجزائر وصمام أمانها في كل القطاعات”.
حملت مخرجات مجلس الوزراء، المنعقد يوم الأحد، عدة قرارات جوهرية لصالح الأستاذة والباحثين الجامعيين الجزائريين، بمختلف رتبهم وتصنيفاتهم، حيث أمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بناءً على التزامه مع الأساتذة الجامعيين، بمراجعة أجور أساتذة التعليم العالي والباحثين الجامعيين على اختلاف درجاتهم العلمية. كما أمر بالتحضير لمراجعة شاملة للقانون الأساسي لأساتذة التعليم العالي، بما يتناسب مع الديناميكية الجديدة التي يشهدها قطاع التعليم العالي والبحث العلمي.
ويأتي هذا القرار، في إطار تنفيذ التزام الدولة بضمان المكانة اللائقة للأساتذة والباحثين، وترتيبهم ضمن أعلى مراتب التدرج في الهرم الوظيفي، من خلال مراجعة القانون الأساسي للأستاذ الباحث والدائم.
وطالما طالبت التنظيمات المهنية بمراجعة هذا القانون، لتحرير الأستاذ الجامعي من قيود الوظيف العمومي، الذي عرقل، بحسبها، تحسين وضعية الأستاذ الجامعي المهنية، الاجتماعية، البيداغوجية والعلمية، وحدّ من طموحه في الارتقاء بمكانته ومقامه، وأكثر من ذلك تسبب في هجرة الأدمغة الجزائرية إلى الخارج، بعد سنوات عديدة من التكوين والتعليم صرفت فيها الدولة أموالا باهظة عليها لتستفيد دول أخرى من خدماتها وخبراتها.
إنصاف النخبة الوطنية..
ووافق رئيس الجمهورية على مقترحات وزير التعليم العالي والبحث العلمي، المتضمنة توظيف حاملي شهادات الماجستير والدكتوراه ضمن المناصب الجامعية، وهو القرار الذي ثمنته تنسيقية حاملي وطلبة الدكتوراه والماجستير، خاصة وأن هذا الملف يدرج في جدول أعمال مجلس الوزراء، لأول مرة، بعد سنوات من النضال النخبوي، مثلما وصفت في بيانها.
وقامت الحكومة، في إطار تثمين قدرات التأطير والبحث، العام الماضي، بتوظيف 885 أستاذ مساعد استشفائي، وفتح 2186 منصبا ماليا، بحيث انتقلت نسبة التأطير إلى أستاذ واحد لـ24 طالبا، بدلا من أستاذ واحد لـ25 طالبا، بمجموع 65 ألفا و471 أستاذ، كما اعتمدت شبكة جديدة لتقييم الأساتذة من أجل الالتحاق بمصف أستاذ محاضر ورقمنة عملية الترشح للترقية.
وتزايد عدد الأساتذة الحائزين على شهادة دكتوراه، إذ ارتفعت نسبتهم من 66٪ إلى 70٪، وقد تم وضع، لأول مرة، في الجزائر، نظام يسمح بتوظيف حاملي شهادات الدكتوراه في أعلى الرتب في الإدارة العمومية، وفتح 250 منصبا ماليا موجها للإدارة الجامعية والبحث.
التخلي عن التعليم العالي التقليدي..
بالموازاة مع ذلك، وجه رئيس الجمهورية تعليمات للقائمين على قطاع التعليم العالي، تقضي بمضاعفة الجهود من أجل استقطاب أكبر للطلبة في التخصصات والشعب العلمية، لأنها، مثلما جاء في بيان مجلس الوزراء، “خزان الأمة لمختلف مؤسسات الدولة”. كما طالب باعتماد نظرة استشرافية مبنية على رؤية الجزائر الجديدة، المتمثلة في التخلي عن النماذج التقليدية في التعليم العالي والاهتمام أكثر بتنويع التخصصات المواكبة للتوجهات العالمية.
وينص الالتزام رقم 41 لرئيس الجمهورية، على جعل الجامعة إطارا للتعليم والتنمية والإبداع من خلال تطوير أقطاب الامتياز في تخصصات معينة بالشراكة مع المؤسسات الاقتصادية، بما يتماشى والتطور العالمي للتقنيات والحرف وبما يلبي حاجيات الاقتصاد الوطني وتحسين أداء نظام التعليم العالي وتشجيع انفتاحه على البيئة الوطنية والدولية عبر اعتماد دفاتر أعباء دقيقة ومكيفة حسب الاحتياجات الوطنية، إضافة إلى تعزيز حصة التكوين التدريبي والمهني عن طريق مراجعة خارطة التكوين من حيث المجالات والتخصصات بما يتلاءم والاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية ويتكيف مع الاحتياجات في مجال التأطير والمنشآت القاعدية، زيادة معدل استغلال المنح الجامعية في الخارج لفائدة الطلبة الجزائريين أينما كانت متاحة وتكثيف التبادلات الجامعية وتنويع الشركاء والتوأمة مع جامعات أجنبية وتشجيع السياحة العلمية، لاسيما على مستوى الدكتوراه.
كما يرتكز مسعى إصلاح الجامعة الجزائرية، وفق التزام الرئيس تبون، على تطوير البحث العلمي والتكنولوجي واستغلال المنتج البحثي عن طريق تطوير مفهوم “البحث على الطلب” وإبرام العقود البحثية بين الجامعات ومراكز البحوث العامة مع المؤسسات الاقتصادية لتسويق المنتجات البحثية في شكل شركات صغيرة ومتوسطة جديدة.
في هذا الإطار، تم إنشاء مؤسسات ومخابر بحثية من قبل الباحثين وطلاب الدراسات العليا (الشركات الناشئة)، إنشاء المجلس الوطني للبحث العلمي والتكنولوجيات وجعله محركا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال علاقات وثيقة مع الحكومة والمؤسسات العامة والخاصة.
وتندرج إصلاحات قطاع التعليم العالي والبحث العلمي التي أقرها رئيس الجمهورية، ضمن مسعى هادف لدفع الجامعة الجزائرية نحو الريادة، والمساهمة عن طريق الرصيد العلمي والمعرفي في صياغة التصورات المجتمعية الكبرى للبلاد وإثراء وتوجيه السياسات العمومية المختلفة، لاسيما ما تعلق بثلاثية الأمن (الصحي، الغذائي والطاقوي) للبلاد، وتحقيق النموذج الاقتصادي الجديد القائم على تنويع النمو واقتصاد المعرفة.
وبادرت الحكومة بمسار تحسين نوعية التعليم العالي والبحث العلمي والحوكمة الجامعية، من خلال تعزيز التكوين في العلوم والتكنولوجيا، حيث تم فتح اختصاص مهندس في أربعة فروع في ميدان العلوم والتكنولوجيا للحائزين على شهادة البكالوريا شعبة تقني رياضي، وعصرنة وإعادة تنظيم نظام الدراسات والتكوين العاليين من خلال إرساء عدة أنماط تعليمية معترف بها على الصعيد العالمي، وتثمين مكاسب الخبرة، لأول مرة، في الجزائر، وكذا فتح اختصاص مهندس في فروع العلوم والتكنولوجيات والإعلام الآلي على مستوى 18 جامعة، وفتح مجال تكوين جديد بعنوان “علوم الصحة”، من أجل تطوير الصناعة الصيدلانية، ورفع عدد اختصاصات التكوين المشتركة مع القطاع الاجتماعي والاقتصادي إلى 454 عرضا، ما يمثل 30٪ من مجمل عروض التكوين، ومراجعة مسار التكوين في العلوم الطبية والصيدلة وطب الأسنان، وإعادة تنظيم التكوين في العلوم البيطرية.