تخوض الجزائر اليوم إصلاحا سياسيا واقتصاديا غير مسبوق، أساسه انفتاح على الصادرات خارج المحروقات، وتحرير لفرص الاستثمار والشراكة البينية المتكافئة، بفضل إرادة سياسية قوية وصادقة لتعزيز دور الجزائر الاقتصادي واعادة تموقعها في المنظومة العالمية، واستعادة دورها الريادي الطبيعي والتاريخي، خاصة في القارة السمراء.
جزائر اليوم آفاق واعدة مع شركاء اقتصاديين بالعالم، وبالأخص المنطقة الافريقية وفق منطق رابح رابح، وساعدها في ذلك تعزيز ترسانتها التشريعية، وضعت فيها قواعد متينة لتوفير مناخ استثمار محفز وجذاب.
هي إرادة تلمسها لدى المشاركين، في أجنحة المعرض المنظم على هامش الطبعة التاسعة لملتقى إفريقيا للاستثمار والتجارة AFRIC9، بشعار “بوابة إفريقيا للصناعة والزراعة والتجارة”، أمس واليوم بفندق شيراطون بالجزائر العاصمة.
أبو غزالة: المعرفة طريق إنتاج الثروة
في تدخل بتقنية الحاضر عن بُعد، يؤكد خبير التنمية والاقتصاد الدولي طلال أبو غزالة، اهمية التركيز على 3 محاور رئيسية لتحقيق الاكتفاء الذاتي الداخلي: الغذااء والدواء والتقنية، اي التكنولوجيا، دون الاستعانة بدول في الخارج.
ويقول خبير التنمية والاقتصاد إن المنتج الرئيس وطريق صنع الثروة هو “المعرفة” والابتكار. ويضرب مثالا في ذلك عن الشركات الكبرى التي تحكم العالم حجما واهمية ونفوذا، مؤكدا انها كلها شركات معرفية تقدم خدمات عالية التكنولوجية، دون مواد اولية.
وقال أبو غزالة إن إنتاج وتوزيع المعرفة يصنع الفارق ويذُر الثروة حاليا ومستقبلا، من خلال ابتكار منتجات رقمية، مشيرا الى ان حجم مداخيل ابتكار واحد قد يعادل اقصاد دولة كاملة.
واضاف الخبير: “المستقبل لكم ولنا، لأن صنع المعرفة لا يمكن ان تحتكره اي جهة ما دمت مصرّا ان تكون انسانا معرفيا ودولة معرفية”.
الجزائر تستعيد ريادتها افريقيا
كشف أيمن الزغبي، رئيس قطاع تمويل التجارة والاستثمار بالبنك الافرقي للتصدير والاستيراد، يتم حاليا مناقشة امكانية استضافة الجزائر للدورة الرابعة لمعرض التجارة البينية الافريقية في 2025.
وقال ممثل البنك الافريقي للتصدير والاستثمار ان هيئته تدعم تحرك الجزائر نحو عمقها الافريقي، حتى تستعيد دورها الريادي في قارة تركت فيها بصماتها عبر التاريخ، من خلال احتضان والهام أفكار عظيمة تدعو الى تكامل حقيقي بين الدول الافريقية، اهمها انشاء الاتحاد الافريقي، ومنظمة ZLECAF.
واشار المتحدث الى ان استراتيجية البنك مبنية على دعم التكامل والتعاون بين الدول الافريقية، مع التركيز على دول تملك قاعدة صناعية كبيرة، وشركات رائدة قادرة على تقديم خدمات ومنتجات ومساعدة باقي الدول الافريقية.
واكد الزغبي ان الجزائر من الدول التي يعتمد عليها البنك في تحقيق هذه الاستراتيجية، خاصة بعد انضمام الجزائر رسميا للبنك عام 2022.
وكشف ممثل البنك الافريقي أن هيئته بصدد أمضاء اتفاقية مع الجزائر، فيها برنامج لتطوير التجارة والاستثمار بين الجزائر وباقي الدول الافريقية بقيمة مليار دولار، وتتم دراسة الموضوع حاليا مع وزيري التجارة والمالية للتوقيع على الاتفاقية في شهر جويلية المقبل، لمساعدة المؤسسات الاقتصادية الجزائرية الخاصة والعمومية على ولوج الاسواق الافريقية بتصدير منتجاتها أو الاستثمار.
وأضاف المتحدث أن الأولوية هي تصدير قدرات المؤسسات الاقتصادية خارج حدودها في العمق الافريقي للجزائر، توافقا لما تبديه السلطات الجزائرية من رغبة سياسية قوية في عودة الجزائر الى دورها الرائد في القارة.
اتفاقية جديدة للاستثمار العربي البيني
ويؤكد ممثل جامعة الدول العربية بالملتقى علاء ابو الوفاء، ان الملتقى يعكس مجهودات الجزائر في دعم التجارة والاستثمار البيني، سواء على المستوى الافريقي أو العربي.
وكشف أن الجامعة العربية تعكف حاليا على إعداد اتفاقية استثمار عربية جديدة، بعد الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الاموال العربية في الدول العربية سارية منذ 1980 .
لكن المتغيرات المصاحبة لبيئة الاستثمار -يقول ممثل الجامعة العربية- وحجم الاستثمارات، لا تعكس طموح المواطن العربي، لذلك شرعت الامانة العامة للجامعة في إدخال تعديلات على الاتفاقية الموحدة.
وفي السياق، أوضح مساعي الدول العربية في 2013 لتعديل الاتفاقية، وانه بعد تحادث مع مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية وشراكة مع البنك الاسلامي للتنمية، تم التوصل الى مذكرة تفسيرية شارحة لنصوص الاتفاقية المعدلة، لكن من بين توصيات المؤتمر صياغة اتفاقية استثمار عربية جديدة تتماشى والتغيرات الدولية في المجال.
وقال المتحدث إن امانة الجامعة بصدد وضع اللمسات الاخيرة لاتفاقية استثمار جديدة، يتم اعتمادها في الدورة المقبلة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي لتشكل حجر اساس وقاطرة الاستثمار البيني العربي. وشرح أنه من بين اهداف الاتفاقية الجديدة زيادة حجم الاستثمار العربي البيني، ورفع الصادرات خارج المحروقات بين الدول العربية بشكل يرضي طموح المواطن العربي.
الجمارك الجزائرية.. دور اقتصادي متنامي
من جهته، تحدث ممثل الجمارك المكلف بالتشريع والتنظيم والأنظمة الجمركية المراقب العام عادل حابسة، عن تسهيلات تقدمها مصالحه المتعاملين الاقتصاديين من أجل تشجيع الاستثمار.
بعد الدور الجبائي والحمائي، “بدأ الدور الاقتصادي للجمارك يأخذ أبعادا كبيرة تماشيا مع الادوار الحديثة الموكلة للجمارك في العالم بارساء علاقة تعاون، وثقة مع المتعامل الاقتصادي”، يقول حابسة.
وتترجم هذه المهام الاقتصادية بآليات لتعزيز تنافسية المؤسسات، وتشجيع الاستثمار، وتشجيع الصادرات خارج المحروقات.
وتتمثل أهم التسهيلات الجمركية للمتعاملين الاقتصاديين -حسب ممثل الجمارك- في آلية المتعامل المعتمد، التي تقوم على ثقة في المتعامل الذي تتوفر فيه شروط النزاهة والاحترافية، ويستفيد من تسهيلات جمركية مثل الرواق الاخضر ورفع البضائع دون مراقبة آنية والسماح “لأول مرة” لمصالح الجمارك بالتنقل لمحل المتعامل الاقتصادي للرقابة، إضافة الى تسهيلات بخصوص دفع الحقوق والرسوم الجمركية…
وتسمح هذه الاجراءات بتخفيف التكلفة وتقليص الاجال للمتعامل وتعود بالفائدة على تنافسية المؤسسات، من خلال خفض أسعار السلع الموجهة للتصدير خاصة، وجعلها اكثر تنافسية، علاوة على ضمان استمرارية العمل 24 سا/24سا. وتحدث المراقب العام أيضا عن اجراءات مرافقة، منها تنصيب خلايا محلية لتوجيه المتعاملين.
ومن مساعي توسيع مهام الجمارك في تطوير الاقتصاد، تم مؤخرا اقرار مجموعة من الاليات الموجودة في الاتفاقيات الدولية، وهي انظمة جمركية اقتصادية تمكن من استيراد وتصدير البضائع مع تعليق كلي او جزئي لحقوق الرسوم الجمركية، يشرح المسؤول ذاته، وأضاف ان كل هذه الاليات والإجراءات تسمح للمتعاملين الاقتصاديين بولوج الأسواق الدولية بكل اريحية لتوفير مناخ استثمار جذاب ومحفز.