ترى خيرة دربال، مختصة في المتاحف، أن ترقية الثقافة المتحفية في الأوساط الاجتماعية مهمة تشاركية، ينبغي أن يتحمّل مسؤوليتها جميع الفاعلين، وهي تمثل رهانا كبيرا ينبغي السعي إلى كسبه، فالأمر تقول ملحق الحفظ بالوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة ملحقة تنس، متعلق بجعل من المتاحف الوطنية والحظائر الثقافية والمعالم التاريخية والأثرية موارد توظف في عملية النهوض بالاقتصاد الوطني من خلال تنمية وتطوير السياحة والتراث الثقافي.
الشعب: على غرار كل دول المعمورة، تحيي الجزائر اليوم العالمي للمتاحف المصادف لـ 18 ماي من كل سنة، ما هو في نظرك السّبيل لغرس الثقافة المتحفية في أوساط المجتمع، من خلال تجربتك بملحقة تنس للوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة؟
المختصّة خيرة دربال: يعتبر المتحف مؤسّسة ثقافية تربوية تضم تحفا قيمة لحقب تاريخية متنوعة، إذ تعتبر المرآة العاكسة لثقافة المجتمع. ومن أجل تقريب المتحف من المجتمع تمّ تنظيم حقائب متحفية على مستوى المؤسسات التربوية، من خلال نشاطات متنوعة تمثلت في ورشات تلوين لأهم المعالم الاثرية الموجودة على مستوى قطاع القصبة بتنس القديمة والتحف الأثرية التي يحتويها المتحف، إضافة إلى إقامة معارض تعريفية بالصناعات التقليدية اليدوية التي شغلها الآباء وتوارثها الأبناء، أهمها صناعة الدوم والحفر على الخشب، ومواصلة الورشة البيداغوجية على مستوى المراكز الخاصة بذوي الهمم العالية، وأيضا إقامة أبواب مفتوحة وأيام تحسيسية على مدار شهر التراث للتعرف على الموروث الثقافي الجزائري.
كيف يمكن جعل المتحف في قلب الاقتصاد والتنمية الثقافية محليا ووطنيا؟
تتوفر الجزائر على متاحف وطنية، وكذا مواقع تكتنز موروثا هائلا من التحف الفنية الاثرية ومختلف المعثورات التي يتم الحصول عليها بطرق مختلفة، سواء من حيث القيمة الفنية أو التاريخية أو الأثرية، إضافة إلى كنوز نادرة. وتعمل المؤسسات تحت الوصاية على جعل هذه المتاحف في قلب الاقتصاد والتنمية، من خلال تثمين واستغلال هذه المتاحف وجعلها موردا اقتصاديا يستقبل الزوار من مختلف بقاع العالم، حيث تم تصنيف هذه المتاحف والمواقع الاثرية كمسارات سياحية، وتسجيل المعالم الأثرية في قائمة الجرد الإضافي أو الوطني من قبل المؤسسات المختصة، ويندرج هذا في إطار استغلالها من خلال الشرح والتوجيه، وكذا تقديم خدمات أفضل من خلال الزيارات الواقعية والافتراضية.
تولي الحكومة أهمية كبرى للتراث الثقافي وكل مؤسساته، وعلى رأسها المتاحف، هل هذه المبادرات التي وظّفت كافية؟ أم نحتاج إلى إشراك فاعلين آخرين مثل الجامعة والمجتمع المدني، المؤسسات الثقافية والسياحية والاقتصادية؟
أكيد..الحكومة تولي أهمية بالغة للتراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي، من خلال الحرص على أن يكون الاهتمام بالتراث الثقافي على مدار السنة من أجل الترويج للسياحة، وكذا استقطاب الزوار والتعريف بما تزخر به البلاد من حضارة، وذلك من خلال إشراك الجامعة كقطب ثقافي بامتياز، يضم كفاءات متعددة بتخصّصات مختلفة تساهم في تطويره واستغلاله من خلال المؤسسات الناشئة، إضافة إلى الاستعانة بالتكنولوجيات المتطورة، وكذا إشراك المؤسسات تحت الوصاية، والمؤسسات الاقتصادية والتربوية من أجل إعطاء وجه مميّز للتراث وللمؤسسات السياحية التي لها دور هام في الترويج السياحي لثقافة المتحف والمسارات السياحية، كما تساهم المؤسسات الاقتصادية والجمعيات الثقافية بقوة في الترويج السياحي.
كيف تجاوب الجمهور بمدينة تنس مع البرامج المقدّمة له خلال شهر التّراث؟
تمّ تنظيم عدة نشاطات تثقيفية تعريفية بمختلف المعالم الأثرية على مستوى القطاع المحفوظ بقصبة تنس، ومسابقة الدليل الأثري “إرث الصغير لقصبة تنس”، وورشات على مستوى المؤسسات التربوية، ولقد لقيت مختلف النشاطات إقبالا من مختلف شرائح المجتمع، حيث أصبح هناك اهتمام من قبل مختلف الفئات بالتراث الذي يشكل الهوية الوطنية، خاصة بعد التكالب الذي أصبح يطاله، وطالبوا بأن تكون مثل هذه النشاطات على مدار السنة من خلال إحياء المناسبات التي لها ارتباط وثيق بالتراث. وقد تمّ تنظيم خرجات ميدانية لمختلف الطلبة والزوار للقطاع المحفوظ بتنس القديمة، ومتحف تنس، ومختلف المعالم الأثرية التي تزخر بها المدينة.
تساهم الملتقيات والأعمال العلمية في إثراء التراث، والمحافظة عليه من مختلف الاعتداءات، ما هي القيمة المضافة التي تأتي بها؟
كان شهر التراث لهذه السنة مناسبة للمشاركة بمختلف الملتقيات الوطنية التي لها أهمية كبيرة في الحفاظ على تراثنا الجزائري الذي يمتد إلى الحدود الافريقية المجاورة، وساهم كثيرا في إعطاء نفس جديد تشاركي، حيث كان للملتقى الوطني بمدينة غليزان الموسوم بـ “واقع المخطوط بالغرب الجزائري – الواقع والمأمول”، وأنتم على دراية أن الجزائر تكتنز كمّا معتبرا من المخطوطات، يتوزّع على مستوى المؤسسات التابعة للدولة، وكذا الخزائن، وقد كانت لنا مداخلة حول دور المؤسسات تحت الوصاية، والمؤسسات غير الحكومية، في المحافظة على المخطوط. كان هناك أيضا الملتقى الوطني المقام بجامعة آفلو، وتمحور حول تثمين التراث الثقافي وآليات حفظه واستراتيجيات الدفاع عنه من النهب والانتساب غير الشرعي، وكانت الزاوية التيجانية نموذجا حيا عن امتداد التراث الثقافي الإفريقي.
كلمة أخيرة؟
يبقى التراث باختلافه وتنوعه رمزا من رموز السيادة الوطنية، يتوجب علينا الحفاظ عليه وغرسه روحا في أطفالنا الأطفال حتى ينشأوا على حبه، ويتجذر في نفوسهم، فقد حان الوقت للاستثمار في الأطفال وتنمية مواهبهم في مختلف التوجهات التي يرونها مناسبة لهم. وأقول من تجربتي الواقعية إنّ الأطفال يكنّون حبا كبيرا للتراث، ويتمتّعون بشغف رائع به، من خلال الحرص على الاطّلاع والمعرفة عن قرب، ويمكن رؤية ذلك في طريقة تلوينهم المحكمة لمختلف التحف والمعالم الأثرية..لنستثمر في تراثنا – متاحفنا – وحتى أطفالنا لأنهم ذخر الوطن.