لبت مجموعة كبيرة من الطلبة بالبليدة دعوة الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين لشن إضراب عن الدراسة في 19 ماي 1956 ليلتحقوا بعدها بصفوف جيش التحرير الوطني إلى غاية نيل الاستقلال ويساهموا بعدها في مسيرة البناء، حسب شهادات مجاهدين ممن شاركوا في الإضراب.
وجاءت شهادات المجاهدين عبد الرزاق خشنة وامعمر مدان وبلقاسم متيجي، الذين كانوا طلبة يزاولون دراستهم آنذاك، لدى تنشيطهم لمحاضرة عشية تخليد الذكرى ال67 لاضراب الطلبة الجزائريين بادرت بتنظيمها مديرية الأمن الولائي للبليدة بالتنسيق مع مديرية المجاهدين وذوي الحقوق ومتحف المجاهد بحضور إطارات وعناصر الأمن والحماية المدنية والجمارك وبراعم الكشافة الإسلامية الجزائرية.
وقال هؤلاء في شهاداتهم أنه بعد تركهم لمقاعد الدراسة وحملهم السلاح وإلتحاقهم بركب الكفاح رفقة إخوانهم المجاهدين مضحين بمستقبلهم العلمي والمهني في سبيل تحرير بلادهم، واصل الطلبة الجزائريون مسيرة البناء والتشييد بعد تحقيق حلم الاستقلال حيث شكلوا النواة والقاعدة الأساسية التي اعتمدت عليها الجزائر المستقلة بفضل مستواهم العلمي الذي مكنهم من تقلد مسؤوليات عليا.
وقال عبد الرزاق خشنة البالغ من العمر 85 سنة والذي روى تفاصيل مشاركته في هذا الاضراب وظروف إلتحاقه بصفوف جيش التحرير الوطني، أن عنصرية الأساتذة والطلبة الفرنسيين كانت الدافع الأول للمشاركة في هذا الاضراب، مضحيا بحلمه وحلم والده في دراسة تخصص الطب.
ولدى تطرقه لتفاصيل هذا اليوم التاريخي وإشارته الى أن الأستاذ الفرنسي كان يمقته لمجرد أنه جزائري، ذكر السيد خشنة أنه مع وصول خبر شن هذا الاضراب الذي دعا إليه الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، قرر المشاركة فيه رفقة عدد من زملائه من ثانوية “ابن رشد” ليقرر بعدها الإلتحاق بصفوف الثورة.
وبعد الاستقلال، تقلد المجاهد خشنة عدة مناصب في قطاع الصحة أولها مدير مستشفى، فيما تمكن عدد من أبنائه من تحقيق أمنيته في دراسة تخصص الطب التي تخلى عنها للمشاركة في تحرير وطنه.
مساعي فرنسية لمنع تمدرس أبناء الشعب
وبدوره، أكد المجاهد امعمر مدان من مواليد سنة 1939 أنه كان له الحظ رفقة عدد جد قليل من الطلبة الجزائريين، لبلوغ مرحلة التعليم الثانوي، مشيرا إلى أن الأساتذة الفرنسيين كانوا يفرقون في المعاملة بينهم وبين أقرانهم الفرنسيين خاصة أنهم رغم ظروفهم الاجتماعية الصعبة كانوا متفوقين عليهم في الدراسة مما كان يثير غضب السلطات الفرنسية التي كانت تعمل على توجيه الجزائريين نحو مراكز التكوين.
وبعد فترة من مشاركته في هذا الاضراب رفقة زملائه، تقدمت منهم مجموعة من الطلبة الجامعيين الجزائريين ودعتهم للاتحاق بمعاقل الثورة بالجبال ليبوا النداء بعد استشارة أستاذهم الجزائري، حسب المجاهد مدان الذي كان ضمن فوج الفدائيين وكلف بتنفيذ عدة مهام، مشيرا إلى أن جل الطلبة الذين دعموا صفوف الثورة أضحو قياديين وساهموا في هيكلة العمل الثوري بالرغم من صغر سنهم بفضل حنكتهم ومستواهم التعليمي.
وبعد نيل الاستقلال، حرص هوالأخر على مواصلة مسيرة تشييد الجزائر حيث اختار الالتحاق بسلك التعليم، مرجعا أسباب ذلك إلى نقص الأساتذة الجزائريين خلال تلك الفترة بسبب السياسة الاستعمارية التي كانت تسعى الى نشر الامية وسط الشعب.
ولم تختلف ظروف إلتحاق المجاهد بلقاسم متيجي عن نظرائه حيث انضم الى الثورة بعد مرور سنتين من شن هذا الاضراب بسبب صغر سنه خلال تلك الفترة حيث كان يبلغ من العمر 14 سنة فقط، لافتا إلى أنه كلف بعد التحاقه باخوانه المجاهدين بالجبال بمهمة التمريض عقب تكوينه من طرف طبيب.
وبعد مرور سنة، اعتقل من طرف السلطات الاستعمارية التي أمرت بوضعه بمعتقل بقصر البخاري (المدية) حيث مكث فيه إلى غاية الاستقلال ليختار بدوره العمل في مجال التدريس ويساهم في تربية وتعليم جيل ما بعد الاستقلال.
وعقب استماع الحضور لهذه الشهادات الحية، أشاد نائب رئيس الأمن الولائي، عميد أول للشرطة يوسف شعبني، بالتضحيات الجسام التي قدمها الطلبة الذين تخلى كل واحد فيهم عن تحقيق حلمه في استكمال دراسته العليا وفضل مؤازرة إخوانه المجاهدين ليواصل من بقي على قيد الحياة مسيرة بناء وتشييد الجزائر، مؤكدا أهمية تنظيم مثل هذه المحاضرات لتعريف الجيل الصاعد بتضحيات وبطولات أسلافهم.