تحت شعار “لمّ الشمل العربي” كرست الجزائر كل جهودها خلال ترؤسها للقمة العربية واحتضانها لها شهر نوفمبر 2022، ولأول مرة تجاوز الحدث بعده العربي، بعدما أعطته الجزائر بعدا دوليا وإقليميا.
شهدت القمة حضور شخصيات دولية رفعية المستوى، على رأسها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي أكد خلالها أن مشاركته في القمة العربية 31 فرصة للتعبير عن تضامنه وامتنانه للجزائر وشعبها، معتبرا الجامعة العربية شريكا جد مهم للهيئة الأممية لتحقيق الأمن والسلام والتنمية في العالم، بالإضافة إلى رئيس جمهورية أذربيجان ورئيس حركة عدم الانحياز الهام علييف، بينما شارك البرلمان العربي عادل عبد الرحمن العسومي لأول مرة بعد انتخابه في أكتوبر 2020، إضافة إلى الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه الذي حضر هو الآخر لأول مرة القمة منذ انتخابه أمينا عاما.
بترؤسها للقمة العربية، جعلت الجزائر من القضية الفلسطينية الموضوع المحوري والأساسي في الدورة 31، والتي لطالما كانت مركزية بالنسبة للجزائر، غير أن جهودها في دعم القضية عرفت نشاطا مكثفا خلال السنتين الأخيرتين، وذلك بإطلاق مبادرة اجتماع الفصائل الفلسطينية الذي خلص بـ “إعلان الجزائر” الذي وضع بنودا وأسسا تهدف لتوحيد الصف الفلسطيني، وهو ما اعتمد في اجتماع الدورة العادية لجامعة الدول العربية.
ولقد استطاعت الجزائر التي استعادت دورها المحوري والتاريخي في دعم وإسناد القضية الفلسطينية والانتصار للحقوق الفلسطينية، من إعادة القضية إلى إطارها العربي الطبيعي من خلال التذكير الدائم بمخرجات القمة العربية بالجزائر واستعمال مصطلح “الصراع العربي – الإسرائيلي “ الذي تم تغييبه عن الخطاب العربي الرسمي.
وبنفس الروح المساندة للقضية، عاد رئيس الجمهورية، خلال أشغال المؤتمر رفيع المستوى لدعم مدينة القدس، الذي انعقد في 12 فيفري 2023، بصفته رئيس مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، ليؤكد تمسك الجزائر الدائم بالدفاع عن القدس الشريف بكل ما يحمله ذلك من معاني الانسجام والتلاحم مع تاريخ الجزائر الوطني ومبادئ ثورتها التحريرية، وعلى مواصلة الجزائر بالتنسيق مع الجميع، لمساعيها الرامية للمّ الشمل وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار مسار المصالحة الذي كلل بالتوقيع على “إعلان الجزائر”، مشددا آنذاك على ضرورة الإسراع في إعادة توحيد الصف الفلسطيني للتعبير بصوت واحد عن التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني وعن حقه الأكيد والراسخ في نيل حريته واستعادة سيادته.
عودة سوريا إلى الحضن العربي ومقعدها الطبيعي
وعملا بشعار “لمّ الشمل” الذي تبنته واعتمدته القمة 31، بذلت الجزائر جهودا دبلوماسية حثيثة قبل وبعد توليها رئاسة القمة، من أجل عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، لتكلل في الأخير مساعيها بالنجاح والقبول من طرف جميع الأطراف العربية، الأمر الذي جعل وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية، سامر الخليل خلال اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري لاجتماع القمة العربية بجدة، يباشر كلمته بشكر الجزائر على الجهود الكبيرة التي بذلتها خلال فترة رئاستها لأعمال الدورة السابقة والتي أنتجت مجموعة كبيرة من القرارات التي تؤكد أهمية العمل العربي المشترك.
تكتل اقتصادي عربي منيع يحفظ المصالح المشتركة
لقد أفردت قمة الجزائر حيزا هاما لآفاق التعاون الاقتصادي والتكامل العربي، حيث أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في كلمته خلال افتتاح أشغال الدورة 31 للقمة العربية، مخاطبا قادة الدول ورؤساء الوفود أنه “يتعين علينا جميعا بناء تكتل اقتصادي عربي منيع يحفظ مصالحنا المشتركة مع تحديد الأولويات والتركيز على مجالات العمل المشترك، ذات الأثر الإيجابي السريع والملموس على الشعوب العربية”، منوّها بأن قمة الجزائر تنعقد في ظل “ظروف إقليمية ودولية استثنائية بالغة التعقيد والحساسية، تتميز على وجه الخصوص بتصاعد التوترات والأزمات، لاسيما في عالمنا العربي الذي لم يعرف في تاريخه المعاصر مرحلة في منتهى الصعوبة وباعثة على الانشغال والقلق، كما هو الحال في المرحلة الراهنة”.
ولقد خلصت قمة نوفمبر، بإعلان الجزائر الذي أحاط بمحاور اقتصادية عديدة، ترجم في التأكيد على أهمية تضافر الجهود من أجل تعزيز القدرات العربية الجماعية في مجال الاستجابة للتحديات المطروحة والعمل على تعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل وبكل أبعاده السياسية والاقتصادية والغذائية والطاقوية والمائية والبيئية، والمساهمة في حل وإنهاء الأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية، بما يحفظ وحدة الدول الأعضاء وسلامة أراضيها وسيادتها على مواردها الطبيعية ويلبي تطلعات شعوبها في العيش الآمن الكريم.
كما ركزت المخرجات الاقتصادية للقمة العربية 31 على ضرورة الالتزام بمضاعفة الجهود لتجسيد مشروع التكامل الاقتصادي العربي وفق رؤية شاملة تكفل الاستغلال الأمثل لمقومات الاقتصادات العربية وللفرص الثمينة التي تتيحها، بهدف التفعيل الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تمهيدا لإقامة الاتحاد الجمركي العربي.