ناقش اللقاء الأخير لرئيس الجمهورية عبد المجيد تَبون مع ممثلي وسائل الاعلام الوطنية، مسائل تخص إعادة ترتيب البيت الإعلامي والتأسيس لصحافة قوية ومؤثرة ضمن أطر مهنية ومسؤولة تواكب البناء الديموقراطي في البلاد..
في هذا اللقاء الذي جرى بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، دار نقاش حول ما يجب أن يكون عليه القطاع في هذه المرحلة، ومستقبلا، وكيفية تحقيق انطلاقة جديدة يُعول عليها لمسايرة رهانات وتحديات البلاد وتطلعات الجزائريين، في إطار قانون عضوي جديد للإعلام صُودق عليه قبل أيام قليلة.
وتبدي السلطات العليا في البلاد حرصا كبيرا على الانتقال بقطاع الإعلام إلى مرحلة جديدة من المهنية والمسؤولية، وأكد الرئيس تبون، في هذا اللقاء، أنه سيحرص على تجسيد مشروع المدينة الإعلامية في أقرب وقت، بوضع الحجر الأساس في 5 جويلية المقبل، بمناسبة ذكرى استرجاع السيادة الوطنية.
وجدد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، دعوة الصحافيين للانتظام في هيئة تُمثلهم وتدافع عن مصالحهم، وتُصوب وضع مهنتهم وتنُقل انشغالاتهم، إلى جانب إنشاء هيئة عليا لأخلاقيات المهنة تُطرح فيها مسائل وقضايا تخصهم وتُسوّى فيما بينهم بعيدا عن العدالة.
من الجوانب الهامة التي يُلح عليها الرئيس تبون، ما يخص تأسيس إعلام مسؤول ومهني يكون بمثابة عمود فقري لانطلاقة جديدة للإعلام الوطني، الذي يُعد – وفق تصريحات الرئيس تبون- ضروريا ” لكل بناء ديمقراطي، ولدينا أمل في بناء ديمقراطية مسؤولة، لأنه بدون إعلام مسؤول ومهني لن نذهب بعيدا”.
ومن المسائل التي أثارها رئيس الجمهورية، في رده على أسئلة مسؤلي مؤسسات اعلامية، ما يتعلق بالصحافة المختصة وعدم الاقتصار فقط على تناول أحداث محلية، بالنظر إلى تحولات جارية فرضتها متغيرات وتطورات سريعة تقتضي مواكبة إعلامية من قبل الصحافة الوطنية.
وفي عالم برزت فيه أنواع من الحروب الجديدة، منها الحروب السيبرانية، أشار الرئيس تبون إلى إشكالية التصدي للتهديدات والهجمات الخارجية التي تتعرض لها البلاد، ما يفرض وجود مؤسسات إعلامية تؤدي “دورها في ردع أعداء الوطن والتصدي للهجمات الخارجية التي تتعرض لها البلاد، وهذا انطلاقا من أنها مدرسة تكون أجيالا وتساهم في تنوير الرأي العام.”
النقاش الإعلامي، الذي دار بين الرئيس تبون وممثلي وسائل الإعلام، كان فرصة للخوض في جوانب كثيرة تخص القطاع.
ومن المسائل التي أشار إليها الرئيس، أيضا، في رده على الأسئلة المطروحة، إعادة الانتشار وتحسين الأداء، وفي هذا الجانب أبرز رئيس الجمهورية أهمية تواجد الإعلام الجزائري في إفريقيا من خلال مكاتب لوسائل الإعلام العمومي.
وبشأن محاولات تركيز الأنظار على أن الجزائر ليس بلد للحريات، من قبل بعض المنظمات الدولية (مراسلون بلا حدود)، قال رئيس الجمهورية إن هناك خفايا وخلفيات معلومة “التصنيف الذي نأخذه في الحسبان هو تصنيف منظمة الأمم المتحدة لحيادية مؤسساتها”.
حني: الكرة في مرمى الصحافيين
في قراءته لتصريحات رئيس الجمهورية في الجانب المتعلق بترقية الممارسة الإعلامية في الجزائر، يقول الباحث في علوم الإعلام والاتصال، والاعلامي حسين حني: “هناك إرادة سياسية لترقية الإعلام الجزائري، وهو ما تجسّد في إصلاحات يعرفها قطاع الإعلام الذي تدعّم بنص قانوني جديد يعزّز حرية الصحافة ويوازن بين الممارسة المهنية والمسؤولية في إطار إحترام أخلاقيات المهنة.
المشهد الإعلامي، حسب حني، بحاحة إلى إعادة النظر فيه، خاصة مع التحديات التي تواجهها الجزائر داخلياً وخارجياً، من منطلق أن “القانون العضوي الجديد للإعلام أتى لتطهير الساحة الإعلامية وتأهيل الإعلاميين ليكونوا في مستوى هذه التحديات. كما أن مشروع إنشاء مدينة إعلامية في الجزائر يوفّر اطاراً هاماً للمشهد السمعي البصري في لترقيته وتطويره”.
وفي الشق المتعلق بتجديد رئيس الجمهورية الدعوة إلى الصحافيين للانتظام في نقابة قوية تمثلهم، يرى المتحدث أنه “لا مناص لنا جميعاً، مهنيين وحكومة، من العمل معاً من أجل منظومة إعلامية قوية محترفة تلبي رغبات المجتمع في إعلام حر ومسؤول وقادر على مجابهة الحروب السيبيرانية التي تواجهها الجزائر إقليمياً ودولياً.”
ويتابع: “الكرة الآن في مرمى الصحفيين لعقد جلسات وتنظيم أنفسهم والانتظام في نقابة قوية بما يسمح بطرح انشغالاتهم أمام الحكومة من جهة، وتجنب تعرضهم لمتابعات قضائية من جهة أخرى، وهذا ما سيساعد في تحقيق انطلاقة جديدة لقطاع الإعلام تؤسس لصحافة قوية ومؤثرة، ووجود مؤسسات إعلامية وطنية كبيرة تؤدي دورها، خاصة مع الاصلاحات التشريعية الجديدة التي مست القطاع.”
صناعة الرأي
في خضم التحديات، التي تواجه الجزائر داخلياً وخارجياً، أصبح لزاما على وسائل الإعلام الوطنية – يضيف المتحدث- مرافقة مساعي السلطات العليا الهادفة إلى توحيد وصناعة مضمون إعلامي يرتقي بالخدمة العمومية لمواجهة التحديات الجيوسياسية والحروب الاعلامية الناعمة والرهانات المتعلقة بميدان الاتصال في الجزائر.
ويضيف قائلا: “ينبغي للصحافة الوطنية التحكم في التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال وتكييف الرسائل الإعلامية مع متطلبات المجتمع الجزائري وخصوصياته، لأن مهمة وسائل الإعلام ليست فقط نقل معلومات وأخبار، بقدر ما هي صناعة الرأي العام، فوسائط الإعلام في العالم حاليا هي من يوجّه الرأي العام ويصنع السياسات.”
من جانبه، يعتقد الصحفي بلال تلامعلي، أن تكتل الصحافيين في تنظيم نقابي بات أكثر من ضرورة، يعد خطوة هامة في اعادة ترتيب البيت الاعلامي، تماشيا مع الإصلاحات التشريعية التي عرفها القطاع قبل أسابيع ( القانون العضوي للاعلام).
ويوضح تلامعلي أن تأسيس نقابة جامعة يُسهم بشكل كبير في تسوية مشاكل وتراكمات سوسيو – مهنية، مشيرا إلى أهمية إصدار القانون الأساسي الخاص بالمهنة، وتسوية مسائل أخرى مطروحة في القطاع الخاص مثل اتفاقيات جماعية تصون وتحفظ كرامة الصحفي وتحمي حقوقه.
الانتقال الرقمي..
أهمية تكتل الصحافيين في نقابة قوية، لا يقتصر – حسب المتحدث – على تسوية انشغالات ومطالب مهنية واجتماعية فقط، وإنما سيكون له دور هام في تنظيم المهنة “على غرار ما يحدث في دول العالم، النقابة هي من يحرص على الالتزام بقواعد المهنة وأخلاقياتها، تفصّل في قضايا ومخالفات مهنية بعيدا عن القضاء.”
في المقابل، يطرح تلامعلي تجاوز مشاكل مهنية مطروحة وتحسين أوضاع الصحافيين، من خلال هذا التكتل، الذي يسمح بتركيز الجهود على تحديات ورهانات أكبر، وعلى رأسها الانتقال الرقمي في المجال، ويقول:” الإعلام يشهد تحولات سريعة بفعل تطور الاستخدمات الرقمية، ما أفرز ظواهر وتحديات جديدة تتطلب مسايرة وتكييف الأدوات والمحتوى.”
اعادة ترتيب البيت الإعلامي وفق أطر وقواعد متينة ترتقي بالممارسة الاعلامية وتؤسس لاعلام مؤثر يواكب الرهانات والحركية في البلاد ويسمع صوت وانشغالات المواطن، يقتضي فتح نقاش عام وهادىء بين الأسرة الإعلامية، مثلما يقول تلامعلي.