الجزائر لا تدخر جهدا لمساعدة جمهورية مالي على تحقيق السلم والأمن في المنطقة، وحلحلة الوضع، نظرا للوضع الأمني الصعب في هذا البلد، المهم في استراتيجية الجزائر المتعلقة بتنمية منطقة الساحل، وتجفيف منابع العنف والإرهاب فيها.
يقول الخبير الأمني، أحمد ميزاب، إن الوضع في مالي حاليا لم يخرج من دائرة الهشاشة، مع وجود تهديدات أمنية، ووسط عمليات إرهابية وإجرامية تُنفذ في هذا البلد.
ويرى ميزاب، في اتصال هاتفي مع “الشعب أونلاين”، أن السلطات المالية تبذل جهودا كبيرة لاحتواء الوضع، ووضع حد لعمليات إرهابية تؤثر سلبا على الوضع في البلد، وفي منطقة الساحل بصفة عامة.
ويتابع في السياق: “المسألة بسيطة بسبب وضع المؤسسة الأمنية في مالي، من ناحية، ومن الناحية الثانية العنصر الخارجي يلعب دورا في بعثرة الأوراق المتعلقة بالأمن والاستقرار”.
وأشار الخبير الأمني إلى أن “التحدي كبير، لكن على الأقل يمكن أن نقول إن المؤشرات لازالت سلبية ومقلقة، والمسألة مسألة وقت للاطلاع على مقاربة متكاملة في إطار مواجهة هذه التحديات”.
قوات أجنبية تنسحب..
وجود قوات أجنبية في مالي، عقبة في طريق سيطرة مالي على الوضع الأمني، وخروج قوات أجنبية من البلد يساعد على رسم خارطة أمنية واضحة، وبالتالي، السعي بأدوات جدية للسيطرة على الوضع.
مؤخرا، شرعت القوات الألمانية بالانسحاب من هذا البلد في ظل استهداف برلين إنهاء بعثتها بحلول ماي 2024. وأكدت الحكومة الألمانية برئاسة أولاف شولتز، أن جنودها سيغادرون مالي تدريجيا في الأشهر الـ 12 المقبلة.
وكانت برلين أعلنت الانسحاب من مالي نهاية 2022 قبل أن تصادق الحكومة عليه، يوم 3 ماي الجاري، بسبب التوتر مع المجلس العسكري الحاكم.
ويأتي قرار القوات الألمانية الانسحاب من مالي، بعدما أعلنت فرنسا انسحاب آخر جنودها من مالي، في أوت 2022، وأنهت بذلك وجود عناصر من جيشها في هذا البلد دام تسعة أعوام.
ويشرح ميزاب هذه الخطوة، بالقول إنها جاءت بموجب طلب سابق رفعته السلطات المالية دعت فيه الدول الأجنبية التي لها قوات على أراضيها بضرورة سحبها.
ويلفت المتحدث إلى أن المعادلة التي يمكن تبنيها تتعلق بأدوات ووسائل أخرى للسيطرة على الوضع الأمني، وأن القوات الأجنبية العاملة خارج إطار البعثة الأممية مطالبة بأن تسحب قواتها وتفتح المجال للقوات الوطنية المالية لمباشرة أدوارها في هذا المجال.
ويشدد الخبير على أن السلطات المالية ساعية لتحييد التدخل الأجنبي على أراضيها، قصد بناء استراتيجيه وطنية، والتفاعل مع المنظمات الدولية، وفق إطار مفهوم ومنظور.
دور الجزائر أساسي ومحوري
ويبرز ٱحمد ميزاب، أن دور الجزائر في حلحلة الوضع في مالي أساسي ومحوري، ويستند المتحدث في رؤيته، على تصريحات مجلس الأمن وتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة وعلى تغريدة الخارجيه الأمريكية، وكل هذه الأطراف أكدت على أهمية دور الجزائر من خلال اتفاق الجزائر الخاص بالمصالحة في مالي والمقاربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب.
ويُنتظر من الجزائر أن تؤدي أدوارا هامة في سياق مرافقة مالي وتعزيز قدراتها في إطار اللجان المشتركة وسلسلة اللقاءات والمباحثات والتنسيق الدائم مع الماليين، في إطار تعزيز القدرات وبلورة مقاربةلمكافحة هذه الظاهرة، يضيف المتحدث.
ويعتبر الخبير الأمني أن الجزائر تعي جيدا المسؤولية الملقاة عليها، أخلاقيا في إطار دعم مالي ومرافقها، وفي إطار تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
الوضع في مالي لن يعرقل مساعي الجزائر التنموية
وفي المجال الاقتصادي، يُلفت أستاذ علوم الاقتصاد، عمر هارون، في اتصال مع “الشعب أونلاين”، إلى أن الوضع الأمني في مالي لن يعرقل مساعي الجزائر التنموية والاقتصادية في إفريقيا.
ويؤكد المتحدث أن الجانب الديني لعب ويلعب دورا كبيرا في التأثير الثقافي الجزائري في العمق الإفريقي، خاصة ما تعلق بمريدي الزوايا الجزائرية والذين بلغوا مئات الملايين في القارة السمراء.
وشدد المتحدث على أن للجزائر مكانة خاصة لدى الدول الافريقية ولا يمكن لأي أوضاع عرقلة الشراكة الجزائرية-الإفريقية.
وما يعزز هذه النظرة، يتمثل في أن الجزائر كانت دائما مؤمنة أن بعدها الافريقي هو الحضن الرئيسي لتطوير الجزائر وتطوير افريقيا وفق مبدأ رابح-رابح، مثلما يقولأستاذ علوم الاقتصاد.
وتابع في السياق: “الجزائر لا تملك مشروعا اقتصاديا فقط، بل مشروعا متكاملا يساعد على تحقيق التنمية المستدامة في القارة السمراء. خصصت مليار دولار لتنمية افريقيا وتحقيق التضامن الافريقي ومسحت ديون 14 دولة افريقية بقيمة فاقت 902 مليون دولار”.
“إيجاد تنمية مستدامة في إفريقيا”
ويرى الأستاذ عمر هارون أن “البنى التحتية التي تزخر بها الجزائر تساهم في ربط إفريقيا بالقارة الأوروبية وتقرب المسافات وتخلق فرصا اقتصادي وتجارية كبيرة للدولة الإفريقية”.
ويشير هارون إلى أن الاستغلال الأمثل لهذه الإمكانيات سيجعل افريقيا قادرة على تصدير منتجاتها إلى الدول الأوروبية بسهولة وستتمكن السلع العالمية من الوصول لإفريقيا بسلاسة”.
استغلال الطريق السيار، الذي يمتد الآن من الحدود الجزائرية إلى موريتانيا على مسافة 775 كلم، والسكة الحديدية قيد الانجاز وغيرها من المشاريع، سيجعل الجزائر محور فرص اقتصادية وعروض تجارية وشراكات مستقبلا، يضيف المتحدث.
إشادة دولية بدور الجزائر..
في أوت 2022، أشاد مجلس الأمن الدولي في قرار صودق عليه بالإجماع بـ “دور الجزائر في مساعدة الأطراف المالية على تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر”.
وأكد مجلس الأمن في هذا الإطار على “ضرورة زيادة التزام أعضاء فريق الوساطة الدولية بتنفيذ الاتفاق” مشددا على “أهمية الدور الذي ينبغي أن يواصله الممثل الخاص للأمين العام في مالي لدعم تنفيذ الاتفاق”.
وفي هذا السياق ذكر مجلس الأمن الأممي بالطابع “المحوري” لأحكام اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر.
وفي أفريل الماضي، نوّه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تقرير أرسله إلى مجلس الأمن بالالتزام الشخصي لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بترقية السلم والاستقرار في جمهورية مالي.
وفي هذا الإطار، أشاد أنطونيو غوتيريش بالانخراط المباشر للرئيس تبون في الجهود الرامية إلى تفعيل مسار تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر.
وفي ظل هذه التطورات، أشاد الأمين العام للأمم المتحدة بقيادة الجزائر التي تضطلع بدور مزدوج باعتبارها قائدة للوساطة الدولية ورئيسة لجنة متابعة الاتفاق، مبرزا مبادراتها لتجاوز المأزق الحالي الذي تعرفه عملية تنفيذ الاتفاق الذي يظل، حسبه، أفضل أداة لتعزيز السلم والمصالحة المستدامين في مالي.