نسمع بين حين وآخر، أخبارا عن مبادرات للتكوين في مجال التمثيل الفنّي، ونسمع ترحيبا يرافقها، واهتماما يحيط بها، وهذا أمر طبيعي، فكلّ ما يتعلّق بـ»التكوين» – مهما يكن حقله – ينبغي الاحتفاء به وتشجيعه؛ فهو وحده ضمانة الكفاءة العليا، والأداء الاحترافي..
فإذا ركّز التكوين على «التمثيل»، تكون أهميّته العليا، بحكم ما نقبل عليه من التأسيس لصناعة السينما، وهذه صناعة لها وظيفة سامية على جميع المستويات؛ لأن ثمراتها لا تتوقف عند حدود (النفع المادي)، بل تتجاوز إلى التأصيل الثقافي، والبناء الاجتماعي، وفيها مآرب أخرى، فوائدها جليلة..
ومع ما نعترف به لجهود الصالحين المنيرة، ينبغي أن ننبّه إلى أن تكوين الفنانين الممثلين لا يمكن أن يتمّ في يوم وليلة، ولا حتى في شهر كامل بأيامه ولياليه، فـ»التمثيل» ليس بضاعة نلتمسها في ورشات صغيرة، وإنما هو علم قائم بذاته، يقتضي تحصيله والإلمام به كثيرا من السّهر، وقد يكون الواحد من الناس موهوبا، فلا تنفعه موهبته في شيء إن لم يصقلها بالمعرفة، وعلى هذا، ينبغي الوعي بأن الورشة والورشتين لا تمتلكان الأدوات التي تخرج الفنانين الكبار، والرهان لا ينبغي أن يكون إلا على الجامعات المرموقة، والدراسات المعمّقة..
ولا تختلف الحال بالنسبة للكتّاب، فهؤلاء فنانون أيضا، ولا يمكن مطلقا أن ننتظر أداء ممتازا من ممثل، دون سيناريو محكم.. التقنيون بدورهم ينبغي أن يكونوا من ذوي المستويات العليا، إذ ليس ينفع الممثل المرموق، والكاتب الكبير شيئا، إذا اكتفى التقني بتكوين اليوم واليومين..
ونعتقد أن بكالوريا الفنون، وأقسام الفنون التي تشتغل على مستوى كليات الأدب واللغة، يمكن أن تقدم الإضافة التي تحتاجها «الصناعة»، أما ما دون المعرفة الأكاديمية، فهو جهد مشكور، قد ينفع في إذكاء الشغف بالفن..