في خطوة جديدة داعمة وناصرة للقضية الفلسطينية، بادرت الجزائر بإحياء الذكرى الـ 75 للنكبة الفلسطينية، من خلال تنظيم وزارة المجاهدين وذوي الحقوق لندوة دولية تحت شعار “النكبة جريمة مستمرة والعودة حق”، بمشاركة أعضاء من الحكومة وشخصيات فلسطينية وممثلين عن الفصائل الفلسطينية، إضافة إلى منظمات وطنية ودولية.
الندوة سلطت الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني منذ احتلال أرضه وتهويدها والاعتداء على ممتلكاته ومقدساته ورموز هويته، وتم في ختامها تكريم رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، نظير جهوده في نصرة القضية الفلسطينية.
بهذه المناسبة أجرت “الشعب”، حوارا مع الوزير والدكتور أحمد حسن أبو هولي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دائرة شؤون اللاجئين، الذي يعود بحديثه إلى تاريخية الاحتفاء بالنكبة لأول مرة في الجزائر، ويفصل في مختلف تطورات القضية الفلسطينية منذ إعلان الجزائر للمّ الشمل.
الشعب: بماذا خلصت زيارتكم إلى الجزائر التي تزامنت مع إحياء الذكرى الـ 75 للنكبة الفلسطينية ؟
الوزير أحمد حسن أبو هولي: أود في البداية أن أشكر الشعب الجزائري، بدءا بالرئيس عبد المجيد تبون وكل الحكومة الجزائرية، وأخص بالذكر وزارتي المجاهدين والخارجية، وكل من ساهم في إنجاح الاحتفاء بإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية في الجزائر، هذا الاحتفاء الذي يعتبر تاريخيا بسبب إحيائه لأول مرة بمبادرة من دولة عربية وهي الجزائر، وذلك بعدما كان يقام منذ 74 سنة، حصرا في المخيمات وداخل الأراضي الفلسطينية، وهذا يعبر عن العمق العربي والتضامن اللامتناهي للجزائر مع الشعب الفلسطيني وقضيته، ويحرج بالمقابل أطراف أخرى في هذا الإطار، أولئك الذين اختاروا التطبيع مع الكيان الصهيوني.
لقد كان الملتقى الذي أشرفت عليه وزارة المجاهدين الجزائرية، نخبويا بامتياز، جمع ممثلين عن الدبلوماسية السياسية الرسمية والنخب الأكاديمية والحزبية، إضافة لشخصيات وازنة أتت لإحياء هذه الذكرى، علاوة على تسجيل حضور كثيف لوسائل الإعلام، وهي رسالة مفادها أن الشعب الجزائري بكل شرائحه ومكوناته، باق على العهد رغم كل الصعوبات، مخلصا وداعما للقضية الفلسطينية، وسيبقى يحيي ذكرى النكبة إلى أن تنتصر فلسطين وقضيتها.
بودّي أن أشير كذلك إلى أن ذكرى النكبة في سنتها الـ 75 تاريخية أيضا لإحيائها من طرف منظمة الأمم المتحدة لأول مرة منذ تأسيسها، وهذا يعني اعترافا قانونيا بالنكبة وانتصارا للحق الفلسطيني، وعليه فهذه فرصة للتأكيد مرة أخرى على ضرورة تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، بالأخص ما تعلق بالقرار 194 القاضي بالحق في العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، وكذا إعادة النظر في عضوية الكيان الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية.
بالإشارة إلى مسألة التطبيع، وفلسطين تحيي ذكرى نكبتها الـ 75، ما هي رسالتك إلى السائرين في فلك التطبيع مع الكيان الصهيوني؟
كان لابد أن تكون علاقات السلام المقامة مع دولة الاحتلال مشروطة بتنفيذها لقرارات الشرعية الدولية وبنود المبادرة العربية، التي عنوانها إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وكذا القرار الأممي رقم 194، لكن وباستمرار الاحتلال وتزايد حملات الاستيطان، وزيادة على ذلك، إعلان الحكومة الصهيونية الفاشية الحالية عن نيتها في حسم الصراع بتهويد القدس وتقسيم المسجد الأقصى مكانيا وزمنيا، والاستيلاء على الضفة الغربية عبر الاستيطان، وكذا مواصلة فرض الحصار على قطاع غزة، وكلها عوامل أدت إلى انسداد الأفق السياسي، وبعد كل هذا، يُكافأ هذا الكيان بتطبيع العلاقات معه، ففي اعتقادي يجب على الدول الخائضة في هذا النهج أن تراجع حساباتها، ومخطئ من يعتقد أن التطبيع يصب في صالح القضية الفلسطينية وعدالتها، أو يساعد على العودة إلى عملية السلام، الكل يعلم أنهم لما قتلوا الشهيد القائد ياسر عرفات، قتلوا معه عملية السلام، ولما قتلوا إسحاق رابين قتلوا معه أيضا مساعي السلام.
نحن كشعب فلسطيني ومجتمع لاجئين، لا يمكن أن نقبل بالحلول المجزأة أو تقديم تنازلات على حساب الثوابت الفلسطينية وعلى حساب القدس واللاجئين والأسرى، وبالتالي فالمطلوب من الدول العربية المطبعة، إعادة النظر في مواقفها، لأن الكيان ضرب عرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية، وهو ينظر إلى التطبيع من منظوره الخاص الذي لا يمكن أن يصب في صالح القضية الفلسطينية بتاتا.
لطالما كررت فلسطين دعواتها بضرورة توفير حماية دولية للشعب الفلسطيني، ما مدى تجاوب المجتمع الدولي؟
عندما أحيينا الذكرى الـ 75 للنكبة في الجزائر، ذكرنا أن قوات الاحتلال ارتكبت 51 مجزرة في حق الشعب الفلسطيني، لكن في الحقيقة عمليات التقتيل الممنهجة لا تتوقف أبدا، وهي تمارس يوميا وبوحشية، فقبل أيام قليلة فقط، قاد الكيان عدوانا جديدا على قطاع غزة، دمر فيه البيوت على رؤوس ساكنيها من نساء وأطفال، واستشهد خلاله 33 فلسطينيا وسقط فيه مئات الجرحى، ليتم عقبها استهداف مخيم جنين وبعدها مخيم بلاطة ومخيم عسكر، وبالتالي فعلى الرأي العام الدولي أن يكون على قدر القيم التي يتحدث عنها، بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
هناك مئات القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، وعشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان الدولي، المطلوب هو اختبار واحد فقط للمجتمع الدولي، يتمثل في تطبيق قرارات الشرعية الدولية أو البعض منها، فلا يجوز بأي حال من الأحوال، أن تقوم الدنيا ولا تقعد، لتنفيذ أبسط قرار يصبّ في صالح أوكرانيا ويخدم حربها ضد روسيا، لكن عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، تفعل سياسة الكيل بمكيالين، ولهذا فعجز المجتمع الدولي في إلزام دولة الاحتلال بتطبيق قرارات الشرعية الدولية يثبت في كل مرة عدم قدرته أيضا على تطبيق القانون الدولي وإحكام العدالة الدولية، وهو ما يظهر جليا عندما نطالب العالم بالاعتراف بالعضوية الكاملة للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وهنا يبدأ الترنح داخل الجمعية العامة، لقد تحصلنا بفضل نضال وصمود شعبنا على صفة عضو مراقب، وسنواصل النضال رفقة أشقائنا الداعمين لنا إلى حين الحصول على العضوية الكاملة.
قبل أشهر اجتمعت الفصائل الفلسطينية بالجزائر، في لقاء فريد ونوعي، خلص بإعلان الجزائر للمّ الشمل، ما هو الأثر الذي تركه على الحياة السياسية الفلسطينية؟
كان لوثيقة لمّ الشمل الجزائرية التي حرص عليها الرئيس عبد المجيد تبون، بحضور كل الفصائل دون استثناء، الأثر الإيجابي الكبير على كل الأوساط السياسية الفلسطينية حتى على الأسرى في سجون الاحتلال، الذين دفعوا ولا يزالوا يدفعون الثمن، مقابل أن تكون هناك رؤية سياسية وإنهاء للاحتلال، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننهي التناقض المركزي ونحن في تناقض ثانوي، ولهذا فكان لابد من مبادرة لإحقاق الوحدة الوطنية، وباعتقادي فإن تجارب الشعوب أثبتت أنه لا يمكن لأية أمة الانتصار وهي منقسمة، وعليه نحن كشعب فلسطيني مطلوب منا أكثر من أي وقت مضى ونخص الفصائل بالذكر، أن نبادر في تنفيذ إعلان لمّ الشمل، والجزائر بأيديها البيضاء، دونما أية مصلحة، تؤكد لنا أنها على أهبة الاستعداد للمساهمة والمساعدة في تنفيذ الإعلان، وبالتالي وفي ظل الهجمات الصهيونية المتواصلة والتهديدات المستمرة من حكومة الاحتلال المتطرفة، لا بد من الرد السريع على هذه الاستهدافات، بالوحدة الوطنية وتنفيذ ورقة لمّ الشمل الفلسطيني.
بعد كل ما صدر من توصيات في القمة العربية، هل هناك دعم مرتقب من الحكومات والدول العربية سواء في ملف اللاجئين أو فيما يتعلق بدعم ملف فلسطين للظفر بمقعد دائم في الأمم المتحدة؟
التنسيق الفلسطيني العربي المشترك مستمر، وكما جاء في كلمة وزير الخارجية الجزائري، السيد أحمد عطاف في قمة جدة، نحن نعوّل رغم كل الإحباط، على عمقنا العربي الذي نبقى ننتمي إليه، وستثبت التجربة أن الاحتلال وداعميه من الدول الغربية، لا يريدون لا وحدة فلسطينية ولا عملا عربيا منسجما، ومن هنا نجدد نداءنا لأشقائنا العرب بالقول، نحن بحاجة لكم، وفلسطين قضيتكم المركزية، ولتعلموا أنه في حالة إضعاف وإنهاء وجود القضية الفلسطينية، فستكون العواصم العربية هي قبلة الاحتلال القادمة، ولهذا لابد من استدراك الخطر بموقف عربي موحد، وتكثيف الدعم السياسي والمالي للقضية الفلسطينية.