فتحت الجزائر آفاقا واعدة مع شركائها في العالم، خاصة بافريقيا وفق منطق رابح-رابح، ولهذا الغرض تعززت الترسانة التشريعية في السنوات الأخيرة بقواعد متينة تصبو لتوفير مناخ أعمال واستثمار محفّز وجذّاب.
تضمن قانون الاستثمار الجديد مزايا وتحفيزات غير مسبوقة للشريك الاقتصادي المحلي والأجنبي، أداة تنفيذه وكالة جزائرية لترقية الاستثمار ترافق المتعاملين في إنجاح مشاريعهم.
مجالات استثمار كثيرة في قطاعات استراتيجية متعددة، (أمن غذائي وطاقوي، هياكل قاعدية، خدمات ومؤسسات ناشئة.. بنى تحتية ومنشآت قاعدية) جعلت من الجزائر، بشهادة كثيرين، البلد الأكثر جاذبية للاستثمار في المنطقة المغاربية والافريقية.
وفضلا عن ذلك، طريق سيّار يمتد على طول أكثر من ألف كيلومتر، شريان تنمية بين شرق البلاد وغربها، وطريق يشق الهضاب العليا، يربط شمال الجزائر بجنوب، يتوفر على مزايا ومؤهلات تنموية واسعة.
وخط سكة حديدية على مدى 4 آلاف كيلومتر، مشروع تنموي حيوي يستهدف العمق الافريقي، ذلك أن موقع الجزائر يؤهلها أن تكون مفصلا تجاريا هاما بين أوروبا والقارة السمراء.
إفريقيا، العملاق الاقتصادي النائم في القارة يستيقظ على آفاق تنمية وتعاون وشراكة وتكامل، في نهضة صناعية غير مسبوقة، بادراك معظم قادة القارة بأهمية الاندماج في تكتلات اقتصادبة، وضرورة الالتحاق بركب الدول المتقدمة وبناء قارّة، يسودها القانون وتحكمها مؤسسات رشيدة تحقيقاً للسلام والازدهار والرفاء.
اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية ZLECAF الاطار الأنسب لتجارة بينية افريقية فعّالة، وأجندات هامة لافتكاك فرص استثمار واعدة بالقارة.
أجندات ومواعيد اقتصادية طموحة
ما يعرف بـ”أجندة 2063″، التي وضعها قادة الدول الأفريقية سنة 2013، إطار توجيهي، استشرافي لتوحيد افريقيا، وتجميع جهودها وثرواتها الطبيعية والبشرية تحقيقا لتنمية شاملة ومستدامة على امتداد خمسة عقود (2013 – 2063).
هو مسعى يضع نصب عينيه بناء قارّة مزدهرة موحدة، تعوّل على طاقات أبنائها في تحقيق اكتفائها الذاتي وفي تفعيل حضورها الحيوي على الصعيد الدولي.
وتحمل الأجندة المذكورة، في طيّاتها، طموحات عدّة، يعترض تحقيقها تحدّيات كثيرة، منها الإخفاق في الإفادة من النمو الديموغرافي، واتساع دوائر الفقر، فضلاً عن التحدّي الاقتصادي وصعوبات تمويل الأجندة.
ملتقى افريقيا للاستثمار والتجارة، أحد أهم المواعيد الاقتصادية بالقارة لبلوغ هذا المسعى، جمع أرباب عمل ومتعاملين اقتصاديين من مختلف أرجاء القارة السمراء، وشكل فضاء لتبادل الخبرات ونقل التجارب، وسانحة لتباحث فرص الاستثمار من اجل تكامل اقتصادي وتحقيق تجارة بينية حقيقية.
ويلحط المتجول في أجنحة المعرض، المنظم على هامش فعاليات الطبعة التاسعة للملتقى AFRIC 9، تحت شعار “بوابة إفريقيا للصناعة والزراعة والتجارة”، بفندق شيراطون (الجزائر العاصمة) يومي 16 و17 ماي، حركية كبيرة ومحادثات ثنائية أو متعددة الأطراف مكثفة بين متعاملين اقتصاديين من جنسيات مختلفة. وفود أجنبية لبت الدعوة، ولو على حسابها الخاص، لحضور تظاهرة اقتصادية وصفها مشاركون كثيرون بالهامة والكبرى، تفتح آفاق تعاون وشراكة واعدة بالمنطقة.
” الجزائر بلد مضياف”، “نشعر أن الجزائر الأفريقية تحتضننا”، ” نلمس عودة قوية لريادة جزائرية في القارة”، “نود نقل التجربة الجزائرية إلى بلداننا”.. عبارات كثيرا ما ترددت على أفواه أصحاب شركات ومستثمرين أفارقة تحدثت إليهم “الشعب أونلاين”.
رجل أعمال سنغالي: أبهرتنا مرافقة الدولة الجزائرية للمتعاملين الاقتصاديين
يقول ماقات سايدي Magatte Seydi، مسؤول عن ترقية الاستثمار وتسهيل العلاقات العامة بـ”مجموعة افريكا سامبيوز” السنغالية إلتقته “الشعب أونلاين” في أروقة المعرض، إنه “وجد في الجزائر بلدا خطى خطوات كبيرة في الاندماج الاقتصادي، خاصة في الفلاحة، ما يجعلها قاطرة للقارة في المجال على المدى القريب”.
وأبدى رجل الأعمال إعجابه بالتطور الاقتصادي الذي بلغته الجزائر، وما لاحظه من حضور قوي للدولة الجزائرية إلى جانب المتعاملين الاقتصاديين عموما وخواص، بالدعم والمرافقة، قائلا: ” نود الاستلهام من النموذج الجزائري من أجل تصدير هذه التجربة، علاوة على المعارف والتقنية إلى السنغال”.
وأشار إلى أن القارة تملك مؤهلات فلاحية تمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي في مواد عديدة كالزيوت والقمح والذرة والدواجن، التي تصدر حاليا لدول أجنبية خارج القارة، والأجدر أن تصبح افريقيا سوقا للترويج لها.
وبعيدا عن المشاركة في الملتقى، حدّثنا ضيف الجزائر عن ارتياحه وسعادته لتواجده بالجزائر “بلد مضياف وشعب شهم” أشعره بحرارة الاستقبال منذ وطأت قدماه أرض مطار الجزائر الدولي، وهو إحساس “لم يسبق وان شعر به في بلد آخر، غير بلده”، يقول محدّثنا.
الجزائر.. قلب كبير يضمنا
عبّر مدير عام شركة “أفريكا قلوبال غروب” المالية، كاسوم كوليبالي، عن رضاه التام لمشاركته في هذا الموعد الاقتصادي الهام، الذي “بلغ مرحلة النضج في طبعته التاسعة”.
ويرى رجل الأعمال أن للجزائر ثقلها مقارنة مع باقي الدول الافريقية في تحقيق تكامل اقتصادي أساسه ما أسماه “أخوية اقتصادية”، وهي عبارة جديدة –يقول المتحدث- نابعة من ما “لمسناه من دعم الجزائر واحتضانها باقي دول القارة، وبفضل دورها القيادي والريادي لبناء تكامل اقتصادي”.
ورغم وجود دول في القارة بنفس الوزن الاقتصادي، لكن الجزائر بلغت هذه الريادة بفضل “قلبها الكبير”، يقول المتحدث، ثم يسترسل: “نحن كماليين، بلد حدودي مع الجزائر، نشعر دائما أننا ننتمي لعائلة واحدة. نحن مثل رئتين في جسد واحد، وهذا اللقاء سانحة للتعرف على مقومات الجزائر، بحضور عدد هائل من متعاملين اقتصاديين ومستثمرين يستعرضون تجاربهم ومنتجاتهم المحلية في هذا الحدث الافتصادي”.
وبابتسامة عريضة ونبرة أخوة تستشعر صدقها، يقول المتحدث: “قابلنا أرباب عمل جزائريين بترحيب وود كبيرين، وبعقليات متفتحة على الآخر، أبدوا استعدادهم التام للتعامل مع نظرائهم الأفارقة، وهي ثروة انسانية، واقتصادية ومالية واجتماعية.. ثروة حقيقية لا تنضب، تسعدنا كأفارقة مشاركين في هذا الحدث، ونسعى أن تكون الجزائر أحد الفاعلين الحقيقيين في منطقة التبادل الحرة”.
ويضيف كاسوم كوليبالي أن “سياسة الجزائر الاستثمارية تمنح فرصا واعدة للرعايا الأفارقة للإقامة والاستثمار في الجزائر، مع توفير الهياكل القاعدية اللازمة ويد عاملة كفأة ومواد أولية من أجل الانتاج والتصدير”.
وعن رأيه في القيمة المضافة للحدث، يقول رجل الأعمال المالي إن هذا الموعد حقق نجاحا فعليا وفتح آفاق شراكة واسعة، مقدّما الشكر للسلطات الجزائرية، والمنظمين وكل البلدان المشاركة، واعدا بمواصلة دعم وتوطيد هذه الشراكة، حتى يكون أرباب العمل الأفارقة سفراء للتعاون جنوب-جنوب، وبالعمل على ترقية فرص الشراكة مع الجزائر في إطار تطور متبادل وازدهار اقتصادي مشترك متمنيا، في الأخير “أن يعم الهناء والرفاء في افريقيا والعالم أجمع”.
الجزائر-موريتانيا.. فرص استغلال وتطوير
وفي إطار التعاون في الإعلام، خاصة مع إطلاق إذاعة “إفريقيا أف آم” مؤخرا، التقينا حاجي ابراهيما، مدير عام “قروب ميديا” الموريتاني الذي يصدر جريدة “فينانسيال أفريك”، وهي جريدة اقتصادية افريقية هدفها ربط اقتصاديات الدول الافريقية، الذي أكد أن فرص الشراكة في القطاع عديدة، وقد يتم الاعلان عن مشاريع تعاون مستقبلية قريبا.
وعن حضوره الملتقى يقول المتحدث إن هذا الموعد يسمح بدراسة وتباحث فرص الاستثمار والتجارة بين الجزائر ونظرائها الأفارقة.
ويرى ابراهيما أن أرقام التبادل البيني الافريقي في التجارة تبقى ضئيلة، وأن الوقت حان لرفع حجم التبادلات التجارية بين بلدان القارة.
وبشكل عام يقول المتحدث: “هناك فرص للاستغلال والتطوير معا، ويمثل اللقاء بالنسبة لنا سانحة لتدارس هذه الفرص مع المتعاملين الجزائريين، وبحث كيفية تموقع كل منا”.
وختم رجل الأعمال الموريتاني حديثه معنا بالقول: “نلمس رغبة ونية صادقتين لدى السلطات الجزائرية للتفتح أكثر تجاه عمقها الإفريقي”، مذكرا بالانجازات والشراكات الأخيرة بين البلدين بافتتاح بنوك جزائرية في موريتانيا (والسنغال) هذه السنة، إضافة إلى افتتاح خط بحري مباشر بين البلدين وطريق تندوف-زويرات الذي سيكون عمليا قريبا، ما سيعطي دفعا حقيقيا للتبادلات التجارية بين الجزائر وموريتانيا “التي تشكل أرضية وبوابة لدول افريقية أخرى”، يضيف المتحدث.