يوضح المدير المركزي لجودة السياحة والضبط، المكلف بالنشاطات السياحية بوزارة السياحة، نبيل ملوك، أنّ الجزائر تنتهج مقاربة اقتصادية جديدة، أقرّها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون فور تولّيه قيادة البلاد.
تعتمد المقاربة أقصى استثمار لثروات البلاد بما فيها التنوع الجغرافي والثراء الثقافي الذي تنفرد به البلاد، من خلال خلق فرص في شتى المجالات والقطاعات من أجل بناء جزائر جديدة يتطلّع إليها الجميع، حيث اعتبر القطاع السياحي أحد القطاعات المعول عليها من أجل تعزيز مداخيل الخزينة العمومية ومضاعفة الموارد الاقتصادية للبلاد، بالنظر إلى الثّروات والمؤهّلات الطبيعية التي تنفرد بها الجزائر التي تجمع بين إطلالة ساحلية على البحر الأبيض المتوسط، ترفع من إمكانات الجزائر لتكون الوجهة الأكثر إثارة للاهتمام من حيث استقطاب المستثمرين أو السياح، بالإضافة إلى انفتاحها على العمق الإفريقي.
موقع متوسّطي إفريقي.. ازدواجية إستراتيجية
المقوّمات السياحية للجزائر، يقول محدّثنا، تؤهّلها للتموقع كمنافس له من الوزن ما يجعله وجهة سياحية بامتياز نظرا لعالمية جغرافيتها التي تجمع بين المناخ المتوسطي المعتدل والمساحات الجبلية التي تعتبر مسارات سياحية على مدار السنة، إضافة إلى الجنوب الكبير الذي ينفرد بسحر خاص جعل منه محط اهتمام عالمي اقتصاديا، ولأنّه لا يمكن أن نتطرّق إلى الحديث عن السياحة بمعزل عن الاقتصاد – يقول ملوك – فقد شهدت السياحة الجزائرية مباشرة بعد جائحة كورونا، حركية ودينامية كثيفة من خلال الوفود السياحية الأجنبية التي سيكون لها دور مهم في الترويج للوجهة السياحية الجزائرية، كما سيكون للثّراء الثقافي، ورقيّ الضّيافة الجزائرية، دور في تأصيل انطباع إيجابي لدى السائح الأجنبي.
جائحة كورونا.. وقت مستقطع
بخصوص الهدف الذي سطرته السلطات العمومية حسب توجيهات الوزير الأول خلال تفقده للمعرض الدولي للسياحة المقام بالجزائر، المتضمن بلوغ مساهمة قطاع السياحة نسبة 8 بالمائة من الناتج الخام المحلي، يرى نبيل ملوك، أنّ الجزائر بإمكانها تحقيق نسبة تفوق بكثير النسبة المذكورة، وذلك بالنظر إلى الإمكانات والموارد التي تتوفر عليها البلاد، حيث اعتبر هذه النسبة طموحا مشروعا مقارنة بالإمكانات التي تزخر بها الجزائر، خاصة في حالة الاستغلال الأمثل لكل هذه الموارد. وأضاف أنّ انحسار فيروس كورونا وانتهاء الجائحة التي كان لها أثرها على الاقتصاد والأرواح، جعل من إعادة ترتيب أوراق الاقتصاد لكل بلد أولوية القائمين عليه من أصحاب القرار وخبراء وهيئات دولية مالية، معتبرا الجزائر من البلدان التي تمتلك مؤشرات جد إيجابية لتجاوز الأزمة الصحية التي خلفتها الجائحة.
السّياحة الدّاخلية تحظى بالأولوية
وعن عملية تحضير موسم الاصطياف الذي سينطلق بداية شهر جوان ويستمر إلى نهاية شهر سبتمبر، قال ملوك إنّ هذه العملية تشرف عليها لجنة وطنية على مستوى وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، تطبيقا للقرارات الصادرة عن المجلس الوزاري المشترك المخصص لموضوع موسم الاصطياف، نظرا للمكانة المهمة التي يحظى بها قطاع السياحة ضمن تشكيلتها، حيث انطلقت التحضيرات لهذا الموسم في شهر ديسمبر من سنة 2022، من أجل ضمان أحسن تنظيم لموسم اصطياف ناجح.
وترتكز جملة التّدابير المتّخذة على ثلاثة محاور أساسية – يقول المتحدّث – تبدأ بالاستغلال السياحي للشاطئ، من خلال تطبيق إجراءات منح حق امتياز استغلال الشواطئ للغرض السياحي وفقا للتشريعات والتنظيمات المعمول بها، وإعطاء الأولوية للمتعاملين والمهنيين الناشطين في ميدان السياحة والفندقة لاستغلال فضاءات الترفيه والاستجمام والتسلية، من شواطئ وغيرها من المرافق الموجهة لتقديم خدمات للمصطافين، وكذا استغلال المؤسّسات السياحية والفندقية وتشجيع هياكل الإيواء، عبر تسطير برنامج مراقبة وتفتيش لهذه المؤسسات استعدادا لاستقبال السياح والمصطافين، ثم تأطير نشاط الإيواء لدى الساكن، تشجيع صيغة الإيواء بالإقامات الجامعية الواقعة بالولايات الساحلية لتلبية طلبات مختلف فئات السياح، فضلا عن تشجيع إنشاء المخيمات الصيفية بالغابات ومناطق التوسع السياحي، وذلك في إطار إعطاء الأولوية لتشجيع السياحة الداخلية، بالإضافة إلى تسطير برنامج للتنشيط والترويج والاتصال الخاص بالموسم، يتجسّد مضمونه في تنظيم تظاهرات ترفيهية تخص معارض للسياحة وللصناعة التقليدية على مدار الموسم وخلال السهرات الليلية، وكذا إحياء الأعياد المحلية وقوافل إعلامية للترويج السياحي لفائدة وسائل الإعلام، فضلا عن تسطير مخطط إعلامي واتصالي خاص بموسم الاصطياف، وإشراك الدواوين المحلية للسياحة والمجتمع المدني في عملية تنظيف الشواطئ والمواقع السياحية، وفي استقبال وتوجيه زوار المدن الساحلية، وكذا المساعدة في جمع المعطيات والإحصائيات حول الإيواء لدى الساكن تحت إشراف المديريات المكلفة بالسياحة بالولايات الساحلية، تنظيم مسابقات للأطفال حول السياحة، وكذا مسابقات لانتقاء أحسن استغلال لشاطئ، أحسن عرض فندقي، أحسن عرض وكالة سياحة وأسفار، أحسن فيلم ترويجي سياحي، مع تعزيز مخطط النقل السياحي نحو مختلف المواقع السياحية والشواطئ.
هياكل وخدمات فندقية متميّزة
بالنسبة لطاقة الاستيعاب وجاهزية الهياكل السياحية، أشار نبيل ملوك إلى أنّ الولايات الساحلية تتوفر على 1576 مؤسسة سياحية وفندقية توفر ما يفوق 147 ألف سرير، إضافة إلى الهياكل الأخرى التابعة لقطاعات تتكامل مع قطاع السياحة، تبلغ طاقة استقبالها 42000 سرير بين بيوت شباب ومخيمات ومراكز عطل للشباب، مشيرا إلى أنّ طاقة الاستقبال الحالية لا تفي بالطلب المتزايد من سنة لأخرى، وهو ما يدفع السّلطات العمومية لتحفيز الاستثمار أكثر فأكثر في هذا الميدان. كما أنّ المؤسسات السياحية والفندقية تحاول أن تقدم خدمات تتلاءم أسعارها مع مختلف الفئات من الزبائن رغم أن موسم الاصطياف هو موسم الذروة بالنسبة لها، حيث تطمح لتحقيق إيرادات اقتصادية وأرباح، لكن مسألة الأسعار تظل مرتبطة بالعرض والطلب والمنافسة الموجودة في السوق، فالطلب كبير والعرض قليل، وكلّما نقص العرض وكثر الطلب زاد السعر، وقصد تلبية طلبات مختلف فئات حسب قدراتها الشرائية، فقد تمّ التفكير في تنويع العروض من خلال صيغة المخيمات، وكذا الإقامات الجامعية الملائمة لحاجات واشتراطات السياح لاسيما الشباب والعائلات.
أحسن استقبال لجاليتنا المقيمة بالخارج
في سياق متصل، أكّد نبيل ملوك أنّ الجالية الوطنية المقيمة بالخارج تعد هدفا أساسيا في إستراتيجية تسويق وِجهة الجزائر السياحية، لذلك فهي تعد في قلب اهتمام مخطط الاتصال الذي تمّ إعداده ضمن عمل اللجنة الوطنية المكلفة بتحضير ومتابعة سير موسم الاصطياف، كما أن قطاع النقل، وخاصة شركات النقل الجوي والبحري الوطنية، وبتوجيهات من السلطات العليا، وضعت أسعارا تحفيزية قصد تشجيع الجزائريين المقيمين في الخارج على قضاء عطلتهم في وطنهم الأم، كما أنّ كل المصالح المعنية عملت على تسطير برامج لتحسين شروط استقبال جاليتنا في الخارج، من أمن وطني وجمارك ومطارات وموانئ ومعابر حدودية.
معايير دولية لتصنيف المؤسّسات الفندقية
عن تصنيف المؤسّسات الفندقية في مختلف الأصناف والدرجات، يتابع المتحدث، أنّ ذلك يخضع لمعايير محددة نص عليها المرسوم التنفيذي 19-158 المؤرخ في 30 أفريل 2019، الذي يعرف المؤسّسات الفندقية ويحدّد شروط وكيفيات استغلالها وتصنيفها واعتماد مسيّريها.
إنّ المعايير التي يتم من خلالها تصنيف المؤسسات السياحية والفندقية تواكب المعايير المعتمدة دوليا، حيث نجد أنّ كل صنف من أصناف المؤسسات الفندقية أو من المطاعم السياحية يخضع لمقاييس وشروط وجب توفرها حتى نضمن مستوى معينا من التجهيزات والخدمات يليق بمستوى كل فئة من الزبائن والسياح، سواء تعلّق الأمر بالسياحة الداخلية أو بالسياحة الدولية، وبالتالي، فإنّ الهدف من وراء ذلك هو تحقيق رضا السياح ووفائهم، كما أن إنجاز القرى السياحية من بين أنواع المشاريع التي يجري حاليا تشجيع الاستثمار فيها، حيث لم يعد ذلك حكرا على القطاع العام دون الخاص، بل نجد عديد القرى السياحية التي بادر بها مستثمرون خواص هي حاليا قيد الاستغلال، وقد رأينا ميدانيا من خلال توجهات العائلات الجزائرية نحو العطل والترفيه أنها تفضّل هذا النوع من الهياكل الذي يتلاءم وخصوصيتها وكذا اشتراطاتها، لذلك نعمل مستقبلا في إطار إستراتيجية تطوير القطاع على مضاعفة عدد المشاريع الاستثمارية في هذا الشأن، لرفع طاقة الاستقبال من الناحية الكمية مع مراعاة معايير الجودة الخدماتية.
تأشيرة التّسوية..تنسيق قطاعي متكامل
السّياحة..قطاع أفقي يعمل بالتنسيق مع باقي القطاعات من أجل إنجاح الإستراتيجية السياحية للبلاد، وفي إطار عمليات التنسيق والعمل المشترك المتكامل بين مختلف القطاعات ذات العلاقة المرتبطة بالحركة السياحية، استشهد ملوك بالعملية الثلاثية المشتركة التي تمت بالتنسيق بين وزارة السياحة والصناعات التقليدية ووزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية المقيمة بالخارج ووزارة الداخلية والجماعات المحلية، بخصوص منح تأشيرة التسوية لفائدة السياح الأجانب المتوجّهين إلى الجنوب الجزائري على مستوى المطارات والمراكز الحدودية البرية، بمناسبة انطلاق موسم السياحة الصحراوية الذي يبدأ شهر أكتوبر وينتهي شهر أفريل، ممّا يعزّز التنمية المحلية والاقتصادية على مستوى الجنوب الجزائري.
منصّات رقمية في الخدمة
بالنظر إلى أهمية بل وحتمية مواكبة التغيرات الحاصلة على المستوى الدولي في مجال استخدام التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال في ميدان الخدمات السياحية، فإنّ بلادنا تملك كل القدرات والإمكانات التي تسمح لها بتزويد مختلف القطاعات بتقنيات وتطبيقات الرقمنة التي تسمح بتسهيل وصول الزبون والسائح إلى منتوج السياحة بالجزائر، ولقد بادر قطاعنا في إطار مخطط عمل الحكومة – يقول ملوك – بجملة من المشاريع التي رأت النور، على سبيل الذكر لا الحصر، نجد بوّابة الخدمة العمومية، بوّابة مسارات الجزائر السياحية، أنظمة الحجز والدفع الإلكتروني للخدمة السياحية والفندقية، جمع الإحصائيات الخاصة بنشاطي السياحة والصناعة التقليدية بواسطة منصة رقمية مخصصة لهذا الغرض، استعمال المنصات الرقمية كذلك في الترويج والتسويق السياحي. ويبقى العمل متواصلا في هذا الميدان قصد تحسين جودة ومحتوى تلك الوسائط الرقمية التي أحدث ثورة في عالم السياحة اليوم.
الاستثمار في الكفاءات وتبادل الخبرات
تحرص وزارة السّياحة والصناعات التقليدية على إشراك الشباب في عملية الصناعة السياحية، وتشجيعهم على دخول عالم السياحة، خاصة فئة الشباب خريجي المدارس السياحية ممّن تلقوا تكوينا عاليا في هذا المجال، من خلال إبرام اتفاقيات شراكة مع المؤسسات الناشئة فيما يخص ترقية السياحة والترويج لها من خلال تطبيقات الكترونية ذات صلة بالنشاطات السياحية سواء تعلق الأمر بالفندقة أو بالإطعام السياحي أو بوكالات السياحة والأسفار أو بمهام المرشدين السياحيين، إضافة إلى الترويج للوجهة السياحية الجزائرية.
وتطبيقا لتعليمات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وتوجيهات الوزير الأول، تسهر وزارة السياحة والصناعات التقليدية على تعزيز فرص التعاون وتبادل الخبرات مع الشريك الأجنبي في مجال السياحة والفندقة، حيث استقبل وزير السياحة والصناعات التقليدية في هذا الصدد، العديد من الوفود الأجنبية التي تمتلك مؤهلات وخبرة عالية في مجال السياحة والفندقة وفتح المجال أمام الاستثمار الأجنبي واستقطاب المتعاملين السياحيين. كما تحرص وزارة السياحة والصناعات التقليدية على مد قنوات الحوار والتشاور والتنسيق الدائمين مع المتعاملين الاقتصاديين من القطاع العام والخاص سواء المنضوين تحت لواء مختلف الفيدراليات والجمعيات المهنية، أو المستثمرين في مجال السياحة بصفة خاصة من أجل الاطلاع على انشغالاتهم والعراقيل التي تواجه نشاطهم، ومحاولة العمل سويا على تجاوزها وفتح مجال الاستثمار واسعا بما يخدم الاقتصاد الوطني بصفة عامة والقطاع السياحي بصفة خاصة.