أخذت ظاهرة الاتجار بالمخدرات والأقراص المهلوسة بمدينة تندوف، مساراً مخالفاً لما عرف من قبل، فهذه الولاية الحدودية، أضحت تشكّل بوابةً تستغلها بعض الأطراف الخارجية لضرب الجزائر وزعزعة استقرارها المُجتمعي، من خلال محاولة إغراقها بشتى أنواع السموم التي تستهدف الشباب.. “ليريكا”، “الصاروخ”، “الروش”، “الزومبي”، “الحمرا”، “الديمينو”، “البلغا” و«الفكرون”، هي أسماء لعقاقير حطّمت الشباب وأحلامهم، لتسحبهم داخل دوّامة اليأس، الشك والخوف..
المجهودات الكبيرة التي تبذلها مصالح الأمن على اختلاف فرقها ووحداتها للحد من هذه الظاهرة، هي مسألة لا يختلف عليها اثنان، تعكسها الاحصائيات والأرقام الفلكية المسجّلة للمحجوزات من مخدرات وأقراص مهلوسة، والتي تؤكد على أنها حربٌ تُدار ضد الجزائر مع سبق الاصرار.
الأمن الوطني درع حماية
مصالح أمن الولاية التي تواصل دكّ معاقل الجريمة داخل النسيج العمراني لمدينة تندوف، فتحت أكثر من جبهة على تجار المخدرات والمؤثرات العقلية، ضمن مخطط أمني شمل إقامة السدود الأمنية، دوريات راجلة وراكبة، مداهمات وحملات تحقيق في هويات الأشخاص والمركبات، بالإضافة إلى ذلك، راهنت ذات المصالح على الجانب التحسيسي والتوعوي لأطفال المدارس والأولياء، من خلال إدراجها لبرنامج اتصالي يستهدف كل شرائح المجتمع.
وجدت مجهودات الشرطة بتندوف صدىً واسعاً لدى سكان الولاية، وإشادة كبيرة من طرف المجتمع المدني، فالإحصائيات المقدمة تعكس حجم الجهد المبذول في سبيل القضاء على هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع، ووضع حد للمتاجرين بأمن وسلامة المواطنين بالولاية.
إن تنامي ظاهرة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية بالجزائر بلغ درجة مقلقة، تستدعي دق ناقوس الخطر وتجنُّد كل الهيئات وأطياف المجتمع من أجل التصدي لها، وتشير بعض المؤشرات إلى وجود قرائن وأدلة تثبت تورّط المخزن المغربي في هذه التجارة التي تدِرُّ عليه أموالاً طائلة، وتكلّف الجزائر شباباً في عمر الزهور.
وأكّد مصدر لـ “الشعب” – فضّل عدم الكشف عن هويته -أن المخدرات والأقراص المهلوسة التي تدخل إقليم الولاية، ومنها إلى باقي ولايات الوطن، تأتي من المغرب، باعتباره الراعي الرسمي والمنتِج الأصلي، والمشرف على إغراق الأسواق العربية والإفريقية بهذه السموم، بتواطؤ، إشراف، تخطيط ومتابعة من المخزن، الهدف منها، تنفيذ “مخطط جهنمي” لإغراق الجزائر بالسموم.
وأضاف المصدر قائلاً: إن “العقاقير الموجّهة للجزائر، حتى لو حملت أسماء عقاقير عالمية معروفة، إلا أنه قد جرى التلاعب بمكوناتها وإضافة مواد خطيرة إليها، تجعل من الادمان عليها أمراً لا مفر منه وبآثار جانبية خطيرة”، مضيفاً أن عقّار “بريغابالين” المستهلك في الجزائر على سبيل المثال، مصدره مختبرات غير معروفة، إلا أن الثابت الوحيد في الأمر، هو مصدرها الذي يُكنُّ العداء للجزائر، ولا يتوانى عن الإضرار بها بشتى الوسائل والأساليب.
ونوّه المتحدّث بمجهودات أسلاك الأمن في محاربتها للمخدرات والمؤثرات العقلية، والتي “وقفت حِصناً منيعاً للتصدي للمؤامرات التي تُحاك ضد بلادنا”، مُشيداً بما تحقق من نتائج أمنية إيجابية أثبتت مدى احترافية وتحكّم أسلاك الأمن في تعاطيها مع الجريمة المنظمة والجريمة العابرة للحدود.
من جهته، ذهب الخبير الامني أحمد ميزاب في حديثه لـ “الشعب” إلى تحليل السياق العام الذي تعيشه المنطقة، والذي وصفه بـ«السياق الضبابي” الذي تقف فيه الجزائر كهدف للعديد من الأزمات والتهديدات المتراكمة، بما فيها الجريمة المنظمة والجريمة العابرة للحدود، والتي سجّلت فيها الجزائر مؤشّرات وأرقام متصاعدة.
وأكّد أحمد ميزاب على وجود حرب سُموم تُشنُّ على الجزائر، من خلال محاولة إغراقها بالمخدرات والحبوب المهلوسة، “فالإحصائيات والأرقام المقدمة من طرف المصالح الأمنية على المستوى الوطني مخيفة ومرعبة، وتدعو الى دق ناقوس الخطر نظراً لحجم الأرقام الفلكية المقدمة”.
واستشهد ميزاب بالإحصائيات المسجلة على المستوى الوطني، حيث تمكّنت مصالح الأمن خلال سنة 2022 من حجز 10 ملايين قرص مهلوس، والرقم يسير بوتيرة تصاعدية وسريعة، دون إغفال طبيعة الفئة المستهدفة بهذه السموم، وهي ملايين من الشباب الجزائري، كما تم حجز 39 طناً من المخدرات خلال نفس السنة، وحجز نصف هذه الكمية خلال شهرين فقط من العام الجاري، منوهاً الى أن “هذه المؤشرات تستدعي التحكم في زمام الأمور حتى نصل الى مفهوم المجتمع الأمني”.
وأشاد الخبير الامني احمد ميزاب بالخطوات الاستباقية التي اتخذتها الجزائر في مقاربتها الأمنية، التي أثبتت استيعابها وإدراكها العميق للمعادلة الأمنية التي تشهدها المنطقة، لتتحوّل الجزائر من مفهوم أمن الحدود الى مفهوم الأمن القومي الجزائري، والتي فيها إقرار بأن أمن الجزائر لا يتوقف عند حدودنا الجغرافية، بل يمتد الى ما تكمن الأهمية الحيوية والاستراتيجية لمصالحنا الوطنية.
وأشار أحمد ميزاب الى أن الازمات المختلفة التي كانت محيطةً بالشريط الحدودي للجزائر الممتد على مسافة 6343 كلم، تزامنت مع محاولات استهداف غير مباشرة للجزائر، من خلال ادخالها في “حرب استنزاف لقدراتها الأمنية”، عبر استراتيجية إلهاء القوى الأمنية الجزائرية بمجابهة مختلف التهديدات والتحديات الزاحفة على مستوى المناطق المتاخمة للحدود، وتهدف هذه المحاولات إلى الحيلولة دون اتخاذ الجزائر موقعها الاستراتيجي والريادي على المستوى الإقليمي والدولي.
خطة جهنمية لحرب “مخزنية”..
مع انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والمؤثّرات العقلية بولاية تندوف، ووصولهما الى قاعات التدريس بالمؤسسات التربوية، دخلت مدينة تندوف في حالة من الرعب والخوف اللذان خيّما على الوسط التربوي وجمعيات أولياء التلاميذ، وبات الجميع يبحث عن طرائق وأساليب لاجتثاث الظاهرة من الولاية، أو على الأقل، إنقاذ المؤسسات التربوية منها.
مصالح الأمن هي الأخرى، جنّدت كل إمكاناتها للحيلولة دون بلوغ الوضع حالة اللاعودة، حيث شنّت الأجهزة الامنية بتندوف حرباً على أوكار الجريمة بشتى أنواعها، ضمن مخطط أمني يستهدف المروّجين وبارونات المخدرات داخل النسيج العمراني لمدينة تندوف.
اعتمدت مصالح أمن ولاية تندوف في تصدّيها لظاهرة تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية على برنامج أمني وتوعوي، يستند على عمل مسترك مع كل الهيئات، من وسائل إعلام، مجتمع مدني وأئمة مساجد، للتوعية من مغبَّة الوقوع في فخ الادمان تارةً، والضرب بيد من حديد على كل من يحاول نشر ظاهرة تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية بين أوساط الشباب تارةً أخرى.
في قراءة سريعة لإحصائيات الفرق المختصة بأمن ولاية تندوف، والتي تحصّلت “الشعب” على نسخةٍ منها، نجد أن ظاهرة ترويج المخدّرات والمؤثرات العقلية داخل النسيج العمراني ليست مجرّد تجارةٍ عابرة أو مصدر قوت لبعض الشباب مِمَّن غُرِّرَ بهم، بل الأمر أبعد من ذلك، فكمية المحجوزات المسجلة بالمقارنة مع الكثافة السكانية للمدينة تتعدى حدود المنطق، وتطرح كثيرا من التساؤلات، خاصة وأن سعر حبة “صاروخ” عند كتابة هذه الأسطر على سبيل المثال، قد انخفض إلى 140 دج فقط للكبسولة الواحدة.
بِلُغة الأرقام، سجّلت مصالح أمن ولاية تندوف خلال سنة 2022 حجز أزيد من 04 كلغ من الكيف المعالج و8862 قرص مهلوِس، ضمن 151 قضية تمت معالجتها بنسبة 100بالمائة، تورّط فيها 202 أشخاص. في حين، تمكّنت ذات المصالح خلال الثلاثي الأول فقط من العام الجاري من حجز أزيد من 2.5 كلغ من الكيف المعالج و15589 قرص مهلوس ضمن 35 قضية معالجة بشكل كامل.
الاحصائيات المقدمة من طرف مصالح أمن ولاية تندوف، توضّح بأن كمية المحجوزات من الأقراص المهلوسة خلال الثلاثي الأول من العام الجاري تشكّل ضعف ما تم حجزه خلال عام كامل، والمحجوزات من المخدرات المغربية خلال نفس الفترة، يفوق نصف ما تم حجزه خلال سنة 2022.
ارتفاع كمية المحجوزات بمدينة تندوف بهذا الشكل المخيف، يعكس مدى يقظة واحترافية مصالح أمن ولاية تندوف في التعاطي مع ملف المؤثرات العقلية، ويعكس من جهة أخرى، زيادة في كمية المخدرات والمؤثرات العقلية الموجهة لبلادنا، وسعي بعض الأطراف إلى جعلها سلعة متاحة للجميع، بدليل وصول سعرها الى 140دج فقط للكبسولة الواحدة.
وتسعى مصالح أمن ولاية تندوف الى التقليل من ظاهرة تعاطي المخدرات والأقراص المهلوسة، فهي الى جانب دورها الأمني والردعي الذي أتى أُكلَه بنتائج إيجابية تعكسها كمية المحجوزات المسجّلة، تقوم كذلك بحملات تحسيسية وتوعوية لفائدة شباب الولاية وأولياء التلاميذ، زادت من وتيرتها خلال العام الجاري، ووسّعت من دائرة الفئات المستهدفة من هذه الحملات.
في حصيلة للنشاطات الاتصالية السنوية المسجّلة من طرف مكتب الاتصال والعلاقات العامة بمصالح أمن ولاية تندوف، تم تنظيم 27 محاضرة للتحسيس بمخاطر المخدرات خلال 04 أشهر من العام الجاري، الى جانب تنظيم 23 خرجة ميدانية و06 أبواب مفتوحة لذات الغرض، وقد استفاد من النشاط الاتصالي الشُرَطي حوالي 800 شخص من سكان ولاية تندوف.
وارتكزت حملات التوعية والتثقيف التي تقوم بها مصالح أمن ولاية تندوف، على توعية الأفراد وتثقيفهم حول خطر المخدرات والتأثير السلبي على الجسد والعقل، كما تم تقديم المعلومات والارشادات اللازمة حول كيفية تفاديها، والوصول إلى العلاج المناسب الذي يمكن أن يساعد على التعافي من الإدمان.
المركز الوسيط لمعالجة مدمني المخدرات.. جرعة أمل
على ذِكر مسألة التعافي من الإدمان، يبرزُ المركز الوسيط لمعالجة مدمني المخدرات بولاية تندوف كأحد أهم المرافق التي سخّرتها الدولة من أجل اجتثاث ظاهرة تعاطي المخدرات والإدمان عليها، وإدماج المتعافين منها في الوسط المفتوح.
في خضم الحرب التي تشنُّها المصالح الأمنية ضد المخدرات والمؤثرات العقلية، يواصل المركز الوسيط بتندوف رغم إمكاناته المتواضعة والنقائص المسجّلة، ضخ جرعة من الأمل لدى الشباب المدمنين وعوائلهم، فآمال هؤلاء، معلّقةٌ على هذا المركز الذي يستقبل حالات الإدمان على اختلاف درجاتها، بلغت حوالي 150 حالة جديدة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
في هذا الصدد، أكدت الدكتورة نسرين بوغنامة الطبيبة المختصة في معالجة الإدمان على مستوى المركز الوسيط، أن هذا الأخير سجّل مؤخراً إقبالاً كبيراً مقارنة بالسنوات الماضية، مشيرةً الى أن المركز الوسيط لمعالجة مدمني المخدرات ينظّم حملات تحسيسية موجهة للشباب والأولياء على حد السواء.
وقالت الدكتورة إن المركز الوسيط قام بجهد مضاعف في المدارس، خلال حملة استغرقت شهرين، مسّت الابتدائيات والإكماليات بولاية تندوف، من أجل جس نبض التلاميذ ولمحاولةً معرفة مدى وعيهم وفهمهم لمخاطر المخدرات، مؤكدةً بأن نتائج سبر الآراء كانت صادمة، حيث تبيّن بأن تلاميذ السنة الثالثة ابتدائي لهم معرفة تامة بالمخدرات والمؤثرات العقلية.
ودعت بوغنامة الى ضرورة الخروج من “قوقعة التحفظ”، وعلى كل قطاع المساهمة من جهته من أجل التقليل من هذه الظاهرة متعددة الجوانب، فتكاتف جهود القطاعات يعطي النتائج المرجوة.
فيما عرّجت الدكتورة للحديث عن المُركّبات الكيميائية لعقّار “الصاروخ” المنتشر محلياً بكثرة والمعروف علمياً باسم “بريغابالين”، مشيرةً الى أنه يحتوي على مكونات لمنع الحمل ومواد خطيرة أخرى، تترك بصمة في الدماغ، وتُدخل متعاطيها في حالات هلوسة وتخيلات لا وجود لها.
وأضافت قائلةً بأن المركز الوسيط لمعالجة مدمني المخدرات بتندوف، قد استقبل خلال الأشهر الثلاث الماضية 150 حالة جديدة من مختلف الأعمار ومن كلا الجنسين، منهم أطفال يبلغون 13 سنة فقط، الى جانب آباء وأمهات وموظفين وسائقي شاحنات وحافلات نقل المسافرين، 60 بالمائة من هذه الحالات أثّر فيها عقّار بريغابالين (الصاروخ) بشكل كبير.
كما دعت الدكتورة الى ضرورة مراقبة طرقاتنا بـ«حزم”، وإلزام شركات نقل المسافرين بتوفير بديل للسائق، فلا يمكن لسائق واحد –على حد قولها- القيادة لمسافة 800 كلم متواصلة، “وهذا من أهم أسباب حوادث المرور، وقِس على ذلك باقي القطاعات التي ينبغي لها الدخول في الحملة من أجل التقليل من تفشي ظاهرة تعاطي الحبوب المهلوسة”.
وتغيّرت تعاريف الادمان في الدراسات الأكاديمية الحديثة، فلم تعد هناك “مرحلة تعاطي” كما كان في السابق، بل أصبح هناك إدمان مباشر ينقسم الى أربعة مراحل، يبدأ من “مرحلة النشوة” ويصل الى “مرحلة الحضيض” أو القاع، حينها، يبدأ المُدمن فعلاً بخسارة كل شيء.
وتختلف الفترة بين النشوة والحضيض على حسب نوع المخدّر، فعقّار “بريغابالين” الشائع حالياً، لا يتطلب من متعاطيه سوى سنتين حتى يصل الى الحضيض، في حين أن العقّار الأصلي يتطلب 06 سنوات على الأقل من أجل الوصول الى مرحلة القاع.
المركز الوسيط لمعالجة مدمني المخدرات، سجّل وجود كثير من النقائص، خاصة من جانب الموظفين المؤهلين، فرغم وجود طبيب نفسي ومساعدين اجتماعيين على مستوى المركز، إلا أنه يفتقر الى ورشات المعالجة بالوظيفة أو الممارسة، والتي تعتمد على تنظيم ورشات لممارسة الهوايات كالرسم والشطرنج، وهي أمور مهمة في فترة العلاج.
الذّكاء أفضل من القوّة..
كشفت تحاليل المركز الوسيط لمعالجة مدمني المخدرات بتندوف، أن القليل من المدمنين الذين يتقربون من المركز من يتعاطى عقّاراً واحداً، فعند وصول الضحية الى مرحلة الإدمان يلجأ الى تجريب عقاقير أخرى لإشباع رغبته.
كشف المركز لـ«الشعب” عن طريقة عمله في التكفل بالمرضى، حيث يشرع في البداية بتنظيم جلسة فردية مع المريض أو برفقة العائلة أو مرافق موثوق، مع التأكيد على سرية العلاج والمواعيد.
ويلجأ المركز إلى تحسيس المريض بأن الادمان مجرد مرض كالسكري والضغط، وبأن الأدوية وحدها لا تكفي وهي خطوة يُراد منها التخفيف من أعراض وآلام الانسحاب من الإدمان، فهي لا تمثل سوى 10بالمائة من العلاج و90 بالمائة الباقية هي المعالجة والمتابعة نفسية، ويتم في هذا الإطار الاستعانة بأطباء من مختلف التخصّصات، لإجراء فحوصات عامة على المدمنين لمعرفة الجرعات التي يحتاجونها، كما أن العديد من المدمنين يعانون من اضطرابات نفسية.
وقد تستغرق فترة علاج المدمنين على مستوى المركز الوسيط بتندوف 04 أشهر فقط، وفق برنامج مسطّر مسبقاً، حيث تتم العملية ضمن مجموعات لا تتجاوز 10 أشخاص على الأكثر، يتلقّون فيها مهارات وتقنيات التعافي المبكّر، وكيفية التعامل مع نوبات القلق والاشتياق للمخدّر، الى جانب تعريف المريض بمهاراته الداخلية التي يجهلها، والمحفّزات التي تستثيره ومهارات تجنب الانتكاسة، ضمن ورشات تعليم نفسي لا تتعدى نصف ساعة للحصة الواحدة من أجل إفساح مجال أوسع للنقاش.
ويؤكد الطاقم العامل في المركز الوسيط على ضرورة حضور الجانب الروحي والرياضي في فترة العلاج من الإدمان، من خلال مرافقة المرضى ووضع برنامج علاجي بما يتوافق مع كل مريض بحسب ميولاته واستطاعته النفسية والجسدية، مع تخصيص برنامج علاجي خاص لكبار السن ممّن فرض عليهم الادمان التخلي عن عائلاتهم وأطفالهم، حيث يعمل المركز الوسيط على إعادتهم للجو العائلي، من خلال تسطير برنامج اجتماعي يساعدهم على الاندماج مرة أخرى في أسَرِهم.
من بين الأساليب التقنية الحديثة التي يعتمدها المركز الوسيط في معالجته لمُدمني المخدرات والمؤثرات العقلية، هي نقاط الارتكاز الإيجابي والسلبي تحت شعار “كن ذكياً ولا تكن قوياً”، في دعوة للمريض من أجل إحداث قطيعة مع ماضيه السيئ.
رغم المجهودات الجبارة التي يبذلها الطاقم العامل بالمركز، من أطباء، أخصائيين نفسانيين ومساعدين اجتماعيين، إلا أن عمله يبقى منقوصاً ويحتاج الى المزيد من الورشات التأهيلية التي يمكن للشباب من خلالها ممارسة هواياته، مما يساعد على الاندماج بشكل أسرع وبصورة أفضل.
وجود المركز الوسيط لمعالجة مدمني المخدرات خارج الخارطة الصحية للولاية أثّر على أدائه، وتسبّب في غياب العديد من العناصر التي تضمن التكفل بالمرضى داخل المركز ومتابعتهم عن كثب، وتحليل سلوكياتهم ومدى تجاوبهم مع العلاج، بدل تركهم للشارع معرّضين للانتكاسة والعودة الى الادمان من جديد.
يحاول المركز الوسيط لمعالجة مدمني المخدرات الخروج من الصندوق، وابتكار أساليب جديدة تساعد على إدماج الشباب في الوسط الاجتماعي، حيث سيُشرع قريباً في تأسيس جمعية لمساعدة المركز على أداء عمله، من خلال تنظيم نشاطات ترفيهية ودورات رياضية ليلاً، وهي الفترة التي يضعف فيها الشاب وتبلغ تجارة المهلوسات ذروتها في الشوارع.
مطبّات في طريق الاصلاح
أشارت الدكتورة بوغنامة الطبيبة المختصة في معالجة الإدمان على مستوى المركز الوسيط لمعالجة مدمني المخدرات بتندوف، إلى وجود بعض العقبات التي تقوّض عملية إدماج المتعافين من الإدمان داخل المجتمع من جديد، وتجعل من مسألة إعادة هؤلاء الشباب إلى مجتمعاتهم أمراً صعباً للغاية بسبب عدم تقبلهم ووسمهم بوسم “مدمن”.
وأكدت المتحدثة على وجود تعارض بين نصوص القانون وواقع سوق الشغل، ففي الوقت الذي نصَّت فيه مواد القانون على حق هذه الفئة في الحصول على وظيفة، والاستفادة من الامتيازات الممنوحة للشباب في شتى المجالات، تلجأ بعض المديريات بالولاية الى رفض ملفاتهم بسبب سجل السوابق العدلية، داعيةً الى ضرورة إيجاد حل لهذه المسألة التي تضع الشباب أمام امتحان صعب، وتدفعهم إلى العودة الى هاوية تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية.
وأشارت المتحدثة الى أن أغلب العائلات بولاية تندوف “لا تزال حبيسة سنوات الثمانينيات”، وتعتقد هذه العائلات جازمةً بأن الشوارع آمنة، داعيةً الى ضرورة تفعيل دور جمعيات أولياء التلاميذ في المدارس، وتنظيم جلسات توجيهية وتحسيسية للأمهات داخل الأحياء، تشرف عليها تنسيقية المجتمع المدني والمرصد الوطني للمجتمع المدني والمجلس الأعلى للشباب.
ودعت أيضا إلى ضرورة سَن قوانين وتشريعات تفرض على خريجي المؤسسات العقابية الخضوع للعلاج من الادمان فور انقضاء مدة حبسهم، والتفكير بشكل عاجل في إدراج حصة من برامج الإسكان للمتعافين من الإدمان كعامل آخر من عوامل الإدماج الاجتماعي، مشيرةً الى أن ظاهرة الادمان في المؤسسات التربوية ما تزال حديثة ولم تصل بعد للمراحل الحرجة، مؤكدةً إمكانية القضاء عليها من خلال حملات التوعية والتحسيس التي تستهدف الأولياء والتلاميذ على حد السواء.
وأضافت قائلةً بأن حالات الادمان التي يستقبلها المركز الوسيط في ازدياد، وعلى كل أطياف المجتمع المدني تقديم يد المساعدة للشباب الذين يتأكد وقوعهم في فخ الإدمان، وتوجيههم الى المركز الوسيط من أجل تلقي العلاج، مشيرةً الى وجود درجة كبيرة من التكتم لدى الأولياء حول وضعية أبنائهم المدمنين بسبب طبيعة المجتمع التندوفي المحافظ، إلى جانب تخوف المواطنين من المركز الوسيط، وعدم اقتناعهم بإمكانية العلاج من الإدمان.
الحلقة المفقودة..
مجهودات القطاعات الفاعلة في المجتمع، من مصالح الامن ومركز الوسيط لمعالجة الإدمان في مساعيها الرامية الى القضاء على المخدرات والمؤثرات العقلية، قد أتت بنتائج إيجابية وتمكنت من وضع بصمة لها في المجتمع، غير أن هذه الجهود تحتاج الى المزيد من الدعم والمساندة من فئات أخرى يعوّل عليها كثيراً للفوز بهذه المعركة.
علاوة على ذلك، فإن إيجاد حل لظاهرة تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية بتندوف، يتطلب العمل على مستوى المجتمع بأكمله، بما في ذلك التعليم، النقل، الشباب والرياضة، الشؤون الدينية، المرصد الوطني للمجتمع المدني ورؤساء الأحياء، مع التفكير بشكل جدي في توفير وظائف وأماكن ترفيهية للشباب وتحسين ظروفهم المعيشية، حيث يمكن تخفيف تأثيرات العوامل الاجتماعية التي تؤدي إلى اللجوء الى المخدرات والأقراص المهلوسة ومنعهما.
وأكد عبد العزيز صديقي، إمام مسجد حمزة بن عبد المطلب بتندوف، على دور المجتمع المدني في اجتثاث ظاهرة تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، معتبراً دور الجمعيات مهما للتصدي لهذه الآفة التي تحمل صفات “الحرب القذرة” التي تُدار بأمور كيدية وبوسائل مختلفة تستهدف شباب الجزائر.
ودعا إمام مسجد حمزة بن عبد المطلب إلى ضرورة التفكير في وسائل مبتكرة لمجابهة هذه الآفة، فالأساليب التقليدية المتبعة حالياً ورغم نجاعتها في بعض الحالات، إلا أن نتائجها بطيئة وضعيفة مقارنةً بتطور مجال الجريمة ولجوء المجرمين الى وسائل أكثر تطوراً، “فالحرب أصبحت أشد، وأنواع المؤثرات أصبحت أكثر، وعملية التوزيع اتخذت أساليب جديدة ونطاق أوسع من حيث الحجم والكم والفئات المستهدفة”.
في الوقت نفسه، أكد صديقي على وجود “حلقة مفقودة” في مسلسل الحرب ضد المخدرات والمؤثرات العقلية بولاية تندوف، داعياً الى ضرورة ملامسة أكثر للمدمنين، وعقد لقاءات مباشرة مع الشباب والاحتكاك بهم واقناعهم بالانخراط في مسار التغيير نحو الأفضل، مبرزاً دور المجتمع المدني المتمثل أساساً في الوقاية من الآفات من خلال دمج الشباب وحثّهم على الانخراط في الأنشطة الرياضية والثقافية التي تقوم بها الحواضن الاجتماعية.
وشدّد المتحدث على ضرورة وجود “حماية فكرية للشباب”، وبأن يكون لأهل الفكر والعمل الجمعوي حضور أكبر في حياة الشباب، والعمل على وضع سياسات توعوية ممنهجة ومدروسة بعناية للوقاية القبلية من تأثير المخدرات واستهلاكها، وتحسيس هؤلاء الشباب وعوائلهم من أن المخدرات والمؤثرات العقلية ليست مجرد استهلاك عابر، بل هي حرب لا بد لها من أدوات خاصة.
وأبرز المتحدث ضرورة الاستماع للشباب والانصات لمشاكلهم، وايلائهم اهتماما خاصا من طرف مراكز القرار المختصة بهذه الفئة، خاصةً من الناحية الاجتماعية، مشاورةً ومشاركةً وتوظيفاً، من خلال اعتماد آلية لتطوير الحوار مع الشباب في مختلف فعاليات المجتمع المدني، فيما أشار الإمام إلى أن حرب المخدرات هي حرب فكرية قبل أن تكون مجرد تجارة ممنوعة، فلو انتصرنا في الجانب الفكري والعقلي، لسهلت عملية القضاء على الآفة في المجتمع، فانتشار الظاهرة في المجتمع ووصولها الى مقاعد الدراسة سببها – بحسب المتحدث – عدم استخدامنا للوسائل والأسلحة اللازمة وعدم إدراكنا لصلب الأزمة ومسبّباتها.
وأضاف قائلاً: إن الشباب الجزائري لديه قابلية كبيرة للإصلاح، فهو “شباب هيّن ليّن”، يسهل التعامل معه رغم ما يظهر عليه من عصبية وجفاف في التعامل، إلا أنه شباب يتمتع بحس وطني وبوازع ديني خفي، يجعل من مهمة إرجاعه الى جادة الصواب بالكلمة اللينة وبالنصح والإرشاد ممكنة، وهذا كله يقع على عاتق الأطباء النفسانيين وأئمة المساجد والأولياء والمعلمين الذين يدركون كيفيات وأساليب التقرب من هؤلاء عبر “حديث القلب والعقل”، وهي مسائل مهمة في التعامل مع الشباب الجزائري اليوم.