كم هو صعب الكتابة عن فقيد وصديق راحل، وكم هو محزن أن نخط كلماتنا ولم تسمح لنا الظّروف بالزيارة الأخيرة، واللقاء الذي تحدّثنا عن أدق تفاصيله تلك الليلة أنا وسعاد ليفاجئني اتصالها الهاتفي سويعات بعدها بأنّ المنية قد سبقتنا، وفاضت روح بن بلة الطيبة إلى بارئها.
عرفتُ الفقيد فنيدس بن بلة منذ قرابة عشرين عاما في ميدان مهنة المتاعب، حين كنّا نغطي الزيارات الرسمية، نتقصّى الأخبار والمعلومات، ونسابق عقارب الساعة للانتهاء من صياغة مقالاتنا، وإرسالها لمؤسساتنا الإعلامية في الوقت المعلوم.
وبالرغم من أنّنا كنّا نكتب بلغتين مختلفتين، ومن مؤسستين مختلفتين كذلك، خاصة بالنسبة لي وعمومية بالنسبة له، إلا أنه لم يبخل بمعلوماته وكان يتقاسمها معي ومع كل الزملاء، والابتسامة الهادئة تلك لا تغادره، ودارت الأيام وانتقلت من القطاع الخاص الى القطاع العمومي، ومن الكتابة باللغة الفرنسية إلى التحرير بلغة الضاد، التحقت ذات الفاتح من أفريل 2012 بجريدة “الشعب”، وكان بن بلة أوّل المرحّبين بي هناك، وأول من طلب التحاقي بالقسم الوطني بعد أن عيّنت في القسم الدولي.
شغل فنيدس حينها منصب رئيس القسم الوطني ليرقى بعدها ويصبح مديرا للتحرير، ويسهر لسنوات طوال رفقة ثلة من أتربائه على إعادة البريق لأمّ الجرائد…فكان يأتي إلى المكتب قرابة العاشرة صباحا، وقبل هذا في العديد من الأيام ليغادرها بعد العاشرة ليلا فما فوق، وينسى في الكثير من الأحيان أن لنفسه وبدنه عليه حق، وينسى حتى موعد الغداء.
كثيرة هي الذكريات التي تجمعني بفنيدس بن بلة كأخ وزميل مهنة المتاعب ومدير تحرير ورئيس مدير عام الجريدة..صديق خلوق لا يحمل الحقد لأحد، وغالبا ما يبادر بالاعتذار حين يتشاجر مع زميل، وكان محبّا لفعل الخير ومساعدة الغير، فكم من مرة استوقفني يحمل ظرفا يجمع فيه تبرعات لزميل أو زميلة في المهنة، ومن وسائل أخرى عصفت بهم الحياة.
«يا بو قلب” كلمة غالبا ما كان يردّدها حين الانفعال أو الدهشة، إضافة الى اعتزازه الشديد وفخره الكبير أنه سليل مسقط رأس الرئيس الراحل هواري بومدين والحامل لاسم الرئيس بن بلة، وكم كانت كثيرة المقالب التي كان يقوم بها في حق الكثير، الذين يوهمهم أنه قريب الرئيس الراحل بن بلة.
كان يقول دائما “حبيبة هي من ستأخذ مكاني يوما” حين يزور الجريدة أصدقاء مشتركون بيننا أو وجوه جديدة لا أعرفها، ومتى قلت له سأطلب تحويلي إلى وهران، يقول يا “بوقلب” تروحي وتخلينا..أريد أنا أيضا أن أذهب للعيش في الباهية. لقد تحوّلت للعمل والعيش في وهران، وحالت الأقدار أن نلتقي فيها ونستذكر تكوين مراسلي الغرب الذي أشرفنا عليه سويا، ونستذكر الكثير والكثير من ذكريات عشرية من العمل سويا بجريدة “الشعب”، وعشرية أخرى من الصداقة في ظل مهنة المتاعب، هي سنّة الحياة وكلّنا إليه راجعون يوما…وداعا “يا بو قلب”، ربي يرحمك بن بلة ويغفر لك ولنا ويحسن مثواك يا رب.