قد تخونني الكلمات في هذا المقام للحديث عن فاجعة التحاق الأخ والزميل فنيدس بن بلة بالرفيق الأعلى، لكن مبادئه وخصاله تحتّم علينا أن نستذكر ولو القليل منها، وهو ما أعتبره واجبا منّا نحو فقيد المهنة وفقيد جريدة “الشعب” بالدرجة الأولى، ونحو زميل كانت تربطنا به علاقة احترام ومودّة.
سأتحدّث عن فنيدس بن بلة الصحفي، قبل أن أتحدّث عن فنيدس الإنسان والزميل، فحين التحاقي بجريدة “الشعب” سنة 2004، وجدته صحفيا بالقسم الوطني، وكان من بين أول الصحفيين الذين تقرّبوا مني للاستفسار عن أحوالي كصحفية مبتدئة، وكيف وجدت مهنة المتاعب، ماذا يجب أن أفعل وأن لا أفعل في هذا الميدان، حديث يومي لم يكن يخلو من النصائح التي كان يقدمها لي (دون أن أطلب منه ذلك)، وبعد أيام فقط من تعرّفي على فنيدس بن بلة الصحفي، وجدتني أقف أمام شخصية أخرى كانت تختفي وراء هذا الرجل الإعلامي المحنّك، فنيدس بن بلة الإنسان، الرّجل الصادق والهادئ والمتسامح، الذي لم أر أبدا الابتسامة تفارق محياه والدعابة حديثه.
كنتُ أعلم بمرضك، لكن لم أكن أتوقّع أن يأخذك بهذه السرعة وفي صمت رهيب، حتى أن مرضك مررته في هدوء، ورحلت إلى العالم الآخر أيضا في هدوء كما عهدناك، لتترك خلفك ميزاتك التي اتّصفت بها دوما، ربما أطلت السؤال عن أحوالك وصحتك هاتفيا لكنني كنت أسأل عنك بعض زملائنا، الذين كانوا في كل مرة يؤكّدون أن صحتك بخير وتتعافى من مرضك تدريجيا، ولذلك أفجعني خبر رحيلك، حيث كانت أوّل رسالة هاتفية أتلقاها صباح ذاك الأحد المؤلم “صباح الخير هدى، فنيدس مات”، ويا لها من رسالة مفجعة غير متوقّعة.
الأستاذ الرّاحل فنيدس كما عرفته صحفيا، هو نفسه رئيس قسم، ورئيس تحرير ومديرا للجريدة، لم تتغيّر صفاته التي عهدناها عليه ولم يمارس أي سلطة علينا، بل على العكس من ذلك كانت أبواب رئاسة التحرير مفتوحة على مصراعيها لاستقبالنا واستقبال أعمالنا..أعمالنا التي وإن أراد أن يحدث فيها تغييرا إلا وناقشنا فيها إما أن نقتنع نحن أو يقتنع هو بتوجّهاتنا وأفكارنا، وترسل بعدها إلى النشر بابتسامته المعهودة.
ليست كلمات مجاملة في حق شخص غادرنا إلى مثواه الأخير، بل هي كلمة صدق في حق زميل وأخ لم أر منه طيلة عملي معه بجريدة “الشعب” التي ناهزت 15 سنة قبل أن يُحال على التقاعد، ما يسوء، “مرحبا دكتور” أو “مرحبا دكتورة” كلمة كنت أسمعها دائما على لسان فنيدس حين يلقي التحية على كل من يلتقيه وهي سمة احترام منه لكل عامل بالجريدة.. دكتورنا الراحل فنيدس بن بلة قد لا نفيك حقّك بهذه الكلمات التي لم أكن أتوقّع أن أكتبها عاجلا، لكنها مشيئة الله ولا راد لقضائه، مصاب جلل وما عسانا في الأخير إلا أن نقول رحمك الله أيّها الإنسان الهادئ والإعلامي المحنّك والزميل الطيب، طيّب الله ثراك وجعلك في عليّين مع الصديقين والأنبياء..فرحم الله من مات وترك وراءه الأثر الطيب.