الرجل البهي الحيي حد الخجل ضاع منا وارتحل دون سابق إنذار ولا إعذار، ولا عتب عليه فما يملك لنفسه ولا لنا شيئا أمام خطب الرزية ووقع البلية.. فجعتني يا أخي فنيدس وعهدي بك وديعا، عطوفا دافئ الصوت كلما طلبتك على الهاتف أتفقد أحوالك.. تسعد بي وتحتفي.. نتكلم ولا نحس بما مضى من وقت مهما طال..
أذكر سماحة محياك وأنت مديرا للتحرير في “الشعب”، حين زرتك بمقر العمل فطفت بي الأقسام والمكاتب كلها، ولمست في عيون الصحفيين والتقنيين والأعوان الإداريين محبتهم لك وتقديرهم الجم للشخص قبل المسؤول..
أتذكر حضورك الدائم في كل ساعة من ساعات النهار، وجزءا من الليل حتى إنني أشبهك بالراحل الآخر، عمر أورتيلان..
حدث عدة مرات أن أوافيك ببيانات صحفية في الثامنة والتاسعة ليلا وأناديك لتأكيد الوصول والاستلام فأجدك مازلت مرابضا، مرابطا في مكتبك.. تقول لي يجب السهر على الصغيرة والكبيرة.. كنت فائق الحس بالمسؤولية.. في تلك الصحيفة التي احتضنتك شابا يافعا ورفعتك في ظروف خاصة، تاجا فوق رأسها.. مديرا لها بالنيابة حتى ناب عنك من أتى من بعدك.. وعكفت انت في بيتك تنشد استراحة المكافح ولكن الأقدار شاءت ان تبتلى بمرضك، الذي صارعته حتى غلبك، وما جرأت يوما أن أسألك عن طبيعته، فقد آثرت أنت أن يظل طي الكتمان بين أضلعك تداريه كما تعرف كيف تداري كثيرا من المواجع الأخرى التي كانت تعصر قلبك، تحدثني عن بعض منها على استحياء وتفوض دائما الله أن يتولى المقادير..
وقد اكتشفت اليوم، وأنا حاضر في جوار قبرك ننتظر أن نضعك في مرقدك الأبدي، من خلال افضاءات أصدقاء زملاء لنا وجيران بعض تلك المواجع التي كنت تداريها..!
لقد جاء إلى جنازتك ثلة من أبناء “الشعب” وثلة من أبناء الشعب.. جيرانك الطيبين البسطاء من حي 720 مسكن بعين النعجة.. وأكرم بهم وفادة!
لقد جمعتنا طيبتك أيها الطيب بعد فراق السنين ودروب الحياة.. جمعتنا وأنت ميت لنفرح فرح لقاء الأحبة بعد عهود، ولكن لنبكيك في لقاء فراقك وتلك هي المفارقة!؟..
نم قرير العين أخي فنيدس بن بلة، فقد ظفرت بحب كل من عرفك عن قرب وعسى أن تكون هذه الكلمات نبراسا حتى يعرفك من لم يحظ بمعرفتك.
إلى اللقاء أيها الرجل البهي الحيي.. فنحن، كما تعلم نموت لنحيا.. في تلك الدار الباقية..
الهاشمي نوري / إعلامي