صرّح مدير تحرير مجلة “عصافير” الموجهة للأطفال، حركاتي لعمامرة، أنّ السّاحة الأدبية العربية تحتضن قوائم كثيرة لكتّاب أبدعوا في تقديم نصوص شعرية وقصصية وأعمال مسرحية وتشكيلية وإنشاد، لكن أغلب تلك الثلة من الكتاب والمبدعين الذين تخصصوا في الكتابة للطفل، يعيشون على الهامش رغم منتوجهم الجدير بالاستحسان والذي طاله الاجحاف.
اعتبر لعمامرة في حديث مع “الشعب”، أنّ الطفل يكون أكثر نشاطا فكريا وعقليا في هذه المرحلة بالذات، حيث تكون نسبة الاستيعاب في هذا السًن في أحسن حالاتها، وعلى هذا تجد أغلب العائلات توجه أبناءها إلى التنشئة السليمة قبيل الالتحاق بمقاعد الدراسة، فكان الطفل في الكتاب يتلقى تعليما قرآنيا على زماننا، أما الآن فقد ظهر التعليم التحضيري الذي ساهم كثيرا في بناء تعلم الصغار، ومن هنا يبدأ البناء الفعلي لشخصية الطفل الذي أصبح في وقتنا هذا يتلقى يوميا كما من المعلومات يعادل مئات المرات ما تلقاه أطفال الأجيال السابقة التي تربت على قصص وحكايات الجدة في غياب الأجهزة العصرية والمتطورة، مضيفا أنّ القراءة والمطالعة تلعب في ذلك كبير الأثر، ونستطيع إدراج ما يتلقاه الطفل من الاعمال القابلة للقراءة اصطلاحا تحت تسمية أدب الطفل.
أدب واحد رغم تباين الأشكال
أوضح محدّثنا أنّ الأدب واحدٌ رغم تباين أشكاله وجمهوره، فهو أحد دروب الجمال، كما أنه يُعنى بإثارة أحاسيسنا ومشاعرنا وملكاتنا النقدية وخيالنا الخلَّاق، مبرزا أنّ هناك هانز كريستيان أندرسن، أديب الأطفال الذي قدّم أعمالاً تبلغ من العمق والجمال ما جعلها خالدة خلود أدب الكبار، كما اعترف بذلك كتّاب كبار، منهم الروسي ليف تولوستوي.
وأضاف أنّ قصة “الملك العاري” مثلاً تنفتح على عالم السلطة، فتعريه وتكشفه بروح الطفل اللاعبة العميقة، وكذلك رواية “الأمير الصغير” للفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري، التي تشكل عرضاً لعالم الإنسان بعين طفل وروحه الممتلئة براءة وحيوية، ولا ننسى حكايات “كليلة ودمنة” التي ارتحلت من عالم الملوك الكبار لتكون لبنة أساسية في عالم الأطفال الرحب، معلنة بذلك تماهي الحدود الجمالية بين الكبار والصغار، وها هو فيدور ميخائيلوفيتش دوستويفسكي، سيد الرواية العالمية يقول إنه يكلم الأطفال في كل همومه الفكرية الفلسفية العميقة من دون أن يخفي شيئاً عنهم، لكنه يستخدم لغة الحس أكثر من اللغة المجردة وهم يفهمونه مثل الكبار، إن لم يكن أكثر.
أقلام لم تجد صدى
أكّد محدّثنا أنه من الخطأ أن نجزم في حق بعض ممّن كتبوا للطفل أنهم نزلوا بالفعل إلى مستواه، قائلا: “هم كتبوا أصلا نصوصهم بروح ذلك الطفل الذي يسكن داخلنا ولا يفارقنا، وبالتالي تم الترويج لتلك الأعمال رغم عدم إيفائها للمحتوى المطلوب، في حين تحفل الساحة الأدبية العربية بكُتَّاب تفنّنوا في عرض نصوصهم الشعرية أو القصصية، إضافة إلى أعمال مسرحية وتشكيلية وإنشاد، لكن أغلب هؤلاء الكتاب والمبدعين الذين تخصصوا في الكتابة للطفل يعيشون إجحافا كبيرا من لدن بعض النقاد والمسؤولين على قطاع الثقافة والإعلام، وهو ما يجعل أعمالهم لا تصل إلى الطفل رجل المستقبل، ذلك أن الصمت الجماعي والإقصاء البريء يلعب دورا كبيرا في حرمان عدد كبير من القراء الصغار من الاطلاع على جديدهم”.
وأشار القاص إلى أنّ أدب الطفل لا يهدف إلى محاكاة المجتمع الخارجي، ولا نقل معلومات وقيم وأخلاقيات من الشبكة الاجتماعية الرتيبة، بل هو تعبير عن مختلجات مخزّنة في العقل اللاواعي، ويستحيل أن نميز نصوصا كتبت من وعي حالم للكبار من تلك التي يكتبها أبناؤنا في المدارس والمتوسطات.
وأضاف حركاتي أنه ظهرت كوكبة من الأطفال الكتاب بفضل الوعي الحاصل لدى الآباء والأمهات، ونتيجة الدور الكبير الذي لعبته المدرسة بجهود معلميها الأكفاء ودور المؤسسات الحاضنة لمثل هؤلاء، غير أن الموهبة طبعا تلعب الدور الأساس في ظهور أسماء ما كانت لتظهر لولا الوسائط الحديثة التي أسهمت كثيرا في ثورة كبيرة في عالم الكتابة للطفل، والتي تبقى وتظل محل وموضوع نقاش مفتوح لأنه شائق وهام في نفس الآن، ويبقى الطفل سيدا في هذا المجال لأنه هو الحكم الأول والأخير، على حد قول محدثنا.
وفي سياق متصل، تحدّث القاص حركاتي عن معالم أدب الطفل في الجزائر، مؤكّدا بقوله “بأنها كثيرة هي الأسماء التي كتبت للطفل في الجزائر، وحتى لا أظلم أحدا فإنّني لا أستطيع وضع إحصاء حقيقي لعدد الكتاب الذين أسهموا في هذا الميدان، فهذه الأستاذة الكبيرة جميلة زنير وأيام الحديقة الساحرة والشاعر الجزائري الكبير محمد الأخضر السائحي الذي ترك مجموعة كبيرة من الأناشيد للطفل، تلاهما جمهور كبير من الكتاب والشعراء الذين أسهموا كثيرا في هذا الميدان، لكن الواقع يثبت أن هذا العدد الكبير لم يجد له هيكلا ينظّمه، ولا هيئة يلتئم شملها تحت لوائها، ممّا أثار إجحافا كبيرا في حق من أسهموا في هذا الميدان”.
وأضاف “ها هي تكنولوجيا التواصل الاجتماعي، تبرز لنا أسماء وجب على المشرفين على قطاع الثقافة والتربية أن تتيح لهم الفرصة، لتقديم نتاجهم من أجل ثقافة طفل متعددة المشارب، في واقع يشهد خواء كبيرا للأسف الشديد”.