تميزت العلاقات الثنائية بين الجزائر وروسيا، على امتداد ستة عقود، بالتعاون المتواصل و الثقة المتبادلة والشراكة الاستراتيجية وهي أسس ستعطيها زيارة الدولة التي يقوم بها ابتداء من اليوم الثلاثاء، رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى موسكو دفعا جديدا في خدمة البلدين الصديقين.
تأتي زيارة الرئيس تبون لفيدرالية روسيا التي تدوم ثلاثة أيام، بدعوة من نظيره الروسي، فلاديمير بوتين ، في إطار تعزيز التعاون بين البلدين الصديقين. وخلال هذه الزيارة، سيشارك رئيس الجمهورية في أشغال المنتدى الاقتصادي الدولي بسان بطرسبورغ.
وتوطدت العلاقات بين البلدين، اللذين وقعا سنة 2001 إعلان حول الشراكة الاستراتيجية، منذ انتخاب الرئيس تبون وذلك من خلال الإتصال والتشاور المتواصل بين قائدي البلدين و زيارات مسؤولين سياسيين وعدة وفود برلمانية واقتصادية.
واتسمت العلاقات بين الجزائر وموسكو في السنوات الأخيرة بالكثافة والديناميكية وبدرجة عالية من التشاور حيث ظل الحوار بين البلدين نشطا لاسيما في قضايا دولية واقليمية وتترجمها الاتصالات الهاتفية المتكررة بين الرئيس تبون ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، حيث كانت هذه الاتصالات بمثابة فرصة لتبادل الرؤى حول الوضع الدولي وملفات اقليمية الى جانب أفاق التعاون الطاقوي.
كما اتفق الرئيسان بمناسبة هذه الاتصالات على أهمية تبادل الزيارات الرفيعة المستوى، وهو ما تجسد فعلا على غرار زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف إلى الجزائر في ماي 2022 حيث اكد خلالها، عزم البلدين على تعزيز تعاونهما من خلال التوقيع على وثيقة جديدة تكون أساسا للعلاقات الثنائية، إضافة إلى الزيارات المتبادلة لمسؤولين عسكريين.
وشاركت الجزائر في نوفمبر 2021 بالمملكة العربية السعودية، في أشغال اجتماع مجموعة الرؤية والاستراتيجية “روسيا والعالم الاسلامي” كما شاركت أيضا في 2022 في اشغال الدورة ال12 لهذه المجموعة بمدينة كازان، عاصمة جمهورية تتارستان.
وقامت رئيسة المجلس الفيدرالي للجمعية الفيدرالية لروسيا فالنتينا ماتفيينكو في مارس الماضي بزيارة الى الجزائر ،أكدت خلالها تأييد بلادها لرغبة الجزائر في الانضمام الى مجموعة “البريكس”، معتبرة ان الجزائر شريك موثوق ومهم جدا على مستوى القارة الإفريقية.
وفي سنة 2022 تم تنصيب مجموعتين برلمانيتين للصداقة الجزائر-روسيا على مستوى غرفتي البرلمان والتي تعد لبنة جديدة في دعم التعاون بين البلدين.
روسيا تدعم دور الجزائر المتوازن في القضايا الدولية والاقليمية
وعلى غرار العديد من العواصم، والهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية والقارية، ظلت روسيا من أبرز الدول الداعمة للجهود الدبلوماسية للجزائر ودورها الريادي في حل القضايا الدولية والاقليمية عن طريق الحلول السلمية وتشجيع الحوار، وتجلى هذا الدعم بإشادة موسكو في اكثر من مناسبة بجهود الدبلوماسية الجزائرية بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون لحل العديد من الازمات على غرار ازمة ليبيا التي تحرص فيها الجزائر على وحدة وسيادة هذا البلد.
كما اكدت موسكو في أكثر من مرة تطابق مواقف البلدين بخصوص العديد من القضايا والنزاعات لاسيما القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية التي يدعم فيها البلدان حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفق ما تقره الشرعية الدولية.
وفي هذا الاطار، أكد الرئيس الروسي، في 5 فبراير 2020 ، دعم بلاده للخط المتوازن الذي تتبعه الجزائر في الشؤون الدولية والإقليمية، مبرزا بالمناسبة انه يرى آفاقا جيدة لتعزيز التعاون والتنسيق الاقتصادي والعسكري- التقني من أجل تعزيز الاستقرار والأمن في شمال إفريقيا ومنطقة الصحراء والساحل.
وفي نفس السياق رحبت موسكو في 14 أكتوبر الفارط، بإعلان الجزائر المنبثق عن مؤتمر لم الشمل من اجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية الذي انعقد بالجزائر تحت اشراف الرئيس تبون ، كما أشادت بدور الجزائر في إبرام هذا الاتفاق الذي يفتح الطريق امام تحقيق الوحدة الفلسطينية.
كما ثمنت روسيا مخرجات القمة العربية ال31 المنعقدة في الجزائر مطلع نوفمبر الفارط، مؤكدة وجود تقارب بين مخرجات هذه القمة ووجهة نظر موسكو، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
ومؤخرا هنأت روسيا الجزائر على انتخابها عضو غير دائم في مجلس الأمن للأمم المتحدة وأكدت أن هذا الحدث له أهمية كبيرة بالنسبة للدول العربية والقارة الافريقية وكل العالم، لافتة إلى زيادة الوزن الدبلوماسي والاقتصادي للجزائر في عالم متعدد الأقطاب، سريع التغير، وكذلك جهودها لدعم السلام والأمن والعمل الهائل الذي تقوم به في سياق حل الأزمات في مالي وليبيا.
وفي الشق الاقتصادي ،تنتظر الجزائر وروسيا العديد من فرص التعاون والشراكة الاقتصادية الجديدة الواعدة في مجالات مختلفة، خاصة في اعقاب الزيارات المتبادلة لرجال أعمال البلدين ومشاركتهم في العديد من المعارض والتظاهرات التي أقيمت بالجزائر وروسيا وما شكلته من فرصة للجانبين لبحث فرص الشراكة والاستثمار في عديد المجالات كصناعة السيارات والالكترونيك والصناعات الصيدلانية والفضاء الى جانب الطاقة والفلاحة وغيرها.
وكانت الدورة ال10 للجنة الحكومية المشتركة بين البلدين للتعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي والتقني عقدت اجتماعها في سبتمبر الفارط، وتم خلالها التأكيد على ضرورة تكثيف الاستثمارات المشتركة مع نقل التكنولوجيا والخبرة، لاسيما وان الجزائر قد شرعت في تنفيذ برنامج جديد للإنعاش الاقتصادي يرمي إلى استحداث اقتصاد قوي ومتنوع، خلاق للثروة والشغل، يولي أولوية لمشاريع الشراكة والاستثمار الأجنبي المباشر، مع الانفتاح على السوق الدولية خاصة في ظل الامتيازات التي توفرها الجزائر في قانون الاستثمار الجديد.