حظي الكاتب عمار قواسمية بالمرتبة الثالثة في جائزة رئيس الجمهورية “علي معاشي” عن نصّه المسرحي الذي جاء بعنوان “موت المترجم”، هذه التجربة الفريدة والمتميزة، يحدثنا عنها الكاتب من خلال هذا الحوار الذي جمعنا به عن بعض تفاصيلها وعن حيثيات النص الذي شارك به.
الشعب: بداية حدّثنا عن النّص الذي شاركت به في جائزة رئيس الجمهورية “علي معاشي”؟
الكاتب عمار قواسمية: “موت المترجِم”، نص تعليمي تثقيفي بالدرجة الأولى، ممّا يجعل الفئة المستهدفة له متخصّصة لا عامة. وأقصد بالتخصص هنا الحد المعرفي الأدنى بقضايا الأدب العربي وفنونه. وأهدف من خلال كتابة هذا النص إلى نقل العلوم والمعارف والتعريف بها في قالب مسرحي مُبسّط يُتيح المعلومة أمام الجميع دون استثناء.
هل يمكن أن نتخيّل عالما بلا ترجمة أو مترجمين؟ تخيل مثلا أن الأعمال الأدبية العالمية المشهورة لم تُترجم! تخيّل أن هذه الأعمال ظلت حبيسة لغاتها وثقافاتها فقط! تخيّل مثلا أنّ “سندريلا” أو “روميو وجولييت” لم تترجما إلى العربية؟ ثم تخيّل أن القرآن الكريم اقتصر على القارئ العربي فقط، ولم تنقل معانيه إلى باقي اللغات.
إنّ للترجمة فضل على جل الآداب والعلوم العالمية إن لم نقل كلها، ويتمثل هذا الفضل أساسا في منح هذه الآداب والعلوم مرئية أكبر ومقروئية أشمل لدى جمهور القراء..وقد قالوا قديما: عمل غير مترجم هو عمل نصف نشور.
من هذا المنطلق، كتبت نَصِّي الذي أطرح فيه فكرة أن نتخيل عالَمًا بلا ترجمة أو مترجمين..
لِـمَ اخترتَ فئة “النص المسرحي المكتوب” بالتحديد؟
بِصراحة، الكِتابَة هواية ومهارة أعمل على صَقلِهما، والمسرح ليس تخصّصي. لذلك، عندما قرّرت المشاركة اختَرت الجِنس الأدبي الذي يناسب مهارتي: والنص المسرحي يقوم على فكرة، نجسّدها في حوار بين شخوص المسرحية، بخَلق صراع فيها يَفضي إلى حل العقدة بما قد يتوقعه القارئ / المُشاهِد أو بما لا يتوقعه تماما. وفي خضم كل هذه المراحل، ينسج الكاتب حبكة تكون على قدر كبير من الإقناع، وإلا كان مصير نصه التخلي عن قراءته أو الانصراف عن مشاهدته إن كان مجسّدا على الرّكح.
أذكر أنّني كتبتُ أوّل نص، وأتحفّظ هنا على مُصطلَح “نص”، عندما كان سِنِّي 12، أي في السنة السادسة من التعليم الأساسي..كان عُنوان المسرحية “أبي أُمّي”، مِن ثلاثة مَشاهد فقط؛ بِحكم ذخيرتي اللغوية المحدودة آنذاك. والعنوان مُكَوَّن من مُبتدَأ “أبي” وخَبَر “أُمِّي” من الأميَّة أي الجَهل، وليس كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة أن العنوان يجمع الوالِدَين “الأب” و«الأم”. وكان موضوع المسرحية إثبات أن المدرسة الحقيقية هي الحياة؛ فأبي الذي لم تسمح له الظروف بأن يُكمِلَ دراسَته هو ذاتهُ الأب الذي كان يَجد حلولا لمشاكلنا، ويسعى إلى أن نتغلّب عليها ونتجاوزها، نحن الذين نزعم أنّنا تعلمنا ونِلنا كل الشّهادات العلمية الممكنة ـ وقد نالت المسرحية استحسان المعلِّمين آنذاك، لكنها لم تُجَسَّد على الخَشَبَة؛ بحكم الظروف والوقت المُتاح، مُحاوَلتي الثانية كانت في الطور المتوسط، حيث كان عُنوان المسرحية “إعدامُ صَدام حُسين”. وقد كتبتُها في مجموعة من المشاهد المتدرجة في الأحداث حسب المعلومات التي كانت تعرضها القنوات الإخبارية آنذاك. قدمت هذه المسرحية لأستاذة مادة اللغة العربية؛ لأنّها طلبت منا إنجاز مسرحية لمشروع الفصل الثاني. أعجبتها المسرحية كثيرًا، وطافت بها على المتوسطة جميعا تعرضها على الزملاء من باب تحفيزهم والمفاخرة بتلميذها.
ثم فكرتُ في هذه المسرحية “مَوتُ المُتَرجِم” قبل جائحة كورونا، أذكُر أنني بدأتُ تحريرها في 2018، كتبتُ بَعض مشاهِدِها، ثم توقفتُ، فبقيَت حبيسة الحاسوب إلى أن قررت المشاركة في هذه الطبعة من الجائزة، فاستخرجت المخطوط مرة أخرى، وبدأت أولا بتصحيح الجزء الأول وتنقيحه ومراجعته، ثم رتبت أفكاري الجديدة التي أردت إدراجها فيها، وكذا شَرَعتُ في تطوير الشخصيات، وإضافة أخرى، وتغيير أسمائها لتتماشي مع مَضمون المَشاهد، فأعطيتها أبعادًا ذهنية ونفسية واجتماعية تلخص مغامراتها خلال كل أطوار الصراع.
وبَعد هذا التّتويج لنَصِّي، تَحَفَّزتُ أكثر لِلمُضِيِّ قُدُمًا في الكتابة المسرحية وتطوير مهاراتي فيها، على أمل إنتاج نصوص حقيقية تَرقى إلى المستوى المطلوب.
بالعودة إلى الجائزة..ما الذي ميّز هذه الطّبعة من وجهة نظرك؟
لأوّل مرة منذ تأسيس الجائزة يُشرف رئيس الجمهورية شخصيا على تكريم الفائزين، إلى جانب كبار المسؤولين في الدولة، كرئيس أركان الجيش الوطني الشعبي والوزير الأول ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة ووزيرة الثقافة، لأوّل مرة منذ إطلاق الجائزة تُرفَع قيمَتُها المادية، لأول مرة تُشرِف وزارة الثقافة والفنون على دعم الأعمال الفائزة، سواء طباعةً أو تجسيدا، رغم أن هذا الإجراء شمل الفائزين في الطبعة السابقة أيضا، لأول مرة في تاريخ الجائزة، يفوز ثلاثة مترشحين فقط في كل فئة، بعد أن شهدت الطّبعات السابقة وَسم “مُكَرَّر” في بعض المراكز، أو جائزة تشجيعية لعمل ما.
كيف حرصت على الالتزام بالمعايير المطلوبة لتقديم نص يستحق ترتيبا في جائزة رئيس الجمهورية “علي معاشي”؟
ليس هناك تصريح واضح بمعايير التحكيم، وإنما يتعلق التحكيم بذائقة اللجنة ورؤيتها، والعاقل هو من يبحث عن هذه الذائقة والرؤية ليُضَمِّنها في نصه دون الإخلال بأسلوبه وذائقته ورؤيته، يُمكِن للمترشح أيضا أن يبحث عن الأعمال السابقة الفائزة، ويدرسها دراسة نقدية تفضي إلى تعريفه بأسباب نجاح هذه الأعمال دون غيرها.
ألا ترى أنّ مرافقة المتوّجين بمثل هذه الجوائز ضروري؟! وما الذي تقترحه لتفعيل ذلك؟
نعم، المرافقة ضرورية بعد التتويج، فلا يجب أن تنتهي رحلة الإبداع بمجرد أن يُتَوَّج المبدِع مَرَّةً أو عِدة مَرات، في مِثل هذا الوقت من العام الفارط، فزت بجائزة “ترجمان العرب” في مصر، ولم يثنن هذا الفوز عن مواصلة الإبداع، فواصلت الترجمة والكتابة إلى أن تُوِّجتُ هذه السنة بجائزة أخرى. إذَن، المرافقة لا تكون من جهات ومؤسسات رسمية فقط، بل إن المبدع قد يرافق إبداعه ويصادق طموحه، وهذا ما يعطي للحياةِ حلاوَتَها. أقترح أن تتبنّى الجهات المعنية إبداعات المتوَّجين، وأن يؤطّرهم أصحاب الخبرة وذوو الباع الطويل في تخصّصاتهم، وبهذا فقط نضمن مواصلتهم للإبداع والتميز.
حدّثنا عن واقع المشهد الثّقافي الشبابي، كيف هي حاله اليوم؟
الإجابة المُختصرة: واعد..الإجابة المُفصّلة: قد تحرّك المشهد الثقافي الشبابي بعد أن شهد ركودا مخيفا؛ وهذا طبعا يعود إلى المحاولات الجادة من أهل التخصص لتحريك المشهد الثقافي بتكثيف النشاطات واستحداث الجمعيات، وتشجيع الفعل القرائي والكتابي وإطلاق المبادرات وتأسيس المسابقات. الشاب اليوم يَكتب القصة والمسرحية والرواية وينظم الشّعر ويرسم ويشكّل، ويصمّم ويصوّر وينتج ويخرج، ويساهم في كل ضروب الفن الإنساني.
لقد تعرّفت في حفل التكريم على طاقات شبانية رائعة، ملؤها العزم والحزم، ولها مشاريع لو قُدِّرَ لها التجسيد لانتقلت بالفن في بلادنا إلى مستويات عُليَا. وفي هذا الصدد، أشير إلى أنّنا التَقَينا في أيام التكريم بالسيد عبد الرؤوف سايغي، وهو عضو المجلس الأعلى للشباب ومؤسس حاضنة الأعمال إينواست كومباني، الذي أشاد بتتويجنا واعتبرهُ بداية الطريق لمزيد من الإبداع، كما أنه شجعنا على الاستمرارية والتواصل.
عرفناك سابقا مترجمًا، واليوم عرفنا عمار قواسمية الكاتب المسرحي، ما الذي تطمح لتحقيقه؟ وما مشاريعك المستقبلية؟
أعمل في الفترة الراهنة على ترجمة كتب هي أسفار عظيمة أُلِّفَت باللغة الإنجليزية عن ثقافتنا وإرثنا العربيين والإسلاميين. نقل هذه الكتب إلى العَرَبِيَّة هو إثراء للمكتبة العربية وتثقيف للعربي ومحافظة على إرثه وموروثه، شرعت أيضا في كتابة نَص مسرحي جديد، أهدف من خلاله إلى تعميم استعمال العربية والعمل على ازدهارها. وهذا هو أدبي ودأبي منذ مُدَّة: يجب أن نخدم لغتنا ونعمل على تعميمها ووضعها في مكانتها الحَقة كما كانت لغة كونية في أزمنة غابِرَة عندما كانت اللغة اللاتينية تقترض المصطلح العِلمي منها، علَى أمَل أن أُجَسِّدَ قَولي الذي طالَما تَغَنَّيتُ به:
وَقَبلَ أن يَفنَى مِنكَ الجِسمُ
احـرص أن يَحيا بَعدَكَ الاسمُ.