ليس من السّهل أن تحظى باعتراف من رجل بمستوى الرئيس فلاديمير بوتين، فهو يصنع ملحمة إنسانية جديدة، ويعبّر صراحة عن مواقف صارمة تجاه المدّ العولمي ومخلفاته الشاذة، وهو صاحب كلمة لها وزنها في المحفل الدّولي، ولديه الرّدود المفحمة الدامغة على كل محاولات النيل من بلاده، ويكفي أن بعض قدماء الكولونياليين فكّروا (مجرد تفكير) في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، فجاءهم الرّد القاصم سريعا، وأبطل ما سحروا به أعين الناس، ليجدوا أنفسهم يتعاملون بـ»الروبل»، وهم صاغرون..
وليس مستغربا أن تترفّع روسيا عن عروض الوساطات في الحرب، فقد تعدّدت العروض، ومنها ما لقي الرّفض اللّين اللطيف، ومنها ما فرض استعمال الطاولة ذات الطول المبهر، كما كانت الحال مع «الماكرين» جميعا، ولم تختلف الحال سوى مع العرض الجزائري الذي قوبل بالترحاب، بل إن الرئيس بوتين قال بالحرف الواحد: نحن نحبّ الشّعب الجزائري..
ولعل يكون واضحا أن التّرحاب الروسي لم يأت من فراغ، وإنما تأسس على التاريخ الجزائري المعطّر بالمواقف الرافضة للظلم، المدافعة عن القيم الإنسانية النبيلة، تماما مثلما تأسس على المصداقية والموثوقية والعدالة التي تتمتع بها الجزائر في محفل الأمم، وهذا نفخر به كجزائريين تحمّلوا أمانة الشهداء الأبرار، وظلوا على عهدهم ووعدهم لا ينتصرون إلا لـ»الإنسان»، دون تمييز ولا محاباة، ولا رغبة في قضاء مصلحة ضيّقة..
ولا نغالي إذا قلنا إن الجزائر ظلت على مدى تاريخها كعبة للأحرار، وملاذا للمستضعفين، وحصنا منيعا للقيم الإنسانية العليا؛ فليس مستغربا إذن أن تلقى القبول من الصالحين في العالم، وليس مستغربا أن يعترف الرئيس بوتين بأن الرئيس تبون «زعيم يحترم مصالحه الوطنية».. ما هي «الزّعامة» إن لم تكن العدل الجزائري الخالص، وما هي «الزعامة» إن لم تكن أمجاد الجزائريين؟!