يرى الخبير الاستشاري الدولي والدبلوماسي السابق الدكتور جمال الدين جاب الله، أنّ وضع استراتيجية وطنية للوقاية والحد من أخطار الكوارث ضرورة حتمية لا مفر منها، نظرا لتسارع وتيرة الكوارث نتيجة التغيرات المناخية (فيضانات، زلازل، جفاف، انزلاقات تربة..ألخ)، وقال في حواره مع “الشعب” إنه لذلك لابد من وضع استراتيجية وطنية واضحة المعالم، تتبعها الخطة الوطنية لتنفيذ الاستراتيجية، تتضمن المشاريع والبرامج الواجب اتخاذها”.
الشعب: كيف تقرأون تعليمات رئيس الجمهورية الداعية لإيلاء أهمية قصوى للعمليات الاستباقية واليقظة الدائمة في مجابهة أخطار الكوارث، وتحيين قوائم التدخل كل 6 أشهر؟
الدكتور جمال الدين جاب الله: تعليمات رئيس الجمهورية مهمة، إذ لابد من توفير احتياطي لوجيستي وفق مخطط للتدخل السريع، مهما كانت الكارثة، والقيام بعمليات افتراضية لمحاكاة هذه الظواهر، مثلا حصر الإمكانيات المادية والبشرية سواء على المستوى المركزي أو المحلي، ودراسة كل ظواهر الكوارث من فيضانات، زلازل، انزلاقات تربة، حتى في الجفاف لأنها كارثة وطنية.
إذن المخططات لابد أن تكون جاهزة، والاحتياطي اللوجيستي موجود للتدخل عند وقوع الكارثة، وبسرعة كبيرة للتقليل من الأضرار.
هل ترى أنّه آن الآوان لوضع استراتيجية وطنية واضحة المعالم وقابلة للتنفيذ الميداني، للارتقاء بمنظومة الوقاية من الأخطار الكبرى؟!
وضع استراتيجية وطنية ضرورة حتمية لا مفر منها، نظرا لتسارع وتيرة الكوارث نتيجة التغيرات المناخية (فيضانات، زلازل، جفاف، انزلاقات تربة..إلخ)، لذلك لابد في البداية من وضع استراتيجية وطنية واضحة المعالم، تتبعها الخطة الوطنية لتنفيذ الاستراتيجية، تتضمن المشاريع والبرامج الواجب اتخاذها.
هذه البرامج والخطط يجب أن تكون مفصلة تفصيلا كاملا، بحيث تتكلم عن التمويل الاحتياطي أثناء حدوث الكوارث وسرعة التدخل، التأهب في ذلك الوقت، وحصر الإمكانيات وتقويتها بحيث يكون التدخل فعالا، وبالتالي العمل بمنظومة كاملة متكاملة تشترك فيها جميع القطاعات المعنية بالدولة، وكذلك السلطات المعنية والمجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، يتم تنفيذها على أرض الواقع، ويتم إحداث آلية للمراقبة والتقييم والمساءلة، وهذه أشياء لابد منها، لنصل إلى التنفيذ الحقيقي لمخرجات مؤتمر “سينداي”.
وهل أحدثت الجزائر التّنسيق والتعاون اللاّزمين لتنفيذ مخرجات مؤتمر “سينداي”؟
أود الإشارة إلى أنّه تمّ عقد اجتماع تقييمي في نوفمبر 2015 بين مكتب الأمم المتحدة الإقليمي للحد من مخاطر الكوارث وجامعة الدول العربية، حول ضرورة التماشي مع إطار “سينداي” للحد من مخاطر الكوارث، وخلص الاجتماع إلى تحديث الاستراتيجية العربية لتتماشى مع أولويات إطار “سينداي”، وكما تعملون إطار “سينداي” له أربع أولويات هي فهم مخاطر الكوارث، الثانية تعزيز حوكمة الحد من المخاطر، وهنا يأتي الحديث عن اللوائح والتشريعات وتعزيز المسائلة والمحاسبة، وإقامة منتديات محلية وإقليمية عابرة للقطاعات للحد من مخاطر الكوارث، أما الأولوية الثالثة هي الاستثمار في مجال الحد من مخاطر الكوارث.
في حين الأولوية الرابعة تعزيز التأهب لإعادة البناء بشكل أفضل وهذا يتطلب القدرة على الصمود وتحديث خطط التأهب وقواعد البيانات عند حدوث أي كارثة، وبالتالي هذا ينطبق على الجزائر التي تقوم بالتنسيق والتعاون مع الجهات الدولية المعنية وخاصة الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث ومع المنظمات الإقليمية، من شأن هذا التعاون أن يضفي إلى وضع خطة وطنية تتماشى مع إطار سينداي وبالتالي خطة متكاملة تأخذ جميع القضايا الناشئة والجديدة بما فيها التغيرات المناخية، وبالتالي تكوين لجنة وطنية تشمل جميع قطاعات المعنية بما في ذلك السلطات المحلية والمجتمع المدني وجميع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وبهذه الطريقة يمكن أن نشمل تعزيز حوكمة الحد من المخاطر وكذلك فيما يخص التشريعات التي لابد من إعادة النظر في القانون الحالي حتى يشمل القضايا الجديدة والناشئة في هذا المجال.
ما هي بنظركم الآليات الكفيلة بالتصدي والوقاية من مخاطر الكوارث الطّبيعية، الواجب اعتمادها في القانون الجديد للتّكيّف مع التّغيّرات المتعدّدة؟
كل القوانين في العالم مع مرور يجب تحيينها مع الوقائع، والتكيف مع المستجدات الناشئة والجديدة، وبالتالي إذا رجعنا إلى 2015 على المستوى الدولي كانت محطة أساسية في عمل الأمم المتحدة، حيث شهد هذا العام ثلاث محطات أساسية، الأولى تتعلق بمؤتمر “سينداي” للحد من مخاطر الكوارث والذي عقد في 2015، وكذلك اتفاقية باريس لتغيرات المناخ، وكذلك اعتماد الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة، وعليه القانون الحالي لابد أن يأخذ بعين الاعتبار هذه المحطات الأساسية الثلاثة، لأنها تتشابك مع بعضها ولا يمكن فصلها عن بعض.
الجزائر بحاجة لإعادة النظر في القانون الحالي على الرغم من أنه قانون جيد ووضع بشكل أفضل، ولكن يجب إدخال القضايا الجديدة والناشئة، من خلال وضع آليات جديدة تأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية وتأثيراتها، والغايات والأهداف المتعلقة بالكوارث وهي مترابطة مع بعضها، وكذلك مخرجات مؤتمر “سينداي”، وتضع خطة متكاملة ومندمجة للوقاية من المخاطر الكبرى وتسيير الكوارث، في إطار التنمية المستدامة الشاملة.
هذا كفيل بوضع آليات جديدة بإمكانها التصدي والوقاية من المخاطر والكوارث الطبيعية، وأظن وضع خطة وطنية شاملة وكذلك آليات تنفيذيها وتقييمها عند حدوث الكارثة، وإعطاء تصوّر جديد، لابد أن يأخذ بعين الاعتبار مستقبلا بشكل أفضل وواقعي وميداني، بحيث تكون محاكاة للواقع عند حدوث الكارثة.
غالبا ما يشكّل التمويل حجرة عثرة أمام تنفيذ المشاريع المتعلقة بالوقاية وتسيير الكوارث، كيف يمكن تجاوز هذا العائق، خاصة وأن الكوارث أصبحت متسارعة ومتعددة؟
كل المشاريع أو خطة يجب إيجاد لها مصادر تمويل، وبالنسبة لتنفيذ المشاريع للوقاية وتسيير الكوارث، هي مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى، وعلى السلطات العمومية توفير التمويل اللازم، لأن الكوارث تؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، وبالتالي التكلفة باهظة، ولهذا تخصيص ميزانية خاصة بالوقاية وتسيير الكوارث أمر لابد منه، هذا على المستوى المحلي، لابد من تعبئة الموارد اللازمة للوقاية وتسيير الكوارث، وكذلك هناك فرص للحصول على التمويل الخارجي، وهذا يدخل ضمن إطار التعاون الدولي من مخرجات مؤتمر “سينداي”، ويمكن تحصيل تمويل من الخارج شريطة أن يقدّم الطلب وفق تقنيات معينة حتى يتم تلبية الطلب من مؤسسات التمويل الدولية.
عربيا وإفريقيا الجزائر تقدّم دعمها لمجابهة المخاطر الكبرى، كيف تقيّم عملها لحد اليوم؟!
الجزائر تقدّم دعمها لمجابهة المخاطر عربيا وإفريقيا، وهذا ليس بجديد عليها، فهي لديها ثوابت وسياسة خارجية واضحة وخاصة مد يد العون للأصدقاء والأشقاء سواء كانوا في إفريقيا أو في البلدان العربية أو بلدان العالم لأنّ الجزائر لا تميز في هذا لأنه عمل إنساني، واستجابة للطلبات الدولية لذلك تلبي دائما النداء.
وبالتالي عمل محسوب للجزائر، وقد ظهر ذلك جليا خلال الزلزالين اللذين ضربا سوريا الشقيقة وتركيا الصديقة، وشاهدنا الدعم الذي قمته الجزائر وهو دعم سخي، وكانت سبّاقة في إرسال فرق الحماية المدنية وكذلك التبرع المالي، والجزائر تشارك أحزان الدول في الكوارث لتدعم بقوة هذا الاتجاه وهو ليس وليد اللحظة، وإنما يرجع إلى سنوات كثيرة مضت، لأنّه مبدأ راسخ في السياسة الخارجية الجزائرية والتعاون الدولي، مد يد العون للدول التي تصيبها كوارث وأزمات والجزائر معروفة في هذا الجانب، ستستمر في تقديم هذا الدعم ولها القدرة في ذلك انطلاقا من ثوابتها الوطنية.