يتعدى سقف الطموح اليوم من عملية استغلال جلود الأضاحي كقيمة اقتصادية مضافة، من خلال تثمينها كمدخلات أساسية في صناعات الجلود والنسيج، إلى استغلال النفايات الجلدية للأضاحي كثروة مهدورة، بسبب ما تستنزفه سنويا من ملايين الدينارات بفعل عملية ردمها المعقدة، في وقت يُراد من خلال هذه العملية الحصول على مواد كيماوية محلية مستوردة حاليا بنسبة مائة بالمائة، لطالما استنزفت احتياطي الصرف، أما جلود الإبل في الجنوب الكبير فمازالت غير مثمنة، حيث أن الكثير منها يرمى في الطبيعة بسبب غياب المدابغ هناك من جهة، وتعذر نقلها من جهة أخرى لعدة عوامل.
قال جابر بن سديرة، رئيس المنظمة الجزائرية للتجارة والاستثمار الاجتماعي، لـ«الشعب”، إنه “على خلاف سنوات ماضية عرفت عملية جمع جلود الأضاحي هذه السنة تحضيرات مسبقة ومكثفة، وبإشراك المهنيين والفاعلين في المجال في إطار اللجنة الوطنية المشتركة بين القطاعات المكلفة بتأطير ومتابعة حملة جمع جلود الأضاحي لسنة 2023، وبحضور ممثلي قطاعات وزارية، على غرار الصناعة والإنتاج الصيدلاني، البيئة، الشؤون الدينية، التكوين المهنى، الفلاحة والاتصال، وهذا بغية إنجاح العملية، التي يتوقع فيها جمع 2 مليوني وحدة من جلود أضاحي العيد، حيث ستُعرف النتائج الأولية بحر الأسبوع الجاري.
وكشف ذات المسؤول، أنه تم الاتفاق مع وزارة الصناعة على تثمين النفايات الجلدية، أي القطع الجلدية المتلفة، والتي تكلف عملية ردمها الخزينة العمومية الملايين سنويا، حيث يتم دفن مئات الآلاف من القطع الجلدية المهدرة سنويا.
تثمين نفايات الجلود المتلفة على مرحلتين
وبلغة الأرقام، كشف بن سديرة عن ردم 860 ألف قطعة جلدية مهدرة خلال سنة 2022، في وقت تم استرجاع 140 ألف قطعة صالحة للاستغلال فقط، حيث تم الاتفاق مع مصالح وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، بمعية اللجنة الوزارية على توجيه الجلود التالفة إلى ورشات الحرفيين، لتمكينهم من هذه الجلود على مدار السنة، ولا يقتصر الأمر فقط خلال فترة عيد الأضحى المبارك.
وأضاف، “مؤكدا أنه سيتم تثمين نفايات الجلود المتلفة على مرحلتين، أولا توجيهها إلى ورشات الحرفيين طيلة السنة وتوزيعها حسب احتياجاتهم، كما أنه مطلوب منهم اليوم التقرب من المدابغ، أو من المنظمة التي ستتكفل بانشغالات الحرفيين وسترافقهم في العملية، وهذا حسب ما اتفق عليه مع الوزارة الوصية.
أما المرحلة الثانية، تتمثل في توجيه الجلود الممزقة إلى التحويلات الصناعية وتثمينها في المصانع التي تشتغل على مدخلات الإنتاج للمواد الكيماوية والصيدلانية، حيث يمكن تثمين هذه البقايا المهدرة بإنتاج مادة الجيلاتين منها، وبذلك تتم المحافظة على البيئة وإنتاج مادة محلية من مواد أولية مجانية عكس استيرادها من الخارج، علما أنها تستورد بنسبة مئة بالمائة “.
وأشار بن سديرة في نفس السياق، إلى “أننا بذلك نهيئ المناخ للاستثمار في هذا القطاع، إذ سترافقنا مصالح وزارة الصناعة، وستمكن هذه المصانع من هذه المادة ــ الجلاتين ــ التي تستخرج من الجلود والصوف بالمجان، معلنا عن صدور أولى التقارير حول عملية جمع جلود الأضاحي بحر الأسبوع الجاري على شكل تقارير أولية، تتولى إحصاءها مديريات الصناعة عبر مختلف مناطق التراب الوطني التي داومت خلال العيد”.
وإذا اقتضى الأمر تصدر كنفايات خاصة بالجلود، إذا لم يتم استغلال فائض الجلود الممزقة، حيث ستعمل على إيجاد أسواق لها في الخارج، على غرار أوروبا وتركيا والصين.
بداية تجسيد توصيات الجلسات الخاصة بقطاع النسيج
وتحدث رئيس المنظمة عن الجلسات الخاصة بقطاع النسيج والجلود، التي أشرفت عليها وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، تحت رعاية الوزير الأول للإقلاع بهذا القطاع، حيث تم الخروج بتوصيات، بدأت تتجسد على أرض الواقع، إذ تم الاتفاق على إنشاء قطبين صناعيين لصناعة الجلود، الأول بتلمسان والثاني بولاية المدية، في إطار إقامة منطقة صناعية خاصة بالجلود، مع حتمية الذهاب نحو إنشاء مناطق صناعية متخصصة تحتوي على مصانع خاصة، ومصانع المناولة أيضا، وكل المتدخلين في العملية الإنتاجية في المنطقة، منها استغلال النفايات المتعلقة بالجلود، خاصة بعدما تم تشديد الخناق على كل ما هو مستورد اليوم في إطار كبح الواردات.
أما عن عدد المؤسسات التي تشتغل في صناعة الجلود والنسيج، فقد كشف بن سديرة عن تواجد حوالي 5000 ورشة، غير أن 80٪ منها تنشط في القطاع الموازي، مبرزا أن ثقافة التخلي عن “اقتصاد الظل” بدأت تنتشر شيئا فشيئا بفعل الجهود التي تقوم بها كل الجهات المعنية، من بينها المنظمة التي يرأسها، حيث بدأت الفكرة تتوسع اليوم لدى الصناعيين، بفضل التسهيلات التي أقرتها السلطات العليا في البلاد، على غرار الإعفاءات الضريبية التي تصل خمس سنوات، فضلا عن الإعفاءات الجمركية، إلى جانب التمكين من العقار الصناعي اليوم.
هذا وعبر ذات المسؤول عن أسفه لعدم استغلال ثروة جلود الأضاحي بولايات الجنوب، في صورة إهدار للثروة التي تدر أرباحا كبيرة، مع غياب تام للمدابغ هناك، وتعذر نقلها، داعيا للتعجيل بإقامة مدابغ في منطقة الجنوب.
الطريقة الصحيحة لحفظ الجلود
وتأسف جابر بن سديرة من الطريقة غير الصحيحة لحفظ جلود الأضاحي، حيث قال “يتعامل الكثير مع جلود الأضاحي بعد عملية الذبح بشكل غير احترافي، قد ينتج عنه في كثير من الأحوال هلاك جلد الأضحية وعدم القدرة على الاستفادة منه، موضحا ضرورة فصل قطع الجلود بشكل متكامل كقطعة واحدة من دون تمزيق وإهدار ما يمكّن من إعادة استخدامه بشكل أفضل، فضلا عن العناية بقطعة الجلد من خلال فرد الملح الخشن على الجلد من الجهة الداخلية المقابلة للحم قبل أن تتم معالجته في المدابغ”.