يتفق محلّلون وخبراء على أنّ الاحتفال بعيدي الاستقلال والشباب هو مدّ جسور بين الأجيال التي صنعت الثورة والأجيال التي عليها أن تحافظ على إرث ثورة التحرير المجيدة، وهو ما لا يتأتّى سوى بالعلم والعمل والتفاني فيه والإخلاص لهذا الوطن، وما حملته رسالة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون بالمناسبة خير دليل على ذلك.
حملت رسالة الرئيس تبون في طياتها تعزيز شعور الشباب بالانتماء لوطنه وتاريخه وذاكرته وهو ما يصنع الوعي الايجابي الذي تعوّل عليه الحكومة في خطاباتها لمواجهة الهجمات التي تستهدف الجزائر على أكثر من صعيد، وفي عصر يتميز بالتكنولوجيا الرقمية وسهولة الوصول الى فكر المجتمع.
يرى محللون أنّ 61 سنة من الاستقلال هي ثورة كبرى بعد ثورة نوفمبر 54 ورسالة رئيس الجمهورية، أكدت على أن المعركة اليوم هي معركة بناء وطن والمحافظة عليه من خلال نبذ ثقافة الاتكالية والرعي “عقلية البايلك” المهدرة للثروات الوطنية.
أوضح المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجلفة عبد الرحمن بن شريط، أن الرئيس تبون عندما يخاطب الشباب فهو يدعم التوجه الذي يتناسب مع ما يعرف بـ«الجزائر الجديدة”، وهذه الأخيرة كما نفهمها هي “جزائر” تخاطب الأجيال المستقبلية، والمراهنة على الشباب هو توجه في كل الدول يعتبر توجه سليم وذو مصداقية عالية.
وأضاف الدكتور بن شريط ان الجزائر وكما يعلم الجميع دولة شبانية بامتياز مقارنة مع دول الغرب المتهالكة في معدل العمر بها، والتي تعمل على القضاء قيم شبانها من خلال أفكار مهدمّة للقيم وفطرة الإنسان، على عكس الجزائر التي لا تفوت فرصة لترسيخ القيم الوطنية والدينية السليمة في نفوس شبابها.
ودعا المحلل السياسي بن شريط الى شحن الشباب بالقيم التاريخية النابعة من قيم الثورة التحرير المجيدة لمواجهة المد الهادم للقيم الإنسانية العابر للحدود عبر تكنولوجيا الاتصال ووسائط التواصل، بالإضافة الى خطر المخدرات الذي يتم تهريبها عبر الحدود الغربية، مشيرا إلى أن تمكين الشباب من أدوات التكنولوجيا ومواكبة التطور ينبغي مرافقته بترسيخ القيم الوطنية، ومناسبة عيد الاستقلال خير سبيل لذلك.
ويرى بن شريط أن الربط بين عيد الاستقلال والشباب معادلة هامة جدّا وينبغي أن تكون ضمن مخطط عمل كل الحكومات والبرامج السياسية التي تنحى بالجزائر الى منحى تقدمي ينظر الى المستقبل، لذلك فإن رئيس الجمهورية يعي جيّدا مدى أهمية تحسين نوعية الأداء الشباني من خلال تثمين الكفاءات وبعث كل الأدوات المرتبطة بتكوين الشباب وليس فقط في الإطار الجامعي.
ودعا محدثنا الى ضرورة الاهتمام بميدان التكوين المهني وتنويع المجالات التي يمكن أن تستقطب الشباب وإعطاء تسهيلات وضمانات لخريجي التكوين من أجل تعزيز مراهنة الحكومة على الشباب.
وأضاف الأستاذ بن شريط ان توجه الحكومة نحو تعزيز عالم المؤسسات الصغيرة والناشئة وما يعرف بـ« ستارت آب” ينجلي من خلال المراهنة عليه للتكفل بالشباب وإقحامه في سوق العمل وفق منظور ومقاربة جديدة تجعل من الشاب خلاّقا للثروة بدل الباحث عن الوظيفة.
وفي ذات السياق نوّه الدكتور بن شريط بضرورة التكفل بملف البطالة ومحاولة دعم الشباب ومنحه كل الأدوات اللازمة لتبنّي مشاريع الدولة وبذل جهد اكبر للرقي بقطاع الاقتصاد والخدمات، مشيرا إلى المستفيدين من منحة البطالة وكيفية إدماجهم في سوق العمل .
ومن جهة أخرى يرى العديد من المتابعين للشأن المحلي، أن قوة الجزائر في شبابها المتعلم والواعي وهو ما يدعو إليه الرئيس تبون منذ توليه سدّة الحكم في البلاد، وما يتجلى أكثر من خلال التحول الكبير في الاهتمام بالتخصصات العلمية في الجامعات ومراكز التكوين من طرف الحكومة ودعمها لكل ما له علاقة بالعلوم التقنية والتكنولوجيا الحديثة، من اجل إعداد نشء مشبع بالعلوم التي تشكل مظهرا من مظاهر القوة لدى الدول.
وفي ذات السياق فإن دعوة الرئيس عبد المجيد تبون الشباب والمجتمع الجزائري عامة بالانخراط في عالم المقاولاتية واقتصاد المعرفة هي بمثابة التأكيد على توجهات الدولة الحالية ومخططاتها المستقبلية التي تنبني على المؤسسات المتوسطة والصغيرة واقتصاد المعرفة للنهوض بالاقتصاد الوطني.
ومثلما عنونت الجزائر عامها الماضي بالسنة الاقتصادية بامتياز، وهذا العام بسنة الإقلاع الاقتصادي، فإن الكثير يرى بأنّ العالم اليوم يوصف بعصر التحديّات بامتياز، ورئيس الجمهورية عبد المجيد تبون حينما يتوجه للشعب بخطاباته في مختلف المناسبات فهو يقصد هذه التحديات التي تتمثل في الاقتصاد والسياسة واجتماعية وعلمية، وحتى ما يتعلق بثوابت الأمة من هوية ومبادئ وقيم.
ويدعو الرئيس في رسالته الأخيرة وفي كل مناسبة الى ضرورة اليقظة والتسلّح بسلاح العلم والعمل من اجل دخول معترك التحديّات التي تواجه العالم اليوم، والتي ينبغي أن ندخلها أقوياء بوحدتنا وعملنا ودون الاتكال على أي طرف، فالرهانات تجدد والعالم اليوم يشهد تحولات جيوسياسية، لذا فالرهان القوي هو على الشباب العامل والمتعلم الذي يحمي اقتصاد بلاده ويسعى دوما لتعزيز مكانته بين الدول.