بهدف تعزيز حماية المسيرين والمستثمرين وتحرير روح المبادرة، لاسيما في القطاع الاقتصادي العمومي وخلق أحسن الظروف لتنشيط الاقتصاد الوطني، اتخذ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون منذ الأشهر الأولى لتوليه رئاسة البلاد جملة إجراءات لـ“رفع التجريم” عن أخطاء التسيير.
تجسد ذلك من خلال سن قانون يعدل ويتمم الأمر رقم 66- 156 والمتضمن قانون العقوبات، ومراجعة الأحكام المتعلقة بالجريمة المنصوص عليها في المادة 119 مكرر من القانون، بإدراج عناصر موضوعية وعقلانية تسمح للقاضي بتقدير المسؤولية الجزائية للمسير، اعتمادا على عناصر موضوعية تتمثل في خرق القوانين والتنظيمات وقواعد الأمن. ويشرع البرلمان في مناقشة مشروع القانون مباشرة عقب افتتاح الدورة البرلمانية العادية القادمة 2023- 2024.
وتطرق رئيس الجمهورية لمسألة رفع التجريم عن فعل التسيير لأول مرة في الندوة الوطنية حول مخطط الإنعاش الاقتصادي التي انعقدت شهر أوت 2020، حيث أكد على هذا المبدأ تشجيعاً للمبادرة وتمكيناً للمستثمرين من القيام بمشاريعهم بكل أريحية. وتأتي هذه الخطوة التي تندرج ضمن مسعى السلطات العمومية لتكريس نظام الحوكمة وإنهاء جو الخوف والريبة لدى المسؤولين والمسيرين بهدف دعم وتنشيط الفعل الاقتصادي والمساهمة في تحرير المبادرة الخلاقة للثروة، من خلال إدخال تعديلات على قانون العقوبات لاسيما ما تعلق بالآليات الإجرائية التي كانت في المادة 119 من القانون.
وتنص المادة 119 من قانون العقوبات والتي عوضت بالمادة 29 من القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، على المعاقبة بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 50000 دج إلى 200000 دج كل قاض أو موظف أو ضابط عمومي أو كل شخص ممن أشارت إليهم المادة، تسبب بإهماله الواضح في سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقامها أو وثائق أو سندات أو عقود أو أموال منقولة وضعت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها.
وفي هذا الصدد يؤكد النائب بالمجلس الشعبي الوطني وعضو لجنة الشؤون القانونية، سعد بغيجة، أن المادة 119 من قانون العقوبات جاءت قديماً في ظل نظام اشتراكي، حيث كانت طريقة التسيير محددة ومخطط لها سلفاً، وكان على المسير أن يتبع الخطة الموضوعة من طرف الدولة وبالتالي في حال خروجه عنها فيعتبر أنه قد أساء التسيير، فالمطلوب منه آنذاك هو تسيير الأموال وليس اتخاذ المبادرة، أما اليوم فالجزائر تدار وفق نهج مغاير تماماً يعتمد منطق الاقتصاد الحر الذي أساسه المبادرة في التسيير والتصرف التجاري الذي يمكن أن يحقق الربح أو الخسارة.
ويضيف النائب بغيجة، أن الجديد في مشروع القانون هو الملاءمة في المتابعة؛ بمعنى أن ليس كل ما يصل وكيل الجمهورية قد يحال على القضاء، فالأخير ستكون له صلاحية التقدير، من خلال البحث في النوايا الحقيقية للفعل المقترف، وعليه فإن النوايا الحسنة أو بهدف الاجتهاد والمبادرة، يحفظ الملف وتعتبر المتابعة غير مجدية، وهو ما يشكل ضمانة حقيقية للمسيرين.
من جانب آخر، يشير ذات المتحدث، إلى أن مشروع القانون لم ينص القانون على طريقة رفع التجريم أو التعديل للمادة 119، وإنما جاء بتوصية من أجل رفع التجريم عن طريق آليات موضوعية وعقلانية وعلمية بالنسبة للقاضي لتكوين قناعة وتحديد الجرم، ففي قانون العقوبات ينبغي أن تكون الجريمة محددة وأركانها معروفة، فلا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص.
من جهته يوضح النائب بالمجلس الشعبي الوطني يوسف عجيسة، أن رئيس الجمهورية أدرك التحديات والتخوفات المواجهة للمسيرين في القطاع العام، والتي جعلت المديرين والولاة المنتخبين والمسؤولين وكل من بيده التوقيع والترخيص في تردد وريبة، ما أدى إلى تعطل وتوقف النشاط التنموي، وعليه بادر إلى طمأنتهم من خلال إصداره لتعليمة للعدالة بعدم الأخذ بعين الاعتبار رسائل التبليغ مجهولة المصدر وكذا تخصيص نص تشريعي يعطيهم الضمان والأمان عند المبادرة من دون أن يخشى المسير المساءلة والمحاسبة في حال ارتكابه لأخطاء تسييرية من دون نية سيئة، لأن الخطأ في التسيير أمر قابل الحصول وهو راجع أساساً إلى كفاءة المسير الطاقم المصاحب له كمجلس الإدارة أو المستشارين، وبهذا يفصل ويفرق القانون بين الهفوة التسييرية والجريمة الاقتصادية الممارسة عن سبق إصرار وتعمد.
تجدر الإشارة أيضا، إلى أن مشروع القانون يقترح تجريم عرقلة الاستثمار بسوء نية، وتسليط عقوبات صارمة، قد تصل إلى الحبس لـ12 سنة، إذا ارتكبت الجريمة بغرض المساس بالاقتصاد الوطني وسهلت وظيفة الفاعل ارتكابها.