يواصل رئيس الجمهورية حرصه الشخصي على الدفع قدما بقطاع الإعلام والاتصال، حيث قام، بمناسبة إحياء الذكرى الـ61 لعيد الاستقلال والشباب، بوضع حجر الأساس لإنجاز المدينة الإعلامية، وهو صرح يتربع على مساحة 74 هكتارا، ويضم منطقة لوسائل الإعلام واستوديوهات للتصوير وقرية للفنانين وفضاء للتعليم والبحث ومنطقة متعددة الخدمات.
يحدث هذا بعد تأكيد الرئيس تبون على ضرورة تحقيق انطلاقة جديدة لقطاع الإعلام تؤسس لصحافة قوية ومؤثرة، في لقائه الإعلامي الدوري الأخير مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية شهر ماي الماضي، داعيا بذلك الصحفيين إلى الانتظام في نقابة قوية وإنشاء هيئة عليا لأخلاقيات المهنة بما يسمح بطرح انشغالاتهم أمام الحكومة،
يؤكد أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر رشيد فريح، أن المدينة الإعلامية التي قام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في إطار إحياء الذكرى الـ61 لعيد الاستقلال والشباب، بوضع حجر الأساس الخاص بها، هي إضافة نوعية للمشهد الإعلامي الجزائري، حيث ستوفر فضاء مثاليا للممارسة الإعلامية، وتسمح للمؤسسات الإعلامية بمسايرة التطور التكنولوجي، خاصة العمومية منها التي تنشط ضمن مقرات قديمة لم تعد تستجيب لمتطلبات العلام الجديد، كما أن هذا الصرح سيسمح بتوطين المؤسسات التلفزيونية الخاصة بالجزائر، حيث لن يكون هناك مبررا لتواجدها خارج الوطن، ما سيتيح لمصالح الدولة في نفس الوقت تنظيم أفضل ومراقبة جيدة للقطاع بما يخدم المصلحة الوطنية.
وفي ذات السياق، يوضح الكاتب والصحفي، فيصل بوعروة، أن بناء مدينة إعلامية جزائرية بمعايير دولية من شأنه تغيير نظرة العالم نحو الجزائر، لاسيما في ظل ما تشهده البلاد من حركية ونمو في مختلف المجالات، وبالتالي، لا يمكن الحديث عن بناء جزائر جديدة دون صورة إعلامية جديدة تتماشى والتطورات الحاصلة في البلاد وهذا ما سيتجسد من خلال مشروع دزاير ميديا سيتي، الذي يعد خطوة كبيرة ورائدة نحو المستقبل، من شأنها أن تعطي دفعا قويا للمشهد الإعلامي الجزائري من مختلف الجوانب، سواء من حيث استقرار المؤسسات الإعلامية، وتوفر المعدات التقنية واستوديوهات التصوير، وكذا الانترنت ذات التدفق العالي، أو من حيث توطين البث بالنسبة للقنوات الخاصة، على غرار تقريب المؤسسات الإعلامية من بعضها البعض ما يجعل التنسيق بينها أمرا ممكنا، كما أن الاحتكاك بين الصحفيين والتقنيين ومهنيي القطاع، يجعل منهم درعا حقيقيا لصد مختلف الهجمات الإعلامية التي تشن ضد الجزائر.
ويضيف الإعلامي بوعروة، أنه مما يدعو إعلاميي ومهنيي القطاع للتفاؤل، هو أن أهداف المدينة الإعلامية لا تقتصر على المستوى المحلي وحسب، وإنما تمتد إلى الانفتاح على العالم، من خلال مدينة حديثة شاسعة تشمل عدة مجالات مترابطة فيما بينها وتصب كلها في خدمة المشهد الإعلامي الوطني وتقديم صورة حقيقية عن الواقع داخليا وحتى عالميا، ومما يمكن أن يعطي الإضافة أيضا ـ يردف المتحدث – لهذه المدينة العصرية والمتطورة كعمران، هو الاستثمار في الإنسان كذلك، من حيث التكوين المستمر للإعلاميين والتقنيين ومختلف المهنيين، ومن خلال تفعيل قانون الإعلام وتسيير القطاع وفق ما ينص عليه التشريع، وتحسين ظروف عمل وحياة المهنيين حتى يكونوا ويبقوا درعا حصينا وأداة حقيقية لصناعة صورة إعلامية قوية عن الجزائر.
من جانبه يرى أستاذ الإعلام والاتصال بالمركز الجامعي عبد الله مرسلي بتيبازة عمر ميلايني، أن مشروع المدينة الإعلامية المسماة “دزاير ميديا سيتي” هو تخلص من الإرث الاستعماري بدءا بسيميائية الاسم، وتطلع نحو أفق جديد وصورة جديدة تواكب التحديات العالمية، فمن شأن المشروع توفير بيئة مهنية جيدة للإعلاميين، من خلال توفير كل المرافق والتجهيزات بمقاييس عالمية، ما سيساهم بطبيعة الحال في تغيير المشهد الإعلامي في المنطقة المغاربية.
ويشير الأستاذ ميلاني إلى أن الحروب المعاصرة باتت تعتمد الصورة والمواقع الإخبارية والخبر، وبالتالي فالمدينة ستتجاوز كونها حاضنة لمؤسسات إعلامية، لتصبح بمثابة سفير ووزير للخارجية والدفاع ـ إذا صح التعبيرـ كما هو معمول في الكثير من الدول، طبعا في إطار إعلامي قائم على الصناعة الخاصة بالسمعي البصري، كما يستطيع المشروع أن يجعل من الجزائر مركزا هاما للإعلام في المغرب العربي، وكذا مركزا يمنح الأمل لطلبة الإعلام والمجالات ذات الصلة، في غد مشرق. ويذكر محدثنا معطى آخر متعلق أساسا بالجانب النفسي للصحفي أو التقني، حيث ينوّه أن هذا الصرح الإعلامي من شأنه شحن الطواقم الإعلامية بالطاقة الإيجابية لتقديم الأفضل.
بدوره يرى الكاتب الصحفي صابر عيواز، بأن مشروع المدينة الإعلامية يحمل في طياته عديد النقاط التي تصب في مسعى الدولة الجزائرية، الرامي لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، فالمشروع يتناسب مع مكانة وحجم الجزائر السياسي والاقتصادي، ما سيساهم في تطوير البيئة الإعلامية على مختلف الأصعدة، ويكون واجهة متميزة إقليميا، ومركزا إعلاميا وثقافيا وتقنيا رائدا في المنطقة.
ويضيف محدّثنا، أن وضع حجر الأساس لانجاز المدينة الإعلامية، يعتبر قفزة نوعية لمواكبة التطور الحاصل في ميدان تكنولوجيا الاتصال بشكل عام وفي شعبة الإعلام بشكل خاص، وعليه فالمشروع من شأنه أن يأخذ بالجزائر نحو اللحاق بركب الدول التي سارت في نفس النهج، والاضطلاع بدور صناعة الإعلام في تعزيز نماذج اقتصاديات المعرفة في المجتمعات باعتباره أحد أهم مصادر القوة الناعمة التي تخدم مصالح الدول، فتؤطر مجالات حيوية لإحداث تنمية مستدامة على الصعيد الداخلي، وتنسج جسور نحو الخارج، وتسمع صوت البلد وتعرف بموروثه وعاداته وتقاليده والفرص التي يحوزها من أجل الاستقطاب وتعزيز الانفتاح من جهة أخرى.
ويردف ذات الصحفي، أن مشروع المدينة الإعلامية الذي أزيح الستار عنه أخيرا، ليدخل بذلك مرحلة التجسيد الميداني، سيمكّن من رقمنة قطاع الإعلام والاتصال، وبالتالي إحداث تحول إعلامي يقود لخلق منصات متعددة لضمان القدرة على المنافسة وإثبات الذات في ظل الثورة التكنولوجية وتطبيقاتها التي تغزو العالم، والمعلوم أن صناعة الإعلام اليوم أصبحت تعتمد على نموذج واضح يضمن التحول نحو دعم مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة، ومنه التخلي عن الوسائل والممارسات والسياسات التقليدية القديمة للمؤسسات الإعلامية، وبذلك جاء التطوّر الذي يشهده قطاع الإعلام على مستوى بنية هذه المؤسسات وتقنيات الإنتاج وتكنولوجيا المعلومات والاتصال المستخدمة، وهو ما ترجمته دول كثيرة كانت سبّاقة لإنشاء مدن إعلامية كانت بمثابة مركز انطلاق للترويج لمختلف السياسات والتوجهات، ما أدى إلى حدوث غزو ثقافي متعدد الأبعاد والآثار، هنا وهناك.
ويختم صابر عيواز حديثه لجريدة “الشعب”، بالتأكيد على أن مشروع المدينة الإعلامية، يأتي ضمن سلسلة المشاريع الكبيرة التي تحظى باهتمام خاص من قبل أعلى هرم في الدولة، نظير وزنه وبعده الإستراتيجي، كأحد أهم قطاعات المستقبل والمعرفة، حيث ينتظر أن يكون وجهة محفزة، لصناعة المحتوى الإعلامي والإبداعي والاستغلال الأمثل للإمكانات المتاحة، باعتبار أن الجمهور الجزائري مستهلك كبير لمحتويات المنصات الإعلامية الرقمية، في وقت يتصاعد نمو سوق تكنولوجيا الإعلام والاتصال بشكل متسارع.