أجبرت قلّة المياه في ولايات جنوب البلاد المعروفة بالظروف المناخية القاسية والجافة، فلاحي تلك المناطق الاعتماد على المياه الجوفية والآبار ذات الملوحة العالية، والتي طالما شكلت خطرا على المنتجات الزراعية، وأضرّت بالمحاصيل الزراعية في هذه المناطق..
هذا ما جعل المهندس لهرم صالح ابن مدينة بسكرة، صاحب مؤسسة ناشئة مختصة في تصفية المياه المالحة وشبه المالحة، يعمل على ابتكار “فلتر” يعالج مياه الآبار ويخلصها من الملوحة والمعادن، بل ويتحكم في درجة الملوحة بحسب احتياج المزروعات، وأكثر من ذلك، استغل ابن بسكرة المناخ الصحراوي لاستغلال الطاقة الشمسية الهائلة، حيث يعمل الجهاز بالطاقة الشمسية، لاستخدامها ليس فقط في الري وإنما في الشرب أيضا.
يهدف نموذج “فلتر” لتحلية مياه الآبار إلى تقليل الملوحة والتخلص منها، حيث يعمل على التحكم في نسبة الملوحة ودرجتها بحسب نوعية المزروعات واحتياجاتها للأملاح المعدنية، في دراسة دقيقة لنوعية مزروعاته ومتطلباتها، حيث يسعى صالح إلى أن يكون مشروعه بادرة خير بالولاية، كما يسعى إلى تعميم التجربة مستقبلا على باقي الأراضي الصحراوية، إذا ما تمت مساعدته في الحصول على مقر بالمنطقة الصناعية، بغية توسعة المشروع الذي يتحكم في ملوحة مياه الآبار عن طريق استغلال الطاقة الشمسية، وهذا خدمة للوطن ومساهمة منه في ترقية التنمية المحلية والاقتصاد الوطني، من أجل كسب رهان التنمية الزراعية المستدامة وتحقيق الأمن الغذائي، انطلاقا من جنوبنا الكبير، في ظل تشجيع الدولة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، للمنتوج المحلي، ولم لا تصديره إلى الخارج، علما أن المنتوج الجزائري والصحراوي خصوصا يعتبر من أجود المنتجات الزراعية في شمال إفريقيا والقارة عموما، والمطلوب الأول في أوروبا، حيث يزداد الطلب عليه سنويا، خاصة منتوج التمور.
«فلتر».. اختراع صديق للبيئة لتصفية المياه المالحة
الحاجة أمّ الاختراع..
في حديثنا مع صالح الذي أتمّ عامه الـ38، علمنا أنه خريج جامعة البليدة “سعد دحلب” بشهادة مهندس دولة في الكهرباء والطاقة الشمسية دفعة 2014، وككل شاب طموح، بدأ عمله من خلال الشركة الوطنية للكهرباء والغاز “سونلغاز” بولايته، كما عمل بكل من الجزائر العاصمة وباتنة، فيما تم توظيف صالح بشركات الكهرباء والغاز بحاسي مسعود.
ولأنه متعدد المواهب، عمل أيضا في شركات المقاولة، ما جعله يتمكن من ادخار مبلغ من المال، مكّنه فيما بعد من تحقيق حلمه وإنشاء مؤسسة خاصة به، مبتكرا “فلتر” لتصفية مياه الآبار المالحة وشبه المالحة، المتواجدة بولايات الجنوب، حيث بدأ العمل منذ ما يقارب ثمانية أشهر. في وقت يحتفظ المهندس في صدره بطموح كبير يتجلى من خلال عشر ابتكارات أخرى، لم يصرح بعد بها رسميا، حيث يعمل على إخراجها للنور متى سمحت له الفرصة بذلك، وغداة تطوير مؤسسته.
وقال صالح وهو يتحدث عن ابتكاره: “يمكن استخدام هذا الفلتر لتصفية وإنتاج مياه الري والشرب أيضا باستخدام الطاقة الشمسية، كما يمكن استخدام الكهرباء، غير أن استعمال الطاقة الشمسية من شأنه تخفيف تكاليف الإنتاج مستقبلا، والحفاظ على البيئة، ومن جهة أخرى ترشيد استغلال الكهرباء، مبرزا أنه بات من الضروري “الاعتماد على هذه التقنية لإنتاج مياه ذات نوعية جيدة ومناسبة للري الزراعي، حيث يعاني سكان المناطق الجنوبية من ارتفاع ملوحة المياه الجوفية، إذ يتجاوز مستوى الملح المعايير العادية لمياه الشرب، ونتيجة لذلك، فإن هذه المياه – قبل تصفيتها – لا تكون صالحة للشرب وضارة للسقي”.
وأفاد ابن مدينة طولقة، أن الفكرة راودته منذ صغره، حيث كان شاهدا على معاناة الفلاحين في المنطقة، واستمرت المعاناة حيث عانى هو الآخر من هذا المشكل، قبل اختراعه “للفلتر”، إذ أن العديد من الأشجار أُتلفت بحقله بسبب الري بالمياه المالحة، ما جعله يعقد العزم على ابتكار نموذج جديد من الفلتر يعمل بالطاقة الشمسية والكهرباء أيضا، كلفه في البداية مبلغ 22 مليون سنتيم.
التحكم في نسبة ملوحة المياه وتكييفها مع احتياجات المزروعات
وبعد أن اتبع كل خطوات إنشاء مؤسسة ناشئة تم احتضان مشروعه من طرف حاضنة المشاريع، وانطلق صالح في عمله بجد وحزم، وبدأ في أول مشواره بتوظيف حوالي 15 شابا في انتظار توسعة المشروع وتوظيف حوالي 50 عاملا مستقبلا، أغلبهم سيكونون من خريجي الجامعات، ولا يستثني صالح أصحاب المستوى الدراسي المتوسط، نظرا لحاجة مؤسسته لتنوع اليد العاملة والمختصة، في انتظار الحصول على اليد العاملة المؤهلة.
نتائج إيجابية وطموح غير محدود
فعلا.. نجح صالح في اختراع فلتر لتصفية المياه شبه مالحة والمالحة، وها هي أراضيه اليوم تسقى عن طريقه، كما تم تنفيذ هذا المشروع في ولاية غرداية، إذ تعاني مياه الآبار هناك من ارتفاع ملوحة المياه، ولقد تمكّن صالح من انجاز نظامين من “الفلتر” لمعالجة المياه الجوفية المالحة، بعد طلب من أصدقاء من غرداية، وهذا لسقي أراض فلاحية مزروعة بمختلف الفواكه، على غرار البطيخ الأحمر، والأشجار المثمرة المختلفة مثل البرتقال، الليمون وغيرها، إلى جانب استفادة شجر النخيل من هذه الطريقة، فمشروعه موجه لخدمة سكان الجنوب وتم تجريبه ونجح بشهادة المستفيدين منه.
ولأن طموحه كبير وغير محدود، يطالب المهندس صالح من السلطات المحلية، مساعدته في الحصول على مقر له بالمنطقة الصناعية، بغية توسعة هذا المشروع، وتمكينه من الإفراج عن مشاريع أخرى لا تقل أهمية، على شكل ابتكارات، متمنيا أن يحظى بالتفاتة تعينه على تجاوز الصعوبات التي تعترض طريقه، خاصة الإدارية منها، مع توفير أماكن إنجاز المشاريع، ليلح ابن الجنوب على ضرورة وضع كامل الثقة في الشباب المبتكر ودعمه.
ابتكارات مستقبلية في الأفق
وعن أهم مشاريعه المستقبلية، تحدث صاحب جهاز تصفية المياه المالحة وشبه المالحة، عن أفكار تراوده على شكل ابتكارات، على غرار جهاز لتخزين الطاقة الشمسية والاستفادة من شساعة مساحة الجزائر وطاقتها الشمسية الهائلة، حيث يهدف تخزين الطاقة الشمسية التي تنتجها الألواح، إضافة إلى ابتكار أعمدة إنارة متحركة، إلى جانب اختراع محرك للرش المحوري يعمل بالطاقة الشمسية، وانجاز اللافتات الإشهارية بالطاقة الشمسية والتحكم فيها عن بعد، كما يحتفظ صالح بفكرة اختراع “كونتاتور” ــ مفتاح كهرومغناطيسي ــ للتحكم بلوحة توزيع الكهرباء عن بعد للمضخات الغاطسة، واختراع جهاز إنذار يعمل بالطاقة الشمسية.
ويختم صالح كلامه فيقول: “مشروعنا يوفر للسكان المحليين مياه الري بحسب احتياجات مزروعاتهم، باستخدام الطاقة الشمسية والكهرباء أيضا، وأنا هنا أركز على إيجابية الطاقة الشمسية، وقد بدأ السكان المحليون يكتشفون هذا المشروع، وقد أظهروا إعجابهم به”، خاصة وأنه صديق للبيئة، مضيفا في نفس السياق: “علينا استغلال ثروات بلادنا الطبيعية من أجل ابتكار مشاريع لخدمة وطننا”.