ما زلنا نقول إنّ التراتبيات الرقمية عبر شبكة أنترنيت، لا تدلّ على مستوى المادة المرتبة، ولا على قيمتها المعرفية، فالغالب – لحدّ الآن – أنّ الحظوة بالمراتب العليا في الانتشار، تختصّ بما يتعلّق بـ»الإثارة» وما يصنع «الدّهشة»، وليس بما ينفع الناس بالضرورة، فالأمر – في مجمله – لا يختلف عن ذلك الدّرس القديم الذي يتمثّل مفهوم «الخبر» في (رجل يعضّ الكلب)؛ وعلى هذا، ليس مستغربا أن يتحوّل شخص إلى (نجم النّجوم) بمجرّد إلقاء نفسه في صندوق قمامة..
وليس ينبغي أن يفوتنا بأنّ طبيعة الأشياء عموما، تتأسّس على «الجدل»، فما هو إيجابي، قد تكون له سلبياته، تماما مثل السلبي الذي يحتفظ بإيجابياته، ولا تختلف «أنترنيت» في هذا، فهي جليلة النفع إذا استخدمناها، بالغة الضّرر إذا استخدمتنا؛ لهذا ينبغي التعامل مع كلّ فكرة بتمحيص المفاهيم، واستيعاب المضامين، وليس على طريقة (مهبولة وقالوا لها وَلْولي)..
ولا نشكّ مطلقا أنّ «الرقمنة» صارت تحصيل حاصل في حياة البشر، بل لا نشكّ أنّ فوائدها (عارمة)، فقد أعفتنا من أعباء دفع الفواتير، وأعفتنا من الانتظار أمام شبابيك البلديات والبريد ومختلف القباضات، وقرّبت البعيد، وسهّلت الصّعب، ويسّرت القصد، غير أنّ التراتبيات التي تروّج لها لا تقتضي التسليم المباشر، ولا الاعتماد عليها باعتبارها مؤشرات موضوعية على ما ينفع، ومن ذلك أنّ ترتيب (Google Scholar) للباحثين، لا يعني مطلقا بأنّ الأعلى ترتيبا هو الأكفأ والأقدر على الدراسة؛ لأنّ المسألة هنا متعلقة بنوع من المجاملات في (الإحالات)، وليس بحصافة البحث العلمي، ولا بـ»إضافات» هامّة يحتاج إليها عالم البحث، ولا تختلف تراتبيات الصّحف الكلاسيكية والرقمية، فالعبرة بـ»جودة» المادة، والقدرة على تسييرها، وليس بما قد ينتهي – لا قدّر الله – إلى صناعة جيل عاجز عن قراءة مقال..