مع ارتفاع درجات الحرارة، تزداد المخاوف من اندلاع حرائق بالغابات أو المحيطات القريبة منها، وتحولها إلى كارثة تلتهم الأرواح والممتلكات، مثلما جرى في السنوات الماضية، حيث سجلت خسائر كبيرة لم تمح أثارها بعد، ما استدعى اتخاذ جملة من القرارات الاستباقية، وأخرى استعجالية لحماية الثروة الغابية وتأمين الأرواح والممتلكات.
على ضوء ذلك، استنفرت وزارة الفلاحة، و12 قطاعا وزاريا معنيا بتنفيذ خطة المكافحة الوقائية ضد حرائق الغابات، جهودهم، بداية هذا الأسبوع، حيث شهدت الجزائر ارتفاعا قياسيا في درجات الحرارة، استدعى رفع حالة التأهب القصوى وتجنيد كل الوسائل والإمكانات 24/24 ساعة، لتحسين التدخل الأولي عند اندلاع الحرائق، ومنع تحولها إلى كارثة. وقد سجل اندلاع 35 حريقا منذ 1 جوان إلى يومنا هذا، أكبره حريق ولاية سيدي بلعباس، الذي أتلف 75 هكتارا. كما اندلعت حرائق بسيطة بكل من ولايات تيبازة، بومرداس، المدية، سطيف والنعامة، حيث تتواصل عملية إخماد البعض منها.
حلول استباقية..
يقول دراجي بلوم علقمة خبير استشاري في شؤون البيئة والتنمية المستدامة، إن “السلطات قد أخذت العبرة من عواقب السنوات الفارطة، إذ تم أخذ العديد من الاحتياطات الاستباقية والاحترازات الوقائية من خلال تسخير أقصى الإمكانات على مستوى الولايات المعنية بمكافحة حرائق الغابات، من خلال عدة عمليات تشمل عدة قطاعات التقنية محليا ووطنيا”.
مخاوف من اندلاع حرائق بعد ارتفاع درجات الحرارة استئجار وحجز طائرات قاذفة للمياه لمواجهة أي طارئ
فقد تم تحديد نقاط المياه بدقة لكل منطقة وإنجاز أحواض مائية تستغل لإخماد الحرائق”. والأهم هذه السنة، بحسب الخبير، “هو اقتناء طائرات متخصصة في عملية الإطفاء وأيضا استئجار وحجز طائرات قاذفة للمياه، وإنجاز منصات أو قواعد لهبوطها وأيضا مناطق تزويدها بالمياه بطرق علمية ومدروسة مسبقا، فتح المسالك والخنادق الغابية على مستوى الولايات المعنية لتسهيل عملية التدخل وأيضا من شأنها الحد من امتداد الحرائق”.
ويعتقد الخبير بلوم علقمة، أن الأهم في الاستراتيجية الوطنية للوقاية ومكافحة الحرائق، العمل على إدخال تقنيات جديد ذكية في مكافحة الحرائق للإنذار المبكر أو الحيني طبقا للمعايير والمقاييس المعمول بها دوليا، والذي من شأنه أن يعزز منظومة مكافحة الحرائق ومن شأنه أيضا أن يسمح بتلقي تبليغات إلكترونية ومباشرة عن بداية اندلاع النيران في المناطق التي قد تكون أعلى خطورة مما تنبئه التجارب السابقة للمناطق المصنفة عالية الخطورة وشديدة اندلاع الحرائق عبر التراب الوطني. كما يجب التدريب بما يكفي، لإدخال منظومة استخدام طائرات “درون” في مراقبة الغابات، الأكثر عرضة للحرائق، كونها أحد أبرز التقنيات المعمولة حاليا للإنذار المبكر والتدخل السريع.
ويبقى نجاح استراتيجية الوقاية ومكافحة الحرائق، مرهون بمستوى الجاهزية واليقظة ومدى الوعي المطلوب على كل المستويات، بما في ذلك المواطن وعمليات التحسيس والتدريبات اللازمة لمواجهة أي طارئ لحماية 4 ملايين هكتار من الغطاء الأخضر في الجزائر” المعرض لأكبر خطر قد يهددها.
أسباب الحرائق..
وعن أهم أسباب تكرار نشوب الحرائق كل سنة وخاصة في فصل الصيف، قال الخبير الاستشاري في البيئة، “نجد بالدرجة الأولى الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة الناجمة عن الاحتباس الحراري، كونها من العوامل الأساسية التي تساهم في زيادة حدة حرائق الغابات، سواء كان اندلاع الحرائق جاء بشكل طبيعي أو بفعل الإنسان”، موضحا أن الجزائر تقع في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وهي منطقة تعتبرها اللجنة الحكومية الدولية للخبراء الدوليين حول تغير المناخ، واحدة من 24 “بقعة ساخنة” الأكثر عرضة لتغير المناخ، متأثرة بالظواهر المناخية المتطرفة المتكررة (الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات وما إلى ذلك…).
من جهة أخرى، نجد نقص الوعي لدى بعض الأشخاص، لاسيما أثناء التدخين أو الخرجات الغابية للاستجمام أو غيرها، حيث تترك الفضلات وبعض النفايات من الزجاج والمغلفات أو المعلبات ومع الجفاف والحرارة المرتفعة قد تكون أحد أكثر المسببات لنشوب الحرائق وأسباب أخرى متعلقة بإنتاج الفحم بالطرق التقليدية أو ما شابهها لدى السكان القاطنين بهاته المناطق الجبلية تحسبا لفصل الشتاء، خاصة المناطق المعزولة، ما قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه وعدم التحكم في النيران عند هبوب الرياح الجافة أو غيرها، خاصة في فصل الصيف أين تشتد الحرارة، بالإضافة إلى شح أو قلة الأمطار في السنوات الأخيرة ما زاد من حدتها، كما تم تسجيله السنة الماضية. وليست الجزائر منفردة بهاته الظاهرة، فهو الحال بالنسبة لكل الدول المعرضة لمثل هكذا ظاهرة، لاسيما الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
أضرار لا تحصى..
تلحق حرائق الغابات أضرارا لا تعد ولا تحصى، حيث تتسبب في إتلاف آلاف الهكتارات لأكثر من 21 ولاية من أجمل المناطق الغابية والفلاحية بالجزائر، إضافة إلى الخسائر التي تطال الحيوانات بكل أنواعها وهذا الوضع، بحسب بلوم علقمة، يهدد التوازن البيئي والتنوع البيولوجي، وما لذلك من انعكاسات على الكائنات الحية وحتى على الاقتصاد الوطني لما تحتله هاته المناطق من أهمية بيولوجية ومداخيل بالنسبة للسكان القاطنين بهاته المناطق، وهو ما قد يهدد استقرارهم والكل مرتبط بالآخر، فالغابات هي المكان الحيوي لعديد الكائنات الحية التي لها دور رئيسي في التوازن البيئي والتنوع البيولوجي اللذين يساهمان بقوة في رفاهية الإنسان للعيش في بيئة طبيعية جميلة ونقية. والتي، للأسف، شهدت أضرارا لم يسبق لها أن حدثت بهذا القدر والفظاعة في الخسائر حتى البشرية والتي تسعى الدولة على مستوى كل القطاعات المعنية استنتاج العبرة والحلول الاستباقية لعدم تكرار مثل هكذا سيناريوهات.