لا يكفّ بعض الصّالحين عن المفاضلة بين الكتابين، الكلاسيكي والرّقمي، وعادة يصوغ أنصار القديم كلاما منمّقا في التعبير عن الأشواق إلى روائح الورق، والحنين إلى ما كان يتيحه كتاب الزمن الجميل لقارئه، حين يمكّنه من وضع سطر هنا، وكتابة ملاحظة هناك، وتجفيف وردة بين الصفحات، وغير ذلك من طقوس القراءة الكلاسيكية.
فيردّ أنصار القراءة الحداثية وينوّهون بالمكتبات الرّقمية العامرة، ويفخرون بأن مكتبة الهاتف الواحد يمكنها أن تكون أكبر من مكتبة هارون الرشيد في بغداد، بل إنها يمكن أن تضاهي مكتبة الكونغرس في أمريكا، ثم يفصّلون في شرح الأداء العالي للقراءة المعاصرة، ويشيدون بسهولة الحصول على المعلومات الدّقيقة من ملايين الكتب، بمجرد نقرة بسيطة، ثم يلقون بـ(القاضية) حين يعبّرون عن سعادتهم بعدم الحرمان من وضع السطور وكتابة الملاحظات على برامج القراءة المحترفة..
والحق أن القراءة المعاصرة أقلّ كلفة، وأنّها توفر الصّعب، وتختصر الوقت، ويمكنها أن تقدّم نتائج مبهرة بسهولة كبيرة، غير أن سلبياتها كثيرة، لعل أهمّها إمكانية تسلّل (فيروس) صغير من أربعة أسطر، يقضي على المكتبة بأسطرها والملاحظات التي دوّنت عليها، ويترك القارئ وهو يقلّب كفّيه على ما أنفق فيها. ثمّ إن الرّقمي مرتبط (بطبيعته) بسلك كهربائي رفيع جدا، قد (ينسحب) من الخدمة في أيّة لحظة، ما يوقع القارئ في حرج كبير حين يكتشف أن هاتفه أو حاسوبه، مجرد ركام من المواد المصنعة لا نفع يرجى منها، تماما مثلما يمكن أن ينقطع تدفّق أنترنيت لسبب أو لآخر، فتتحوّل الآلة إلى (حطبة) منقّحة..
طيب.. لن نرافع للكلاسيكي ولا للحداثي، فالمسألة المهمّة عندنا هي «القراءة» في ذاتها، والله يرحم الجزائري الصنديد القائل: الجديد حبُّو.. والقديم لا تفرّط فيه..