تجدد الجزائر في كل مناسبة دعمها الدائم واللامشروط للقضية الفلسطينية التي تعتبر “القلب النابض للعالم الإسلامي”، وهو ما تجسد هذه المرة بتخصيص مساهمة مالية بقيمة 30 مليون دولار للمساعدة في إعادة إعمار مدينة جنين الفلسطينية، بقرار من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وهذا على إثر الاعتداء الهمجي الإجرامي الذي شنّته قوات الاحتلال الصهيوني على مدينة جنين ومخيمها في الضفة الغربية، والذي خلف العديد من الضحايا بين الأشقاء الفلسطينيين العُزل، وألحق دمارا في البنى التحتية مع تشريد العديد من الفلسطينيين الذين تركوا منازلهم بحثا عن ملاجئ آمنة.
القضية الفلسطينية هي “القضية الأم وتكاد تكون قضية داخلية في الجزائر”، هكذا وصف الرئيس عبد المجيد تبون الالتزام الرسمي والشعبي في الجزائر بدعم القضية الفلسطينية في أحد تصريحاته الصحفية التي ما فتئت تجهر بالمساندة الدائمة للقضية الفلسطينية كونها القضية العربية الأسمى بالنسبة للجزائر، ليؤكد في كل مرة على تمسك الجزائر الدائم بالدفاع عن القدس الشريف بكل ما يحمله ذلك من معاني الانسجام والتلاحم مع تاريخ الجزائر الوطني ومبادئ ثورتها المجيدة، وهو ما رسم في رد الجزائر على الاعتداء الهمجي الذي طال مدينة جنين، فأعربت مجددا عن تضامنها الدائم مع نضال الشعب الفلسطيني، ضد الاحتلال الصهيوني، ومطالبته بحقوقه الوطنية المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وامتناناً لجهوده الناصرة للقضية الفلسطينية، وآخرها إقرار مساهمة مالية بقيمة 30 مليون دولار للمساعدة في إعادة إعمار مدينة جنين، تلقى رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، رسالة خطية من نظيره الفلسطيني، رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أعرب له فيها عن شكره على المساهمة المالية العاجلة التي قدمها لإعادة إعمار ما دمره الاعتداء الهمجي الاجرامي الذي شنته قوات الاحتلال الغاشم على مدينة ومخيم جنين.
وفي هذا الصدد، يؤكد عيسى قراقع، رئيس المكتبة الوطنية الفلسطينية ووزير شؤون الأسرى والمحررين السابق، في حديث مع “الشعب”، أن جنين ومخيمها تعرضتا لعدوان همجي صهيوني وهي ليست المرة الأولى التي ترتكب فيها مجازر وجرائم من إعدامات ميدانية وهدم للبيوت وتشريد واعتقالات، وقد أصبح الوضع كارثياً وصعباً، وكلها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لابد أن تحاكم ويحاسب بشأنها الكيان الصهيوني على مستوى القضاء الدولي، ومن هنا، تأتي أهمية مبادرة الرئيس الجزائري، السيد عبد المجيد تبون بدعم مخيم جنين وتعزيز صموده وإعادة إعماره، وهو موقف وطني عروبي ورد على المحتل، مضمونه أن الجزائر ستبقى دوماً مع نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني حتى نيل الحرية والاستقلال، وهذا ليس جديدا على الجزائر قيادة وشعباً، نصيرة الحق الفلسطيني التي لم تتخل عن شعب فلسطين في الماضي والحاضر والمستقبل.
من جهته، يوضح أحمد الغندور، وهو كاتب ودبلوماسي فلسطيني، في تصريح لـ«الشعب” أن جنين مخيم لاجئين أنشئ لتهجير الفلسطينيين من بلداتهم الأصلية في سنة 1948، تشرف عليه وكالة الغوث. يعاني سكانه جملة من المشاكل المعيشية، من ضيق المساحة والاكتظاظ وشح المياه وقلة المؤسسات الإنسانية التي تقدم خدمات ضرورية للسكان، وفوق جملة المتاعب هذه، يستمر الاحتلال الصهيوني الفاشي بعدوانه على أهالي المخيم بلا توقف أو هوادة، فقد سبق وأن دمر مخيمها عن بكرة أبيه في سنة 2002، لكن المخيم نجح بالتعافي بفضل صمود أهله وما تقدمه الحكومة الفلسطينية من خدمات.
ويضيف الغندور أنه رغم كل العداء الصهيوني، تبقى جذوة النضال والمقاومة المعتمدة على الأخوة والوحدة الوطنية السمة الأبرز للمخيم في تصديه للاحتلال، وتبقى شجاعة أبنائه مثالاً يحتذى به، وهو ما أطلق جنون المحتل ليكرر عدوانه بمنتهى الوحشية، من خلال جرائم مسّت البشر والشجر والحجر وكانت بشاعتها واضحة عبر الإعلام المباشر وشهادات الأحياء الذين عانوا مأساة النزوح الثاني في القرن الحادي والعشرين، تاركين المخيم في وضع مأساوي، لفقد الأعزاء وتدمير المنازل والممتلكات بالطائرات الحربية بما في ذلك المستشفى ودور العبادة، واقتلاع البنية التحتية التي تعتبر من أساسيات حياة السكان، في محاولة يائسة لقتل الشعور لدى السكان بالانتماء وحب الوطن والتضحية حتى الحرية.
ويردف المتحدث: من هنا تأتي مبادرة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، واحدة من أصدق المبادرات للإغاثة والدعم، هذه الخطوة المعتقة بالأنفاس الطاهرة للأشقاء في الجزائر، الداعية ليل نهار لفلسطين بالحرية والاستقلال. تأتي لتحمل نخوة العروبة بعيداً عن النفاق الغربي الذي لا يقدم إلا فقاعات هواء وذر الرماد في العيون وتوفير الغطاء غير الشرعي لجرائم الاحتلال. كما تأتي هذه المبادرة الكريمة رسالة حب من سيد المقاومين إلى إخوانه في النضال لتمسح الجرح وتشد العزم والمساندة لمواصلة طريق التحرير.
ويختم أحمد الغندور حديثه لـ«الشعب” بالقول: “مهما حملت الكلمات من مشاعر ومعان ودعوات، فهي لا تفي الجزائر، قيادة وحكومة وشعبا، حقها في صدق حبها ودفء عطائها لفلسطين”.
وفي السياق، يؤكد حسان بلحسن، الباحث والمختص في العلوم السياسية، في إفادة لـ«الشعب”، أن مساهمة الجزائر في جهود إعادة إعمار جنين تعبّر عن انسجام الموقف الرسمي والشعبي تجاه فلسطين، وتجسيدا عملياً للمبادئ التي ميّزت موقف الجزائر من القضية.
من ناحية أخرى – يقول محدثنا – وجب التنبيه إلى أنّ السياق الإقليمي والدولي يفرض على الجزائر تسجيل حضورها بقوة بالنظر إلى سعي الدول المطبّعة من أجل التأثير على مسار القضية الفلسطينية وتوسيع دائرة التطبيع، كما يكرس هذا الدعم مبدأ التوازن والمساواة بين جميع الأطراف والفصائل الفلسطينية على غرار قطاع غزة، حيث شاركت الجزائر باستمرار في جهود إعادة الإعمار ومختلف أنواع الدعم المباشر وغير المباشر.
يذكر أن عدد شهداء فلسطين منذ بداية العام 2023 وصل إلى 205 شهيداً ارتقوا برصاص الاحتلال الصهيوني، 64 منهم في جنين، 44 في نابلس، و37 في قطاع غزة.