يؤكد الأستاذ الجامعي بجامعة تولوز والمستثمر المغترب، لطفي غرناوط في اتصال مع “الشعب”، أن الخطاب السياسي للسلطات العليا في البلاد، عبر صراحة عن الإرادة القوية والصادقة للسلطات العليا، من خلال سعيها وحرصها الدائمين على إيجاد الحلول الملائمة لإدماج الجالية الوطنية بالخارج، بشكل يحسن من وضعها ويجعلها تنخرط بشكل فعال في سياسات الدولة عبر مختلف المجالات، فقد اتضحت الإرادة السياسية للسيد رئيس الجمهورية، في الشق المتعلق بالجالية الجزائرية، من خلال التزامه منذ حملته الانتخابية، بوضع مقاربات جديدة في التعامل مع المغتربين الجزائريين، وتشجيع التفكير الممنهج في إستراتيجية وطنية متعددة الأبعاد تضمن تعبئتهم وتحفيزهم، وكذا الاستفادة منهم في المسيرة التنموية لبلادنا.
انخراط في مسار التنمية
أما على صعيد الجالية، يقول لطفي غرناوط، فإنه لا يمكن إنكار رغبة وإرادة فئة كبيرة من أفرادها في الانخراط في المسار التنموي الذي تبنته الجزائر على عدة أصعدة، منذ تولي الرئيس تبون سدّة الحكم؛ ذلك ما تضمنه عدة عوامل، أهمها الاستقرار السياسي في البلاد، ومباشرة الإصلاحات الهيكلية المستقبلية لإدماجهم بشكل فعلي في مقاربة التنمية الاقتصادية، حيث تعتبر هذه الرغبة المتزايدة مؤشرا إيجابيا على نجاح الآليات المطروحة.
وفي هذا الصدد، تطرق المتحدث إلى تجربته الشخصية، كنقطة تقاطعأفراد الجاليةالجزائرية بالخارج، فمن موقع الإطار الجزائري المغترب، والمستثمر بالجزائر، والناشط في أوساط الجالية بمختلف شرائحها، توصل،على ضوء نتائج لقاءاته واحتكاكه بنظرائه من المستثمرين المغتربين، إلى الجزم بحتمية التفكير المنهجي والعلمي في بلورة خطة قابلة للترجمة ميدانيا، إذ يرى غرناوط، أن بلورة إستراتيجية محكمة انطلاقا من تحديد الأهداف المنتظرة بدقة للوصول إلى إشراك فعلي للجالية الجزائرية بالخارج، يتطلب عملا تشاركيا تكون فيه الجالية حلقة هامة في صياغتها وبشكل موسع.
إن تحديد الأهداف المنتظرة وقدرات الجالية بدقة– يقول غرناوط – من إحصاء وجمع المعلومات، وتحديد المؤثرين بدقة، إضافة إلىتحديد المستثمرينوالكفاءات المعول عليها، تعتبر المنطلق الأساسي لنجاح استقطاب ودمج الجالية الوطنية في التنمية، وهذا يمكن تجسيده عبر تحديد الأدوات الخاصة والضرورية من آليات إدارية وإمكانيات مالية، لتنفيذ هذه الخطوة بشكل متكامل.
وتتعلق هذه النقطة الهامة، يوضح غرناوط، بخلق إطار تواصل حقيقي وفعال بين السلطات الجزائرية والفئات المستهدفة لإشراكها في التنمية وتعريفها بالواقع الاقتصادي بالجزائر بشكل دقيق، كالتحفيزاتوالإمكانات المتاحة، فإذا كانت السياسة الاقتصادية للبلاد موجهة نحو تعزيز التنافسية الاقتصادية، فإن الإستراتيجية تجاه الجالية تكون مركزة بشكل أكبر على الكفاءات والخبرات ودراسة إمكانات استرجاعها. أما إذا كانت سياسات الدولة الاقتصادية مركزة على إعادة التوازن لميزان المدفوعات، فإن الإستراتيجية المتعلقة بالجالية، ستتركز بشكل أكبر على وضع تسهيلات وسائل تساهم في رفع التحويلات المالية.
تشجيع الاستثمارات ونقل المشاريع.. مسؤولية مشتركة
وفي ذات السياق، عرض لطفي غرناوط بعض آليات استقطاب الجالية وتشجيعها على الاستثمار المباشر والمنتج في الجزائر، بدءا بالتواصل وإيصال المعلومة عبر إستراتيجية إعلامية فعالة، بهدف تعريف الفئات المهتمة بطرق الاستثمار بالجزائر والإجراءات اللازمة لذلك، والقطاعات ذات الأولوية. الأمر الذييفتقده معظم أفراد الجالية، وركّز محدثنا على الدور الذي يجب أن تلعبهالوزارات المعنية ببرامج الاستثمار، وضرورة التنسيق مع منظمات وجمعيات المتعاملين الاقتصاديين بالجزائر، البنوك، الدوائر الاقتصادية بالقنصليات، واستحداث شباك موحد للمعلومات للتعريف بكل إجراءات الاستثمار.
وشدد غرناوط على ضرورة فتح قنوات الاتصال والتعاون بين المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين ونظرائهم من الفئات المهتمة بالاستثمار من الجالية، وهو دور يقع على عاتق منظمات وجمعيات المستثمرين الجزائريين – يؤكد المتحدث– فهو ضمانة للتعريف بالفرص المطروحة من أجل شراكة اقتصادية. ودعا غرناوط إلى مضاعفة الملتقيات الاقتصادية مع أفراد الجالية حول الاستثمار في الجزائر، مؤكدا على دور الجمعيات المختصة بالخارج أو الجزائر، وفعاليات المجتمع المدني في تنظيموالتحضير الجيد لهذا النوع من الملتقيات لتشمل كافة الشرائح المهتمة. خاصة تلك المتمركزة في الخارج لضمان فعاليتها.
إعلام الجالية بفرص ومناطق الاستثمار
إن نجاح عملية تعبئة المستثمرين المغتربين وحاملي المشاريع والخبرات – يستطرد المتحدث – يمر عبر وضع وتطوير محاور ومقترحات عملية، بدءا بتجسيد الرؤية الحالية بخصوص تعزيز العلاقات مع أفراد الجالية الجزائرية، خاصة منها الفئات المهتمة بالاستثمار، ونقل الخبرات والمعارف، وذلك من خلال تواصل السلطات العمومية والشركاء الاقتصاديين بالمستثمرين وحاملي المشاريع الجزائريين بالخارج، واقترح محدثنا تعزيز عمل مؤسسات الدولة باستحداث، هيئة تنسيقية استشارية للجالية، للتنسيق، وجعل هذه الهيئة نافذة مفتوحة على البيئة الاقتصادية في الجزائر، وسفارة اقتصادية تكون مركز تواصل موحد للقضاء على تضارب المعلومة، وتتلخص مهامها– يواصل محدثنا – في إحصاء وتحديد الفئات المهتمة بالاستثمار من رجال الأعمال بالمهجر، وربطهم بالبيئة الاقتصادية الجزائرية، لضمان التوجيه الفعال والدائم والفوري للمستثمرين وحاملي المشاريع، وضمان التنسيق الناجع بين فعاليات الجالية وهيئات المرافقة الاقتصادية، الوزارات المعنية ببرامج الاستثمار، وجمعيات المتعاملين الاقتصاديين بالجزائر، كما تُعنى الهيئةبإعلام الجالية دوريا بفرص الاستثمار، التحفيزات، القطاعات ذات الأولوية، مناطق الاستثمار بالجزائر من خلال دورات إعلامية ولقاءات اقتصادية دورية والبحث عن شراكات محلية، بالإضافة إلى جمع التوصيات والاستشارات دوريا وتغذية الإستراتيجية الموجهة لتعبئة الاستثمارات.
تقوية شبكات رجال الأعمال لتسريع إدماجهم
من المهام الجوهرية للهيئة الاستشارية المقترحة من طرف غرناوط، وضع وتنفيذ برنامج ترويجي وإعلامي شامل لمدة زمنية محددة من سنة إلى خمس سنوات، عبر خلق قنوات تواصل وتعزيز القنوات الموجودة للاتصال المباشر كالمنصات الرقمية، المرصد الوطني للمجتمع المدني، جمعيات الجالية، جمعيات رجال الأعمال الجزائرية، مجلس الجالية الاقتصادي، المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، المجلس الأعلىللشباب ، الإعلام أيضا عبر الشبكة القنصلية، والعمل على تسريع وتسهيل نقل الخبرات والتجارب والاستشارات للمؤسسات المحلية المصغرة والناشئة، إلى جانبتطوير وتقوية شبكات رجال الأعمال ودمج حاملي المشاريع ضمن هذه الشبكات لتسريع إدماجهم في مناخ العمل بالجزائر.مع الاعتماد على إطار بشري مؤهل وذي خبرة وكفاءة اقتصادية ودراية ميدانية بمتطلبات الجالية وتطلعات المستثمرين المغتربين والعراقيل المطروحة.. يتواصلون فيما بينهم عبر منصة الكترونية تسمح بالتنسيق وتبادل الخبرات بين الطاقات البشرية الجزائرية في الخارج .
وركز غرناوط على ضرورة المرور بشكل حتمي عبر إصلاحات بنكية، من أجل انخراط كلي لرجال الأعمال الجزائريين بالخارج، لضمان مرونة تمويلهم لمشاريعهم، ونقل أموالهم. لتأتي بعد ذلك خطوات مكملة كاستحداث صندوق خاص لتمويل المشاريع ذات القيمة المضافة العالية والمبتكرة لأفراد الجالية، وتسهيل عملية استحداث المؤسسات عن بعد، وعبر منصات رقمية.